; الكتَّاب الدنيويون.. وشيطنة الإسلام! (4 - 4) | مجلة المجتمع

العنوان الكتَّاب الدنيويون.. وشيطنة الإسلام! (4 - 4)

الكاتب أ.د. حلمي محمد القاعود

تاريخ النشر السبت 01-سبتمبر-2018

مشاهدات 38

نشر في العدد 2123

نشر في الصفحة 51

السبت 01-سبتمبر-2018

الكتَّاب الدنيويون.. وشيطنة الإسلام! (4 - 4)

العنصرية والوحشية

عصفور يناشد السلطة أن تتعلم للخلاص الدائم من تيار الفاشية الدينية لمصر والجزائر على السواء

بعض من يريد الشهرة من الكتَّاب غير الموهوبين يدعي أن الإرهابيين المسلمين يهددونه بالاغتيال

رواية واسيني الأعرج تجعل الإسلام مرادفاً للقتل وأتباعه قتلة يهددون بالقتل ويفتون به

فكرة اتهام الإسلام بالإرهاب والترويج لها في الرواية تشي بعدوانية مقيتة

لم يُشر عصفور إلى المستبدين بالعالم العربي الذين يحصون أنفاس الكتَّاب والأدباء والشعراء

بقلم - أ.د. حلمي القاعود:

أستاذ الأدب والنقد

لا شك أن المناخ المعادي للإسلام والمؤسسات الإسلامية العلمية يمتح من معين الإرهاب الغربي الأمريكي الذي يتحرك بالعنصرية والوحشية على أرضه وخارجها.

نشرت «الأهرام» في 24/3/2018م أن الادعاء العام في ويتشيتا بولاية كانساس الأمريكية وجَّه تهماً لثلاثة أشخاص بالتخطيط لتفجير مجمع سكني بغرب الولاية يقيم فيه مهاجرون مسلمون من الصومال، وذكرت «ريسا بيركوير»، ممثلة الادعاء، أن المتهمين، وهم أعضاء في مليشيا تسمى «قوة أمن كانساس»، شكلوا مجموعة أطلقوا عليها اسم «الصليبيون» خططوا لاستخدام سلاح دمار شامل لقتل أكبر عدد ممكن من المسلمين، وحرمان آخرين من حقوقهم المدنية، وتوجيه رسالة مفادها أنهم ليسوا محل ترحاب بالولايات المتحدة!

مثل هذا الإرهاب القبيح لا يستوقف جابر عصفور، ولا صبحي موسى، ولا واسيني الأعرج، ولا أشباههم، ولا يمثل بالنسبة لهم وخزاً للضمير أو جرحاً للمشاعر.

ويفسر جابر عصفور اهتمامه بروايات واسيني الأعرج ورفاقه من الفرانكوفونيين؛ التي تعالج الإرهاب الإسلامي كما يرى؛ فيتحدث عن معاناتهم المزعومة من الإرهابيين المسلمين الذين لا يؤمنون بفصل الدين عن الدولة، ولا يكتفون بروحانية الدين، ولا يتقبلون الحداثة بمفهومها الغربي، فهم أعدى أعداء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، أي التي لا مكان فيها للإسلام مثلما فعل أتاتورك في تركيا.

ويأسى عصفور على عدم إفادة السلطة المصرية من تجربة الجزائر فيقول: «لو كنا تعلمنا الدرس الذي مفاده أن الإسلاميين في الجزائر استخدموا الديمقراطية سُلَّماً، ثم ركلوه، وقالوا: «هذه هي نهاية اللعبة»، وفي الوقت نفسه كان الخطأ الأكبر الذي ارتكبته الدولة في الجزائر هو عزل النخبة العلمانية المثقفة، وتغليب الإسلاميين الذين استغلوا سوء الحالة الاقتصادية لاكتساح الانتخابات».

ويناشد السلطة أن تتعلم للخلاص الدائم من تيار الفاشية الدينية لمصر والجزائر على السواء، بينما يؤكد واسيني الأعرج أهمية التعليم بمعناه الحديث، وذلك بشرط أن تكون المدرسة عقلانية الاتجاه، منفتحة، إنسانية التوجه، مدرّسُوها مُشبَّعون بروح الثقافة الإنسانية، أما القُدامى من المدرسين فلا بد من تدريبهم على أفكار الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، وهي خطة إستراتيجـية واعدة، دونها سيتحول الحاكم إلى رجل إطفاء!

فالإسلام فاشي، وليس الحكم العسكري، والإسلاميون منافقون، لأنهم يتخذون الديمقراطية سُلماً ثم يركلونها، واستخدام النخبة العلمانية هو الحل؛ مما يعني إقصاء الإسلاميين، واضح أن أفكار الإسلام لا تعجب عصفوراً ولا واسيني، لأنها ليست عقلانية ولا منفتحة ولا إنسانية! وإني أسأل: هل هذا الكلام يليق بأستاذ في قسم اللغة العربية يفترض أن لديه حداً أدنى من الوعي بمفاهيم الإسلام؟ ويعلم أن الإسلام هو الدين الخاتم الذي يفسح مكاناً عريضاً للعقل أو الانفتاح على الآخرين؛ لا يوجد في عقيدة أخرى تفرض صكوك الحرمان والغفران، إن إنسانية الإسلام تغطي العالم بأسره؛ (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً {70}) (الإسراء).

هل أذكّر صديقي اللدود أن العدو الصهيوني يسمح للإخوان المسلمين بالمشاركة السياسية، وأن هناك نواباً إسلاميين في «الكنيست» اليهودي؟ وهل أذكّره بأن العالم الغربي مع كل ما فيه من قبح عنصري عدواني يسمح للإسلاميين بالنشاط السياسي والاجتماعي من خلال الأحزاب والبلديات والجمعيات المختلفة؟ لماذا يريد عصفور ورفاقه عزل المسلمين، واستعلاء الأقليات الدنيوية والوثنية في بلاد الإسلام؟

اعترافات يونس مارينا

بطل «أصابع لوليتا» لواسيني الأعرج كاتب اسمه يونس مارينا، ويكاد يتطابق في سيرته مع المؤلف، ويقدم اعترافاته عن الأثر الذي أحدثته فيه حبيبته لوليتا التي تركته بعد أن رحلت عن العالم في حادث كابوسي من أحداث الإرهاب الديني، ويونس مارينا كاتبٌ جزائري اضْطُرَّ إلى الهرب من الجزائر فراراً من كابوس الإرهاب الديني والفساد السياسي معاً (تأمل استخدام الفساد السياسي، بدلاً من الاستبداد والقمع والطغيان)، ولم يهدأ إلا بعد أن وصل إلى فرنسا التي تحررت فيها كتاباته من القيود، ونجح في أن يُصدر فيها عدة روايات جعلت منه كاتباً عربياً (يقصد فرانكفونياً) مرموقاً من الكُتّاب الذين فُرِض عليهم أن يختاروا الحياة في المنافي، بعيداً عن أوطانهم التي اكتوت بجحيم الإرهاب الديني والفساد السياسي على السواء، وفي المَنفَى يلمعُ اسم يونس مارينا وتُترجم كُتبه إلى عدة لغات أوروبية.

يونس مارينا يهرب من جحيم الإرهاب الديني –الإسلامي وليس المسيحي أو اليهودي!- فالذين هربوا من سورية مثلاً وهم بالملايين، عدا الشهداء الذين قتلوا بالبراميل المتفجرة والطائرات الروسية والمليشيات الطائفية، لم يجدوا ملجأ مثل الكاتب الذي يعيش في نعيم باريس وأنوارها، ويقيم حفلاً لتوقيع نسخ روايته المضادة للإسلام والفن، ويزعجه أن يسأله قارئ مسلم ألماني من أصل تركي: «السيد مارينا.. لماذا تكتب ضد الإسلام؟ ماذا ستربحون عندما تسخرون من ربكم؟!»، ويصفه بأنه ذو خلفية إسلامية ضيقة الأفق، وينسحب الشاب مُنَكَّس الرأس تاركاً النسخة الوحيدة المتبقية على طاولة التوقيعات، وظل يونس مارينا حائراً يسأل نفسه: «لا أدري لماذا يتحول الناس فجأة إلى محاكم التفتيش المُقدَّس؟ ومن كلَّفهم بذلك؟»، ولا أدري لماذا لم يقم يونس مارينا بالإجابة عن سؤال القارئ؟ ولماذا يفترض أنه ذو خلفية إسلامية، ضيقة الأفق؟ أما كان الأجدر به، وهو المستنير كما يزعم أن يحاور القارئ بطريقة متحضرة، ويكشف له خطأه إذا كان مخطئاً؟

ثم ماذا يعني بمحاكم التفتيش المقدسة؟ أظنه يعلم أن الذين أقاموا محاكم التفتيش المقدسة لم يكونوا المسلمين، ولكن أصدقاءه الإسبان أو الصليبيين في الأندلس، وما فعلوه يستحق عشرات الروايات، وليته احتذى اليسارية الراحلة رضوى عاشور، فقد كتبت روايتها الجميلة «ثلاثية غرناطة» لتصور ما أوقعه الصليبيون الإسبان بأهل الأندلس المسلمين من مجازر ومحارق يندى لها جبين التاريخ!

المهم في رواية الأعرج أن بطله يعيش مع حبيبته أخبار النجاح المبهر لرواياته، فالرواية وجدت جمهورها، وسوف يوقّع عقود الترجمة الدنماركية والسويدية والنرويجية والهولندية واليابانية والصينية والعبرية، واقتسم مع الحبيبة ما تبقَّى من قنينة شمبانيا الافتتاح التي جاءت بها صاحبة دار النشر!

ونفهم من السرد كما يقول عصفور أن الحبيبة مثل البطل، ضحية القتلة الجُدد، مؤكدة أن الدين عندما يُسَيَّس يفقد عفويته، ويتحول إلى كراهية بغيضة بين الناس والمُحيط، وتوقف عند كلماتها: «أحياناً يهددونكَ ليرموكَ في عُمق الرُّعبِ، مُتعتهُم الكبيرة أنْ يُفقِدوكَ توازنكَ»، وأضافت: «لا بد أن يكون ذُعركَ أكبر مع (رواية) عرش الشيطان، قالوا: إن الشيطان هو من أوحى لك بهذا النص.. قرأتُ هذا في إحدى الصحف الوطنية، قبل أن يُفتوا بقتلكَ!».

يقارن عصفور بين نصّي لوليتا، وأصابع لوليتا، ويصل إلى نتيجة: نَص عربي يُعربدُ فيه الموت باسم الدين منذ البداية إلى النهاية(!)، ونَص أمريكي تُعَرْبد فيه النشوة والرغبة التي تنتهي بالموت، ولكن باسم الحياة التي هي نوع من تفجُّر الدوافع الحيوية التي تُبقي على ربيع الحياةِ وخصوبتها.

بلا شك، فرواية واسيني الأعرج تجعل الدين (الإسلام) مرادفاً للقتل، وأتباع هذا الدين قتلة يهددون بالقتل، ويفتون بالقتل، ويرمون الكتَّاب والناس في عمق الرعب، بينما النص الإباحي للكاتب نابا كوف مرادف للحياة وربيعها!

بالطبع لم ينظر الكاتب واسيني أو الناقد عصفور حوله في البلاد العربية؛ ليرى الرعب الحقيقي الذي تصنعه حكومات القتل والذبح والتهجير والنزوح واستقدام الدول الكبرى وغيرها لقتل الشعب الذي قد لا يهتم كثير من أفراده بشأن الدين أو قضاياه، ولا يعرفون معنى فصل الدين عن الدولة، ولا معنى تسييس الدين كما تشير الرواية أو من يحتفي بها.

تساؤلات

الكاتب الذي يجد مرتعاً خصباً في بلاد الثقافة الاستعمارية المهيمنة، يعمّم صورة الإسلام والمسلمين، ولا يتوقف عند حدود الأفراد أو الجماعات التي يتهمها بالعنف والإرهاب، ولا يبحث عن أسباب ظهور العنف والإرهاب في بلاد يتمنى المواطن أن يصل فيها إلى مرتبة الحيوان وليس الإنسان، حتى يجد من يرفق به ويحنو عليه، ولا يقتله الطغاة بالدبابة والطائرة في الشوارع والميادين، أو يقصفون المساجد والمخابز والمستشفيات والأسواق، ولا يراعون قانوناً، ولا دستوراً، ولا ضميراً.

هل تساءل كتَّاب السلطة يوماً عن الأسباب الحقيقية لما يسمونه الإرهاب الإسلامي؟

هل سمعوا عن الاستبداد السياسي الذي يقهر الشعوب، ويبني من السجون والمعتقلات أكثر مما يبني من مستشفيات وجامعات، ويتعامل مع المواطنين بعنصرية فجة تميز بينهم وتفاضل على أساس الولاء؟

هل وصل إلى آذانهم ما يفيد أن هناك تعذيباً وحشياً في السجون لأصحاب الرأي والفكر يفوق وحشية الوحوش الكاسرة، وتستخدم فيه أحدث آلات التعذيب المستوردة من بلاد الاستنارة والتقدم؟

هل علموا بالإقصاء الذي تمارسه السلطات المستبدة ضد الإسلام والمسلمين، فتحرم المتدين من دخول الكليات العسكرية والشرطية أو التوظيف في القضاء والجامعات والتعليم والإمامة والجهات التي يسمونها سيادية؟

 

خداع البسطاء

فكرة التدليس التي تعالج جزئية دون بقية الجزئيات واطراح الأسباب والدوافع؛ منهج كتَّاب السلطة وكل سلطة، ولذا يخدعون البسطاء، ولكنهم لا يستطيعون مع من يفهمون القضايا، ويعلمون جذورها وفروعها جميعاً.

إن فكرة اتهام الإسلام بالإرهاب والترويج لها في الرواية، من خلال أعمال لا تلقي بالاً إلى الإتقان الفني، تشي بعدوانية مقيتة، تعبر عن موقف المثقف المتماهي مع السلطة الظالمة، والمعادية بالطبع لجوهر العقيدة التي تأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي، وتنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي.

لماذا اختفت أوامر العقيدة ونواهيها في رواية واسيني الأعرج وظهرت فيها منذ بدايتها إنذارات القتل وانتهت بتدمير الجسد الإنساني، في علامةِ مُؤكدة على الموت الكابوسي الذي يسببه فعل الإرهاب الديني باسم الإسلام؟

الرواية المضادة تسقط في فخ المباشرة والدعاية والتدليس، فتفقد تأثيرها الفني، والإقناع الأدبي، ولكن الترويج الدعائي لها يخدع البسطاء، ويرسب في أذهانهم أن الإسلام دين دموي ومخيف، وأتباعه ليسوا بشراً، لأنهم يحرمون الحياة على البشر، ويكفّرون الكتَّاب والحكام ويمارسون القتل ويبتهجون به، بينما الواقع يشير إلى أن المسلمين ضحايا الاستبداد والوحشية الوثنية التي اعتنقت الحداثة لتتحلل من قيود الدين والضمير، وهي تعتدي على الشعوب الإسلامية الضعيفة وتنهب خيراتها وثرواتها.

ترى هل يتغير الكتَّاب الدنيويون ويفيؤون إلى الحق، ويقفون في صف الجموع الشعبية المضطهدة، ويعالجون الظواهر الطارئة معالجة شاملة من خلال البحث عن الأسباب، وطرح الحلول العملية، ويكفون عن شيطنة الإسلام؟>

الرابط المختصر :