الأسرة المسلمة والتحديات المعاصرة
قبل نحو عقد من
الزمان، صدر كتابي الأول بعنوان «الأسرة المسلمة والتحديات المعاصرة»، ولكن
التحديات التي تواجهها الأسرة الآن قد اختلفت وتشعبت.
التحديات العقدية
أخطر ما يواجه
الأسرة المسلمة في هذا العصر التحديات العقدية المتمثلة في حملات التشكيك في
القرآن والسُّنة، ومحاولات نشر الإلحاد بين الشباب وبخاصة فئة المراهقين، وهدفهم
ليس إخراج المسلم من دينه بالكلية، ولكن الوصول للإنسان المحايد الذي لا يؤمن
بوجود الصواب والخطأ، وكل شيء عنده نسبي ويمكن تبريره، بما في ذلك الإلحاد
والخيانات والعلاقات غير السوية (الشذوذ).
التحديات التعليمية والثقافية
تواجه الأسرة
المسلمة المعاصرة تحديات تعليمية وثقافية، فقد حدث تحول رقمي لنظام التعليم في ظل
جائحة «كورونا»، وكان له أثره على دور المعلم التربوي، وآثاره على الأسرة، وآثاره
على الطلاب.
والتحدي الثقافي
لا يقل خطورة عن التحدي العقدي والتعليمي، فغزو الثقافة الغربية بلغ مداه، وأدواته
هي نشر الإلحاد والانحلال والشذوذ من خلال الأفلام والمسلسلات والأغاني المصورة
ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ونشر العنف من خلال الألعاب الإلكترونية.
وحملات التغريب
المستمرة منذ عقود أدت إلى الذوبان وضياع الهوية وأصابت المسلمين بالهزيمة النفسية
ودفعتهم إلى التقليد الأعمى، وتلك الحملات كان الهدف منها تشويه تاريخ المسلمين
وقطع صلتهم بماضيهم، ومن جانب آخر عملت جاهدة على صناعة قدوات زائفة في المجتمع من
الفنانين والفنانات واللاعبين ومشاهير منصات التواصل الاجتماعي.
التحديات الاجتماعية
هناك مخططات
ممنهجة لاستهداف مؤسسة الأسرة، وتشويه مفهومها، وهناك حملات منظمة للتطبيع مع
العلاقات غير الشرعية كالمساكنة والمثلية وغيرهما، ويمكن القول: إن هناك حرباً غير
معلنة على الأسرة وكيانها.
ومظاهر هذه
الحرب تتمثل في تشويه العلاقة بين الرجل والمرأة تحت مسميات كالمساكنة والإباحية،
والتطبيع مع العلاقة بين فردين من نفس الجنس كالمثلية والشذوذ الجنسي.
وآثار هذه الحرب
نلمسها في التفكك الأسري، الذي شاع نتيجة غلبة النزعة الفردية، ورغبة كل فرد في
إشباع حاجاته، ونجدها في ارتفاع معدلات الطلاق التي تصل إلى 50% في بعض المجتمعات،
وأغلبها يحدث خلال السنوات الثلاث الأولى من الزواج.
التحديات الاقتصادية
التحديات
الاقتصادية أصبحت سمة بارزة للمجتمعات الإنسانية سواء في الدول الغنية أو الفقيرة،
حيث الفقر والديون وانتشار البطالة في الدول الفقيرة، وتحديات الوفرة في الدول
الغنية والمتمثلة في النزعة الاستهلاكية والتوسع في الاقتراض من أجل الكماليات
والرفاهية.
ومن التحديات
التي تواجهها الأسرة المعاصرة غلاء المهور وارتفاع تكاليف الزواج والتقليد الأعمى
والعادات البالية في الزواج التي تكلف الشاب فوف طاقته وتضطره في كثير من الأحيان
إلى الاستدانة.
وعمل المرأة
يمثل تحدياً معاصراً للأسرة والمجتمعات، فقد انتقلت الزوجة من الكفاح مع الرجل من
أجل الحفاظ على تماسك الأسرة واستقرارها إلى الاستغناء عن الرجل تحت شعار التمكين
وتحقيق الذات!
التحديات الإعلامية
أكبر وأخطر
التحديات التي تواجه الأسرة المعاصرة تتثمل في وسائل التواصل الاجتماعي، التي قربت
البعيد وأبعدت القريب، وأخطارها تتمثل في تضييع الأوقات والأعمار، والتأثير السلبي
للمؤثرين ومعظمهم من التافهين والتافهات، بالإضافة إلى انتشار منصات نشر الإلحاد
والإباحية والشذوذ الجنسي.
وهناك الخطر
المتمثل في شبكات الترفيه، التي تقوم بإنتاج الإعلانات والأفلام والمسلسلات التي
تدمر القيم وتهدم الأسر والمجتمعات، والخطر القادم يكمن في الواقع الافتراضي وعالم
«ميتا» القادم، وما يبشر به من عزلة وهروب من الواقع والعيش في الخيال والأحلام
والبقاء في منطقة الراحة أو منطقة الأمان (Comfort Zone).
التحديات الخارجية واستهداف الأطفال
بالإضافة
للتحديات الداخلية التي تواجهها الأسرة المسلمة، هناك تحديات خارجية، تتمثل فيما
يلي:
أولاً: الأطفال
في الدول العربية والإسلامية مستهدفون، ومن أشكال ذلك استهداف المناهج الدراسية في
المدارس الأجنبية، وتهميش اللغة العربية لصالح اللغات الأجنبية، والمفاهيم التي
يتم غرسها في نفوس الأطفال من خلال تلك المناهج الغربية، واللغة وعاء التفكير،
وتكون مصحوبة ومحملة دائماً بمفاهيم الثقافة التي تعبر عنها.
ثانياً: من
أشكال استهداف الأسر المسلمة في الدول الغربية، إقرار ولي الأمر بعدم التدخل في
شؤون الأطفال، ومنح الحرية للأطفال في الإبلاغ عن والديهم، وخطف الأطفال من
عائلاتهم تحت ذريعة العنف، ودائرة الشؤون الاجتماعية في السويد والمعروفة بـ«السوسيال»
خطفت أكثر من 20 ألف طفل من أهاليهم.
والمشكلة
الخطيرة هي التربية على الشذوذ الجنسي من خلال أفلام الكرتون والأغاني المصورة
وظهور علم المثليين فيها بشكل متكرر حتى يستقر في اللاوعي، وهناك اغتيال متعمد
لبراءة الأطفال بتدريبهم على الإباحية وممارسة الشذوذ الجنسي في الروضات والمدارس.
الحلول المقترحة لمواجهة التحديات
المحافظة على
كيان الأسرة المسلمة بات أمراً غاية في الصعوبة في ظل التحديات التي عرضنا بعضاً
منها، ومواجهة تلك التحديات تتطلب أموراً، منها:
أولاً: اعتصام
الزوجين بحبل الله عز وجل، حتى قبل الزواج، واستشعار أهمية وقيمة الأسرة، وأن
المحافظة عليها مطلب شرعي، وجهاد في سبيل الله عز وجل.
ثانياً: التربية
والتنشئة على قيم الإسلام، فهي التي تحمي وتعصم الأولاد من الوقوع في الخطأ والزلل
أو الوقوع في مصائد الإلحاد والرذيلة.
ثالثاً: الحوار
المفتوح مع الأولاد، في جميع الأمور، فالوالدان لم يعودا مصدر التربية والتعليم
الوحيد لأولادها، وهناك من يشاركهما فيهما وبقوة.
رابعاً: التربية
على تحمل المسؤولية، حتى يتعلم الأولاد الاعتماد على أنفسهم من الصغر ونتجنب
السلبية والاتكالية التي شاعت في الجيل الحالي.
خامساً:
الاهتمام بالتربية الجنسية للأطفال، حتى نوفر لهم الوقاية والحماية من الحملات
المسعورة التي تروج للإباحية والشذوذ الجنسي.