العنوان القنبلة النووية الغائبة!!
الكاتب أحمد منصور
تاريخ النشر الثلاثاء 11-يناير-1994
مشاهدات 17
نشر في العدد 1083
نشر في الصفحة 27
الثلاثاء 11-يناير-1994
في الوقت الذي أعلن فيه لاري بلسر عضو الكونجرس الأمريكي قبل أسبوعين تجميد صفقة طائرات ف – ١٦ الأمريكية إلى باكستان بسبب عدم تخلى باكستان عن برنامجها النووي، كان مساعد وزير الدفاع الأمريكي للشئون السياسية فرانك وايرنز يبرر لإسرائيل في أول اعتراف أمريكي رسمي امتلاكها للأسلحة النووية، بحجة أن الردع النووي الإسرائيلي هو الضمانة المطروحة لإقرار السلام في منطقة الشرق الأوسط.
ومع غرابة الموقف الرسمي الأمريكي من حيث التناقض الظاهر في المواقف وتأكيد سياسة الكيل بمكيالين، فإن الموقف العربي الصامت والمذرى إزاء التصريحات الأمريكية كان أغرب، فلم يكن هناك أي رد فعل عربي إزاء تأكيد الولايات المتحدة وتبريرها امتلاك إسرائيل للأسلحة النووية، وكأن الولايات المتحدة تفرض بهذا ليس على حكومات المنطقة؛ بل وشعوبها أن تعيش تحت تهديد الردع النووي الإسرائيلي، وأن تتقبل الهيمنة النووية الإسرائيلية على المنطقة، كما تتهيأ مستقبلًا لقبول الهيمنة الاقتصادية؛ لأن هذا من متطلبات السلام بالمفهوم الأمريكي الإسرائيلي، ويأتي الاعتراف الأمريكي بامتلاك إسرائيل للقوة النووية؛ ليؤكد سخرية الولايات المتحدة واستهزائها بأمن العالم العربي ومصالحه بصورة هزلية وأسلوب غير مقبول. وفيما تبرر الولايات المتحدة لإسرائيل امتلاكها للسلاح النووي، وتغض الطرف عن امتلاك الهند وعشرات الدول الغربية والشرقية الأخرى للقنابل النووية؛ فإنها تركز ضغوطها على باكستان في محاولة لتركيعها، وتفتعل أزمة مع كوريا الشمالية خوفًا من وصول تكنولوجيا الذرة عن طريقها إلى دول إسلامية، مثلما وصلت الصواريخ الكورية، بل أصبح هاجس الغرب كله الآن هو ضرب حصار على العالم الإسلامي؛ حتى لا يتمكن من امتلاك سلاح نووي يحدث به توازنًا عالميًّا في ميزان القوى.
ومع وجود هذه الصورة اليهودية الأمريكية الغربية المليئة بالسخرية والاستهزاء من أمن العالم الإسلامي ومقدراته، فإن اللوم في هذا الجانب لا يقع على أمريكا أو الغرب بصفة عامة، وإنما يقع على هؤلاء الذين دمروا مقدرات الأمة، وأهدروا قوتها وهيبتها خلال العقود الخمسة الماضية.
وقد أشارت تقارير عديدة تحدثت عن القوة النووية في المنطقة ونشأتها، إلى أن عبد الناصر يتحمل مسئولية كبيرة في انتكاسة الأمة في المجال النووي، وهجرة كثير من العقول النووية المصرية إلى الغرب بعدما أصيبت بالإحباط في عهده.
فحينما كان مشغولًا في منتصف الخمسينات بتصفية الإخوان المسلمين وزج بعشرات الآلاف منهم في السجون، كان شمعون بيريز وزير الخارجية الإسرائيلي الحالي يقوم برحلات مكوكية بين تل أبيب وباريس، من أجل إنشاء مفاعل ديمونا النووي في صحراء النقب، والذي أصبحت إسرائيل من خلال أبحاثها النووية فيه القوة النووية الوحيدة في المنطقة، ولم تعد قوة نووية صغيرة؛ بل يقدر الخبراء عدد القنابل النووية التي تملكها إسرائيل الآن بأنها مائة قنبلة.
وحينما حصلت مصر في عام ١٩٦٢ على مفاعل أبحاث سوفييتي صغير، اعتبره العلماء المصريون آنذاك نواة لمعهد الأبحاث النووية، وسعوا من خلاله إلى تحقيق آمالهم في امتلاك قنبلة نووية إسلامية، كان عبد الناصر آنذاك مشغولًا بتصفية خصومه السياسيين، فيما كان وزير دفاعه وقائد مخابراته العسكرية وباقي بطانته مشغولين بالممثلات والراقصات، في الوقت الذي كان علماء الذرة المصريون يعيشون في إحباطات متتالية من عدم تعاون الحكومة معهم، وهم يشاهدون النجاحات التي بدأت تحققها دول أخرى بدأت في نفس الوقت معهم مثل الصين والهند وكوريا، فامتلكت جميعها الآن قنابل نووية، فيما كانوا يعانون مع مشاريعهم من إهمال كامل من قبل الدولة. فاضطر كثير منهم للهجرة إلى أمريكا والدول الأوروبية التي استفادت بخبراتهم، وبرزت منهم أسماء عالمية، مثل يسرى جوهر وأحمد حسنين وعشرات آخرين، فيما أقر الباقون الذين لا زالوا يقيمون في مصر في تقرير نشرته الأوبرزفر البريطانية في يونيو الماضي بأن أحلامهم قد تحولت إلى رماد، وأن مفاعل أنشاص القديم في طريقه إلى أن يصبح «خردة».
إن هؤلاء الذين حطموا آمال علماء الذرة المسلمين، فدفعوا كثيرًا منهم للهجرة إلى الغرب؛ ليستفيد الغرب منهم، فيما يجلس الآخرون بين الإحباط واليأس هم الذين يتحملون بالدرجة الأولى مسئولية غياب القنبلة النووية الإسلامية حتى الآن..
وإذا كان رئيس الحكومة الإسرائيلية قد طلب من الرئيس الأمريكي ريجان خلال توقيع اتفاق التعاون الإستراتيجي بين البلدين عام ۱۹۸۱ أن تسعى الولايات المتحدة لمنع العرب من الدخول في العصر النووي قبل انقضاء مائة عام، فإن إيجاد القنبلة النووية الإسلامية الغائبة ليس بحاجة إلى إذن من أمريكا أو تصريح من إسرائيل أو موافقة من الأمم المتحدة، وإنما بحاجة إلى عزم وتصميم وسعى دؤوب وتحمل للضغوط التي تحملتها باكستان وكوريا ودول أخرى؛ حتى أصبحت تمتلك السلاح النووي الذى تحافظ به الآن على كيانها وأمنها واستقرارها، وإن إيجاد القنبلة النووية الإسلامية الآن أصبح فرضًا على الأمة الإسلامية التي أصبحت الكيان العالمي الوحيد الذي يملك العلماء والموقع الإستراتيجي والقوة المادية والثقل السكاني؛ لكنه لا يملك القنبلة النووية، ويعيش تحت التهديد بها..
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل