; تطبيق الشريعة الإسلامية فريضة وضرورة (الحلقة الأولى) | مجلة المجتمع

العنوان تطبيق الشريعة الإسلامية فريضة وضرورة (الحلقة الأولى)

الكاتب د. جاسم المهلهل آل ياسين

تاريخ النشر الأحد 31-مايو-1992

مشاهدات 725

نشر في العدد 1003

نشر في الصفحة 26

الأحد 31-مايو-1992

إنه لمن نافلة القول إن نعلن أن الشريعة الإسلامية تستلزم الجهد البشري لتطبيقها. فجهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع الميادين والمجالات وتحمله وصحبه الأذى على مدى ثلاث وعشرين سنة إنما كان من أجل أن يظهر دين الله على الدين كله، أو إن شئت فقل بتعبير عصرنا أن عمله صلى الله عليه وسلم كان تطبيقًا للشريعة في أحلى صورها، وأسمى مظاهرها، فلم يكن يسعى لملك ولم يكن يسعى لجاه أو منصب، ولم يكن يسعى لمال، بل إنه صلى الله عليه وسلم رفض كل هذا حين عرض عليه في مكة قبل الهجرة من أجل أن يطبق شرع الله وينشر دين الله في العالمين.

جهود المسلمين من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية في جميع الميادين أمر لا مفر منه ولا محيص عنه، هكذا اقتضت إرادة الله وهو القائل: ﴿إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾ (الشعراء:4) لم يشأ الله ذلك للناس، وبين لهم الطريق الصحيح: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ (فصلت:33) فالدعوة والعمل بمقتضاها وإظهار الإسلام وإعلانه هو الطريق لتطبيق شرع الله في الأرض، ومن يقوم بالعمل المبني على أسس الإسلام غير المسلمين؟ ومن يجب عليه تطبيق شرع الله ليسود في العالمين غير المؤمنين؟ الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا؛ استقاموا على منهجه، سائرين على درب الرسول صلى الله عليه وسلم في العمل من أجل الدين.

الغاية واحدة وإن تعددت إليها المسالك

﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ﴾ (يوسف:40) هذه هي الغاية التي يسعى إليها المسلمون أجمعون، ليرفعوا فوق أرض الإسلام راية «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، وهم في سعيهم نحو غايتهم هذه تتعدد أمامهم المسالك وتتنوع الوسائل، وليس من الضرورة أن تتحد الوسائل مادامت الغاية واحدة واضحة لا لبس فيها ولا غموض، وأمامنا مسالك ثلاثة سعى فيها بعض المسلمين ليصل لهذه الغاية. أمامنا ما حدث في الجزائر وفي السودان، وفي أفغانستان كأدلة شاهدة على تعدد الوسائل للوصول إلى الغاية فالجزائر ذات التعددية الحزبية الكثيرة، وذات المد الإسلامي السريع المتنامي احتكم فيها المسلمون وارتضوا أصوات الجماهير حكمًا لهم أو عليهم وقد حكمت لهم الجماهير في جولتين انتخابيتين متتابعتين، ثم أوقف هذا الأمر وحدث ما تعرفونه أنتم لهذا المسلك في الجزائر.

وفي السودان تعددية حزبية أقل من الجزائر وعمل إسلامي شارك في الحكم أيام نميري ومازالت له بعض الآراء ذات التأثير على الحكومة الحالية وهو مسلك آخر مخالف في بعض نواحيه للمسلك الأول.

وفي أفغانستان كان الجهاد هو السبيل والحكم هو صوت الرصاص، وليس صوت الجماهير، ونخلص من هذا بأن الوسائل تتعدد لغاية واحدة لا تتعدد، وإذا كنا قد تحدثنا عن بعض تجارب المسلمين في بعض البلاد فلا ندعي أن هذه هي التجارب الوحيدة، فقد يضاف إليها غيرها في كثير من البلاد بما يتناسب مع الزمان والمكان.

تطبيق الشريعة في مجتمعنا الخليجي

وغايتنا هي غاية كل المسلمين تطبيق شرع الله، وإن كانت وسيلتنا قد تختلف عن وسائل غيرنا في الوصول إلى هذه الغاية، بما يتناسب مع البيئة المكانية في الزمن الذي نعيش فيه ومن المعلوم الجلي أن الإمام الشافعي رضى الله عنه كان له مذهب يفتي به في العراق، فلما ذهب الى مصر غير كثيرًا من الفتاوى لتتناسب مع البيئة الجديدة، فكان له مذهبان: قديم وجديد.

لابد إذن من النظر إلى أوضاعنا وإلى ما يحيط بنا، ونحن نسعى لتطبيق الشريعة في دول مجلس التعاون الخليجي، فالكويت إحدى هذه الدول، ليس فيها تعددية حزبية لها ظروفها الخاصة بها بين دول المجلس وبين دول العالم الإسلامي، ولكن تجربتها في ذلك واضحة إذ هناك اتفاق بين جميع الاتجاهات على اختلاف مشاربها، على أن تطبيق الشريعة الإسلامية أمر لابد منه، قد نصت على ذلك وثيقة الرؤية المستقبلية التي اتفقت عليها جميع القوى السياسية في الكويت، فأخذت بذلك إجماعًا شعبيًّا تبني الكويت بمقتضاه على دعامتين:

الأولى: هي بناء الكويت في ضوء الشريعة الإسلامية والعقيدة السمحاء.

وهذا ما يعنينا الآن من هذه الوثيقة إذ به نستبين أن غاية الكويتيين هي تطبيق الشريعة الإسلامية ووسيلتها في ذلك مغايرة لغيرها من الدول مما يؤكد ما قلناه وهو أن الوسيلة تتعدد والغاية واحدة لا تتعدد.

صرخة في واد

إن المنادين بتطبيق شرع الله كثيرون، بل لا نتجاوز الواقع والحق إن قلنا: إنه مطلب شعبي عام يسعى إليه كل فرد، ويطالب به ويسعد بتطبيقه، ولكن النداء شيء ومن يسمع النداء شيء آخر، فليستغث المستغيثون ما شاءوا، فليست هناك عين ترى، ولا أذن تسمع، ولا قلب يعي ويتدبر.. لقد صنعت الأجهزة المحيطة بالمسؤولين من أنفسها حاجزًا مانعًا لكل صوت إلا صوت من يرغبون ممن يداهنون ويتزلفون، فلم يسمع المسؤولون استغاثة مستغيث ولا نداء مستجير ولا مطلب حق يستلزم التطبيق على أيديهم وبهم، وقديمًا قيل للمنصور: إن سمع ملك الصين قد ذهب فأخذ يبكي فسئل عن ذلك فقال: أبكي لمظلوم يصرخ ببابي فلا أسمعه.

* إن الشريعة الإسلامية بتطبيقها تنشر مظلة العدالة وتحقق للإنسان الكرامة وتبعث فيه الهمة الصادقة ليعمر الكون بأمر الله

وشعوبنا تصرخ منادية بتطبيق شرع الله في الأرض، ولكن هذا الصباح لا يصل إلى هدفه ولا يأخذ مساره نحو غايته، لأن بطانة السوء التي التفت حول الحاكمين جعلت من نفسها حجابًا معنويًّا، وجعلت من نفسها أذن المسؤولين، فلا تسمع غير ما تريد، ولا تريد إلا ما يتفق مع الهوى والرغبة، وإن خالف مطلبًا شعبيًّا عامًّا، ولذلك قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «إذا أراد الله بالأمير خيرًا جعل له وزير صدق إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه، وإذا أراد به غير ذلك جعل له وزير سوء إن نسي لم يذكره، وإن ذكر لم يعنه فإذا وجد وزير الصدق هذا سمع النداء، وتحقق الرجاء، وسعد الناس بعدالة السماء. وذلك قريب- إن شاء الله- إنهم يرونه بعيدًا ونراه قريبًا».

أصول وقواعد للتطبيق الناجح رغم اختلاف الوسائل

أولًا: تطبيق الشريعة الإسلامية فريضة محكمة لا خيار للمسلم فيها يرضاها أو يأباها ﴿وَأَنِ ٱحكُم بَينَهُم بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِع أَهوَاءَهُم وَٱحذَرهُم أَن يَفتِنُوكَ عَن بَعضِ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيكَ﴾ (المائدة: 49) فلا يجوز أن يخضع هذا التطبيق لاستفتاء شعبي أو تصويت بشري وإذا كان أمر الزواج وفيه ما فيه من ميول ذاتية ورغبات شخصية- أمرًا لا اختيار فيه لأصحابه إذا قرره الله- سبحانه- فما بالك بغيره من كبريات الأمور الشرعية الأخرى؟ هذا ما بينته الآية الكريمة بعدما أنفت زينب بنت جحش أن تتزوج زيد بن حارثة حين خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا﴾ (الأحزاب:36)، والنكرة في سياق النفي تعم- كما قال علماء اللغة- وعليه فإن المقصود أي مؤمن وأي مؤمنة في أي أمر قضاه الله ورسوله، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما يقول الأصوليون.

ثانيًا: الدولة الإسلامية لابد من أن يستظل فيها المسلمون بمظلة الإسلام حتى لا يكون هناك انفصام بين ما يؤمن به المسلم، وما يراه أمامه مطبقًا على أرض الواقع، ولذا يتلاشى منها كل مظهر مغاير للدين، وتستمد كل المبادئ التي تسير عليها من العقيدة والشريعة فهي دولة تقوم على الإسلام لا على قومية أو عنصرية أو علمانية، أو غير ذلك مما تقوم عليه الدولة في عصرنا.

فالإسلام نظام شامل للحياة، يقوم على مراقبة الله وتتشابك فيه أمور الدين بأمور الدنيا تشابكًا يصلح الدنيا للناس فيعيشون فيها سعداء «الإيمان بضعة وستون أو بضع وسبعون شعبة فأعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان»، فقد جمع هذا الحديث بين العقيدة والعمل الذي ينفع الناس في دنياهم وإن كان بسيطًا صغيًرا والأخلاق.. وبهذا تتشابك هذه الأمور مما يستدعينا أن نعلن في الناس أننا نطبق الشريعة الإسلامية بأجمعها وليست القوانين الإسلامية وحدها، إذ الدين يشتمل على خطة متكاملة تجمع بين العقيدة والعبادة والمعاملات بما يشتمل عليه من قواعد دستورية السياسة الشرعية وقواعد إدارية «السياسة الحكمية» وقوانين تجارية ومدنية «العقود».

(يتبع)

الرابط المختصر :