; ملاحظات حول مؤتمر وزراء العدل لمجلس التعاون الخليجي | مجلة المجتمع

العنوان ملاحظات حول مؤتمر وزراء العدل لمجلس التعاون الخليجي

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 21-ديسمبر-1982

مشاهدات 36

نشر في العدد 600

نشر في الصفحة 4

الثلاثاء 21-ديسمبر-1982

انعقد خلال الأسبوع الماضي بالرياض مؤتمر وزراء العدل لدول التعاون الخليجي. واختتم المؤتمر أعماله ليصدر عنه بيان مقتضب أذاعه أمين عام مجلس التعاون الخليجي، قال فيه: إن أهم المبادئ التي اتفق عليها هي ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية في دول المجلس، وأوضح السيد عبد الله يعقوب بشارة: إن لجانًا مختصة ستقوم بدراسة إمكان توحيد مختلف القوانين المعمول بها في دول المجلس كالقوانين الجنائية والأحوال الشخصية، وكان هدف المؤتمر كما أُعلن في البيان الختامي هو: وضع نظام قانوني قضائي موحد لدول المجلس الست يكون مستمدًا من الشريعة الإسلامية.

لقد مرت وسائل الإعلام بالمؤتمر مرًا سريعًا دون أن يعيره أحد الاهتمام المطلوب، ولا ندري إن كان ذلك نتيجة غفلة أو أن إغفال هذا المؤتمر بأهدافه المعلنة كان مقصودًا من أجل تلافي الوقوع في الحرج الناتج عن التناقض الذي ما يزال سائدًا في بعض دول مجلس التعاون بين الأهداف المعلنة وبين الممارسات، سواء في مجال اعتماد الشريعة الإسلامية كمصدر وحيد للقوانين، أو في مجال القوانين الجنائية أو التجارية التي ما تزال تتحاشى الالتزام بقواعد الشريعة الإسلامية.

ولعل إغفال تغطية أعمال المؤتمر وعدم نشر مقرراته أو توصياته يوحي بأن الأمر يستدعي ما هو أبعد من مجرد قرار يتخذه مؤتمر لوزراء العدل أو الأوقاف. إن القضية تحتاج إلى قرار سياسي يتخذه مؤتمر قمة لدول التعاون الخليجي الست، ويقضي باعتماد الشريعة الإسلامية مصدرًا وحيدًا للقوانين، وأن يجري بموجب هذا القرار تعديل كافة القوانين المعمول بها في دول المجلس بحيث يُزال كل تناقض مع الشريعة الإسلامية.

هذا جانب من القضية، والجانب الأهم هو أن تطبيق الشريعة الإسلامية في هذه الحال لن يكون مجرد قرار يتخذ ويُحال إلى لجان مختصة تجري عملية تجميل للقوانين المعمول بها كي تزول الجوانب الناتئة فيها والمتناقضة مع الشريعة الإسلامية... ليس هذا هو المطلوب، فالإسلام لا يمكن صياغته من خلال مواد مقننة يطلب من الناس تطبيقها، وإنما هو دعوة تبدأ مع الإنسان فتصقل روحه وتهذب مشاعره وتحيي الوازع الديني في قلبه وتجعله يستشعر رقابة الله في كل ما يقول ويفعل، وهذا هو أهم ما يمتاز به الإسلام على القوانين الوضعية... فالقانون الوضعي يعتمد رقابة الدولة أو رجل البوليس، وإذا استطاع الإنسان الاختفاء بجريمته عن أعين الرقباء فإنه لا يعتبر نفسه محل لوم أو محاسبة... بينما الإسلام يعتمد رقابة الله والوازع الداخلي، وفي هذه الحال فإن الإنسان سوف يطبق القانون المعتمد على

أصول شرعية تنفيذًا لأمر الله أو اجتنابًا لنهيه، وسيتضاءل حجم الجريمة بعد ذلك لأن التزام القوانين سيكون نابعًا من داخل المواطن وليس مفروضًا عليه.

ليس عبثًا -إذن- أن يقضي رسول الله صلى الله عليه وسلم الفترة المكية كلها ومدتها ثلاثة عشر عامًا والقرآن يتنزل هديًا ودعوة وموعظة وتذكرة، حتى إذا ما استقر الإسلام في القلوب بدأ التشريع يتنزل في المدينة، وليس أدل على ذلك مما حصل في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم منذ خمسة عشر قرنًا، وما حصل في الولايات المتحدة الأميركية أوائل هذا القرن، إزاء تطبيق حكم واحد هو تحريم الخمر، فقد سكب المسلمون دنان الخمر في الأزقة حتى سالت وقالوا: «انتهينا يا رب انتهينا»...

بينما تخصص الحكومة الأميركية ميزانيات ضخمة من أجل الدلالة على أضرار الخمر، وسودت ملايين الصفحات، وعقدت الندوات وشنت الحملات الإعلامية، وكانت النتيجة آلاف القتلى نتيجة منع الخمر، وفشلًا ذريعًا، وانتكاسًا إلى الأسوأ من إدمان للخمر وبقية المسكرات والمخدرات.

قرار وزراء العدل لا ينبغي أن يكون القرار اليتيم، هو خطوة طيبة على طريق التطبيق الإسلامي الكامل، ولكنه يحتاج إدراكًا لكل جوانب الموضوع، وأن تتضافر كل الجهود

من أجل تنفيذه، ابتداءً بوزارات الإعلام والتربية والتعليم والثقافة، وانتهاءً بوزارات العدل والأوقاف والاقتصاد والتجارة... لأن هذه الأخيرة سوف تحصد ما تزرعه الوزارات الأولى، فتقنن وتطبق وتلتزم، بعد أن يكون الإسلام قد وقر في القلوب من خلال الكتاب المدرسي والبرنامج الإذاعي والتلفزيوني. لا نقصد بالكتاب المدرسي كتاب التربية الإسلامية وحسب وإنما كل المناهج ينبغي صياغتها صياغة إسلامية، وفي رأس ذلك كتب العلوم والطبيعة والمجتمع والفلسفة والأدب، ولا نقصد تحسين البرامج الدينية بالإذاعة أو التلفاز، وإنما أن تكون البرامج الإعلامية هادفة نحو بناء

جيل مؤمن بربه متمسك بدينه، من برامج الأطفال إلى البرامج التعليمية إلى التمثيليات وحتى الأهازيج والأناشيد يجب أن تكون رصينة هادفة غير مبتذلة ولا متخلعة.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن المملكة العربية السعودية كانت سباقة في هذا المضمار فشكلت لجانًا من أجل صياغة البرامج التعليمية وأنتجت برامج تعليمية وترفيهية متلفزة جيدة، وكذلك فإن دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر اتخذتا خطوات في هذا المضمار نأمل لها أن تستمر كما نتطلع أن تحذو جميع أقطارنا في الخليج والعالم العربي خطوات سريعة تبدأ من وضع الخطط الرائدة من أجل إعادة النظر في البرامج التعليمية والتثقيفية وتنقيتها من كل ما يتعارض مع ديننا الإسلامي الحنيف.

لا نريد أن يكون الإسلام هو عمل وزارة العدل أو الأوقاف وحسب، وإنما هو تكليف لكل مؤسسات الدولة، ولا سيما الوزارات المعنية بالتعامل مع عقول الناس وقناعاتهم.

أما الإشارة التي وردت في بيان أمين عام مجلس التعاون حول إمكانية توحيد القوانين التجارية لدول مجلس التعاون، فإن لنا عندها وقفة كذلك. صحيح أن الحياة الاقتصادية المعاصرة باتت شديدة التعقيد. لكن هذا لا يعني أن الإسلام بتشريعاته في حقول الاقتصاد والتجارة سوف يحد من النشاط والحيوية التي تتمتع بها منطقة الخليج في المجال الاقتصادي، فالإسلام شرع «أصولًا»‏ وترك للإنسان المسلم أن يصوغ هذه الأصول قوانين تحكم الحياة الاقتصادية على ضوء التشريع الإسلامي، ولما كان الإسلام قد حكم نصف الكرة الأرضية قرونًا عديدة -على تفاوت في التطبيق- فإنه يملك رصيدًا ضخمًا من التجربة التي كانت محل عناية الفقهاء، فالمذاهب الإسلامية وتراث السلف الصالح في هذا المجال زاخر بما ينير الطريق أمام السالكين على أية حال. فالإسلام يطلق الطاقات الخيرة ويدفعها نحو العطاء، ما دام ذلك يحقق للفرد كسبًا حلالًا وللمجتمع نموًا اقتصاديًا يعود بالخير على الجميع.

هذه ملاحظات، كان لا بد من تسجيلها إزاء مؤتمر وزراء العدل الذي كان يرمي إلى «وضع نظام قانوني مستمد من الشريعة الإسلامية» راجين أن تكون هذه خطوة طيبة، تتبعها خطوات، على طريق التطبيق الكامل للإسلام، والله ولي التوفيق.

الرابط المختصر :