; ترجمات.. حرب الاستخبارات بين أمريكا وفرنسا | مجلة المجتمع

العنوان ترجمات.. حرب الاستخبارات بين أمريكا وفرنسا

الكاتب عمر ديوب

تاريخ النشر الثلاثاء 15-يونيو-1993

مشاهدات 16

نشر في العدد 1053

نشر في الصفحة 44

الثلاثاء 15-يونيو-1993

إعداد: عمر ديوب عن الإكسبريس الفرنسية والتايم الأمريكية

شهدت الآونة الأخيرة تصاعدًا حادًّا في الحرب الإعلامية الدائرة بين وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية(CIA)  وإدارة الاستخبارات الخارجية الفرنسية (DGSE)  وقد زاد من تأجيج نيران تلك الحرب ذلك السيل العارم من التهم والتحذيرات المتبادلة بين هاتين المؤسستين اللتين كانت تربطهما علاقات تعاون وثيقة في مجالات مثل الإرهاب والانتشار النووي ومتابعة التطورات في "إيران" وقد تصاعدت هذه المواجهة في أعقاب تلقي السفارة الأمريكية ظرفًا محتويًّا على 21 صفحة وكلها معلومات سريَّة في غاية الأهمية، وهي عبارة عن قائمة أهداف تجسسية وضعتها الاستخبارات الفرنسية مكونة من 49 شركة خاصة أمريكية للصناعات المتطورة و 24 بنكا و 4 وكالات حكومية أمريكية، وكانت من بين هذه الشركات مؤسسة Hughes Aircraft التي تكبدت خسائر بلغت قيمتها 258 مليون دولار أمريكي نتيجة منافسة شركات فرنسية في مجال الأقمار الصناعية، وقد أدى اكتشاف هذه القائمة إلى انسحاب ذات الشركة من معرض بورجي الفرنسي للطائرات احتجاجًا على هذا التصرف.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو هل سيتحول حلفاء الأمس في الغرب في مواجهة الكتلة الشرقية من التجسس على الأعداء المشتركة إلى تصيد الأسرار التقنية والتجارية الخاصة ببعضها البعض؟ إن ظاهرة التجسس على «الأصدقاء» ليست بجديدة وكثيرًا ما تقوم به ثم تنكرها دول مثل "ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية" وبلدان صناعية أخرى على بعضها البعض ويبدو أن هذا النشاط كان مقبولًا إلى حد ما طالما لم يكن يمس الجانب العسكري.

غير أن الموقف الأمريكي في هذا الشأن قد تغير مع مجيء رئيس الـ (CIA) الجديد جيمس وولسي الذي آثر المواجهة وخوض غمار التجسس المضاد في المجالات التجارية والتقنية غير أن مجلة «الإكسبرس» الفرنسية قد ذكرت أن إصرار وولسي على تصعيد الموقف يرجع إلى معركته أمام الكونغرس الأمريكي وأمام الرأي العام الأمريكي والرامية إلى منع تخفيض ميزانية وكالته التي يرى البعض أنها باتت ضخمة بعد أن وضعت الحرب الباردة أوزارها.

إن العلاقات الاستخباراتية بين "فرنسا والولايات المتحدة" قد شابتها بعض المواجهات منذ الستينات عندما أفشى جاسوسًا مزدوجًا خطة فرنسية سرِّية قد وضعت من أجل جمع معلومات سرِّية خاصة بالأبحاث العسكرية والعلمية الأمريكية إلى جانب معلومات أخرى، وقد شهد عام 1989 حادثًا خطيرًا عندما توصل الــ FBI وبعض وكالات الاستخبارات الأخرى إلى إلقاء القبض على جواسيس تابعين للـ DGSE الفرنسية قد تمكنوا الولوج إلى شركات أمريكية منها

 Texas, Instruments, IBM, Corning

حيث دأبهؤلاء العملاء على تسريب خطط تسويقية وأسرار مالية ومعلومات تقنية ومعلوماتية إلى شركات فرنسية طوال سنتين.

وقد حاول الجانب الفرنسي تهدئة الضجة الناجمة عن اكتشاف هذه الشبكة فأبدى عزمه في التعاون مع الاستخبارات الأمريكية في التجسس المضاد ومجالات أخرى، وأيد ذلك الزيارة الخاطفة التي قام بها مدير إدارة الاستخبارات الأجنبية الفرنسية DSGE السيد كلود سلبیرزان "لواشنطن" في عام 1990 بغية التصالح مع رئيس الـ CIA آنذاك وليام ويستر، بيد أن هذه الهدنة لم تدم طويلًا حيث تخللتها سلسلة من أحداث منفصلة من بينها التهمة الموجهة إلى رجل فرنسي بسرقة وثائق سرية خاصة بشركة أمريكية في كاليفورنيا كما تم إرغام ستَّة مهندسين فرنسيين على مغادرة أمريكا في شهر "ديسمبر" 1991 بعد أن تبين اهتمامهم البالغ بالأبحاث الخاصة بطائرة الشبح (Stealth) لكن DGSE الفرنسية قد نفت ضلوعها في هذه النشاطات.

وفي مقابلة أخيرة أجرتها معه جريدة Le Mande الفرنسية أكد السيد "سلبيرزان" «أن نشاطات التجسس تنحصر اليوم في المجالات الاقتصادية والعلمية والتقنية وكذلك المالية» ومضى قائلًا بدون تحديد مدى شرعية الأهداف: «إن التجسس الاقتصادي على الحلفاء عمل عادي بالنسبة لأي وكالة استخبارات» وجدير بالذكر أن الحكومة الفرنسية قد ترى أن التجسس الاقتصادي مثمر لأن معظم كبريات الشركات الصناعية التقنية في فرنسا مملوكة من قبل الدولة مثل شركات  

(Renawlt, Dassault, Bull, وطومسون)

غير أن بعض المسؤولين الفرنسيين قد أكدوا أنه على الرغم من الخلافات القائمة بين البلدين بشأن التجسس الصناعي فإن التعاون الوثيق سيبقى مستمرًا في المجال الأمني.

وقد سبق أن أكد رئيس الـ CIA السابق "روبرت غيتسس" أنه إلى جانب "فرنسا" هناك حوالي 20 دولة أخرى تقوم بالتجسس الاقتصادي على أمريكا وأبرزها "روسيا" التي ما برحت تزاول التجسس للأهداف عسكرية ومدنية على الرغم من انهيار الاتحاد السوفييتي والشيوعية، وكما ذكر دبلوماسي بريطاني فإن الانهيار الاقتصادي "لروسيا" قد عزز من دور التجسس.

وفي السنة الماضية تم طرد جواسيس روسيين من "بلجيكا وفرنسا وإيطاليا وهولندا"، وكما تقدر المصادر البريطانية عدد الجواسيس الروس في "بريطانيا" 56 جاسوسًا يعملون في الشركات الصناعية والتقنيات المتطورة.

وتقوم الحكومة الأمريكية حاليًا بمراجعة سياساتها وخياراتها الاستخباراتية وذلك الحماية الشركات الأمريكية كما أن CIA تفكر جديًا في المشاركة في نشاطات التجسس المضاد لصالح هذه الشركات وهكذا بدأت وكالات الاستخبارات في تغيير نهجها والذي قد تركز على التجسس العسكري وقد أكد مسؤول في الـ CIA محذرًا الجميع أن "أمريكا" لا تعد «الرجل المسالم» بشأن التجسس الاقتصادي أو التقنِي وأنها مستعدة لرد الكيل بمكيالين.

الرابط المختصر :