; تركيا تجدد الثقة بـ”أردوغان” | مجلة المجتمع

العنوان تركيا تجدد الثقة بـ”أردوغان”

الكاتب د. سعيد الحاج

تاريخ النشر الأحد 01-يوليو-2018

مشاهدات 17

نشر في العدد 2121

نشر في الصفحة 32

الأحد 01-يوليو-2018

في انتخابات وصفت بأنها تاريخية ومصيرية، وبعد يوم طويل وحافل شارك فيه عشرات ملايين المقترعين، جدد الشعب التركي الثقة بـ»أردوغان» رئيساً للدولة التركية، وفق النظام الرئاسي المقرّ قبل سنة في استفتاء شعبي.

لم تكن تلك الانتخابات مثل أي من سابقاتها التي خاضها العدالة والتنمية منذ تأسيسه في عام 2001م وأول انتخابات خاضها وفاز فيها في عام 2002م، عوامل وأسباب كثيرة جعلت تلك المعركة حساسة ومحورية، بل وصفها البعض بالتاريخية والفارقة، في مقدمة تلك الأسباب بدء تطبيق النظام الرئاسي بعدها، بما يحمله النظام الجديد من صلاحيات للرئيس والسلطة التنفيذية.

كان للنظام الرئاسي تأثيره في التحالفات الانتخابية التي شهدتها تركيا للمرة الأولى بشكل رسمي وقانوني في الانتخابات التي أجريت في الرابع والعشرين من يونيو الماضي، التي كان من نتائجها توافق 4 أحزاب معارضة معروفة تحت إطار «تحالف الأمة» في الانتخابات البرلمانية، ومحاولتهم تأجيل الحسم في الانتخابات الرئاسية إلى جولة إعادة يمكنهم خلالها التوافق لدعم المرشح الذي سينافس «أردوغان».

كما أن الانتخابات أتت بعد 16 عاماً من الحكم المتواصل لـ»أردوغان» والعدالة والتنمية؛ الأمر الذي دفع الكثيرين للتشكيك بإمكانية نجاحهما هذه المرة، فضلاً عن شركات استطلاع الرأي التركية التي لم تعط أياً منهما احتمالية للفوز بنسبة كبيرة ومريحة، إذ لم تتوقع أي منها فوز «أردوغان» بأكثر من 54% ولا العدالة والتنمية بنفس نسبته في آخر انتخابات برلمانية.

أخيراً، فإن الانتخابات أتت في ظروف استثنائية، فهي انتخابات مبكرة عن موعدها بسنة و5 أشهر، وبعد انقلاب فاشل في عام 2016م، وفي ظل حالة الطوارئ المستمرة منذ ذلك الحين، وفي منطقة ملتهبة الأحداث، وبعد تراجع ملحوظ لليرة التركية أمام العملات الأجنبية.

بالأرقام

بمجرد انتهاء الاقتراع وقبيل منتصف الليل، كانت نسبة 99% من الصناديق قد فرزت؛ وبالتالي أعلن عن النتائج الأولية غير الرسمية، كما أعلن رئيس اللجنة العليا للانتخابات «سعدي جوفان» أن اللجنة ستعلن النتائج الرسمية النهائية في الخامس من يوليو بعد البت في كل الطعون والشكاوى التي وصلتها، وفي العادة، لا تختلف النتائج النهائية الرسمية عن الأولية كثيراً.

وفقاً للنتائج الأولية؛ حصل “أردوغان”، مرشح العدالة والتنمية وتحالف الجمهور أو الشعب، على 52.5%، بينما حل في المركز الثاني مرشح حزب الشعب الجمهوري “محرم إينجة” بنسبة 30.7%، ثم مرشح الشعوب الديمقراطي “صلاح الدين دميرطاش” بنسبة 8.4%، ثم مرشح الحزب الجيد “ميرال أكشنار” بنسبة 7.3%، بينما تحصّل كل من المرشحين الآخرَيْن على نسبة أقل من 1%.

وعلى صعيد الانتخابات البرلمانية، حل حزب العدالة والتنمية مرة أخرى في المركز الأول مع تراجع نسبته إلى 42.2% من الأصوات ما منحه 290 مقعداً برلمانياً، ثم الشعب الجمهوري بنسبة 22.7% ما منحه 146 مقعداً، ثم الشعوب الديمقراطي بنسبة 11.5% ما منحه 68 مقعداً، ثم الحركة القومية بنسبة 11.2% ما منحه 49 مقعداً، ثم الحزب الجيد بنسبة 10.1% ما منحه 47 مقعداً.

وفيما يتعلق بالتحالفات الانتخابية، حصل تحالف الجمهور/الشعب المكوّن من العدالة والتنمية والحركة القومية (ومعهما ضمنياً الاتحاد الكبير) على أغلبية البرلمان بنسبة 53.48%؛ ما يعادل 339 مقعداً برلمانياً، في مقابل نسبة 34.29% و193 مقعداً برلمانياً لتحالف الأمة المعارض المشكّل من أحزاب الشعب الجمهوري والجيد والسعادة (ومعهم ضمنياً الحزب الديمقراطي).

جغرافياً وعلى صعيد المحافظات، تقدم “إينجة” كما كان متوقعاً في إزمير قلعة حزب الشعب الجمهوري بنسبة 54%، وتقدم “دميرطاش” في ديار بكر قلعة الشعوب الديمقراطي بنسبة 64%، بينما فاز “أردوغان” وتقدم في 63 من أصل 81 محافظة تركية، وبلغت نسبه الأعلى في محافظات البحر الأسود ووسط الأناضول، بينما بدا وكأن إسطنبول وأنقرة قد تصالحتا مع “أردوغان” بعد نتيجة الاستفتاء العام الماضي، ففاز فيهما بنسبتي 50% و 51.5% على التوالي.

الدلالات والانعكاسات

ثمة نتائج وانعكاسات ودلالات كثيرة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية، أهمها:

- تثبيت النظام الرئاسي بعد فوز “أردوغان” وتحالف الجمهور/الشعب وفشل المعارضة في تحقيق الفوز؛ ما يعني مباشرة تطبيقه بعد هذه الانتخابات مباشرة، وفتح صفحة جديدة في الحياة السياسية التركية.

- ثبات ظاهرة اسمها “رجب طيب أردوغان” في تاريخ تركيا الحديث، فاز بالانتخابات بنسبة أكبر من التي سبقتها رغم كل ما سبق تفصيله من أهميتها وحساسيتها وتحالف المعارضة وعدد المرشحين المنافسين الكبير، وأيضاً رغم تراجع نسبة التصويت لحزبه بشكل ملحوظ، ليسجل الانتصار الانتخابي الـ13 على التوالي منذ عام 2002، وهي إحصاءات وإشارات وقرائن تثبت عدم مبالغة من يجنحون لمقارنته بـ”مصطفى كمال أتاتورك”، مؤسس الجمهوري التركية، ومن يطلقون على مشروعه لتركيا اسم “الجمهورية الثانية”.

- استقرار الأوضاع في تركيا في الفترة المقبلة بعد انقشاع حالة الضبابية والحسابات المرتبطة بالحملة الانتخابية وتوقعات النتائج، وفي ظل التناغم الحادث بين الرئاسة وأغلبية البرلمان، بما سينعكس إيجابياً على تركيا في الداخل والخارج.

- خريطة جديدة للبرلمان، بدخول حزب خامس هو الحزب الجيد بقوة للبرلمان، إضافة لبعض الأسماء من الأحزاب الصغيرة التي ترشحت على قوائم الأحزاب الكبيرة، يعني ذلك توازنات جديدة داخل البرلمان واحتمال إعادة التموضع بين التحالفات، وانعكاسات كل ذلك على العلاقة بين البرلمان والرئاسة.

- موجة قومية في البرلمان الجديد: تركياً من خلال زيادة حزب الحركة القومية لأصواته ودخول الحزب الجيد (المنشق عنه) بقوة، وكردياً بتخطي الشعوب الديمقراطي العتبة الانتخابية وبقائه في البرلمان، وهي مؤشرات مهمة سيكون لها انعكاسات في الطرفين، على صعيد العلاقة التحالفية بين العدالة والتنمية والحركة القومية، وعلى صعيد العلاقة بين الحركة القومية والجيد، وعلى صعيد دور الشعوب الديمقراطي في الحياة السياسية التركية وعودة الملف الكردي -احتمالاً- إلى طاولة صانع القرار التركي.

- تراجع واضح في نسبة التصويت للعدالة والتنمية من 49.5% في انتخابات عام 2015م إلى 42.5% وخسارته لأغلبية البرلمان بمفرده، لكن مع الحفاظ عليها ضمن تحالف الشعب، وهي رسالة واضحة من الناخب تتضمن عدم الرضا عن بعض الأمور، وقد تلقفها الحزب وعبر عن ذلك “أردوغان” بوضوح في كلمته بعد الفوز من على شرفة الحزب، ووعد باستخلاص العبر واستدراك الأخطاء في الفترة المقبلة، وهو أمر ضروري لعدم استمرار النزف في رصيد الحزب.

- الفارق الهائل بين نسبة التصويت لحزب الشعب الجمهوري (22.7%) ومرشحه للرئاسة “محرم إينجة” (30.7%)، وهذه الأخيرة نسبة أعلى من أي نسبة أخرى تحصل عليها الحزب في السنوات القليلة الأخيرة (أعلاها 25%)، بما يعني أن “إينجة” أظهر نجاحاً أكبر من رئيس الحزب “كمال كيلتشدار أوغلو” الذي سبق أن نافسه على رئاسة الحزب مرتين فشل في إزاحته خلالهما عنها، ولعل النتيجة الأخيرة تعيد نقاش رئاسة الحزب وكفاءتها مرة أخرى للعلن.

- ستكون تجربة النظام الرئاسي لافتة، إذ سيكون هناك فترة بناء المؤسسات ومنظومة العلاقات بينها غالباً وفق رؤية الرئيس “أردوغان” التي أعلنها قبيل الانتخابات، التي تضمنت تقليل عدد الوزارات ودمج بعضها لتخفيف عبء البيروقراطية ورفع مستوى التنسيق.

لاحقاً، يفترض أن ينعكس النظام الرئاسي وسلطته التنفيذية المستقرة وآلية قراره السريعة استقراراً وسرعة وزخماً داخلياً وخارجياً، خصوصاً في ملفات الاقتصاد والسياسة الخارجية والأمن القومي.

في الختام، يستحق الشعب التركي تحية على المشهد الحضاري الذي قدمه في انتخابات حساسة وضخمة ومعقدة الحسابات، لكن دون أحداث تذكر بل بكل سلاسة، وبتواضع المنتصر واعتراف المهزوم، وبعودة الحياة السياسية لوتيرتها العادية بعد سخونة الحملات الانتخابية.

وتدخل تركيا، من جهة أخرى، مرحلة جديدة في تاريخها الحديث وتجربة العدالة والتنمية عنوانها “النظام الرئاسي وتجديد الثقة لأردوغان وتحالفه”؛ الأمر الذي سنتابع نتائجه وارتداداته في المستقبل على المديين القريب والبعيد.

الرابط المختصر :