العنوان قدر فلسطين!
الكاتب شعبان عبد الرحمن
تاريخ النشر الجمعة 01-أغسطس-2014
مشاهدات 26
نشر في العدد 2074
نشر في الصفحة 15
الجمعة 01-أغسطس-2014
هكذا قدر «فلسطين» منذ ظهور بواكير العصابات الصهيونية على أرضها في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر.. حملات تطهير عرقي، ومذابح وحشية، وتشريد وتفريغ الأرض للمحتل الجديد.. سجل متخم بعشرات المذابح.. من مذابح «منصورات الخياط» في ١٩٤٨/١/١٨م، و«قيصارية» ١٥ فبراير، و«وادي عارة» ۲۷ فبراير، و«خربة ناصر الدين» ۱۲ أبريل، مرورًا بمذبحة «دير ياسين»... حتى مجزرة «الشجاعية»، فجر الأحد الثاني والعشرين من رمضان ١٤٣٥هـ / ٢٠ يوليو ٢٠١٤م ، وما زالت المجازر مستمرة.
وهكذا..
حروب تتخللها مجازر، ومجازر تمهد لحروب.. والهدف النهائي القضاء على شعب فلسطين،
وتفريغ الأرض للصهاينة... وكل ذلك وسط دعم غربي وإقليمي ظاهر وخفي غير محدود.. لكن
الشعب الفلسطيني الذي يقف في الميدان وحده صامدًا ومقاتلًا ومجاهدًا لم تزده
المذابح إلا ثباتًا على أرضه، وصمودًا وقوة في مواجهة العدو.. تلك ثنائية تعيشها
فلسطين منذ نشأة القضية حرب إبادة متواصلة، تقابلها مقاومة وصمود واستبسال
وانتصارات.
الأمل
يأتي من المقاومة التي تسطر بطولات لم يشهد تاريخ فلسطين لها مثيلًا، أنظر إلى
الخريطة.. خريطة فلسطين.. وأتأمل تضاريسها من النهر إلى البحر، فلا أراها منذ فجر
المحنة إلا مصنعا فريدًا للبطولات ومزرعة مدهشة للشهداء.. لا يتوقف نماؤها.. ولا
تنقطع ثمارها.. ولا يغيب ظلها الوارف طوال العام شعب يبيت ويصحو على وقع
المقاومة.. نهاره وليله شهادة وشهداء وقد ارتضى أن تكون تلك حياته حتى يقضي الله
أمرًا كان مفعولًا وأن يمضي في الطريق دون أن يلتفت إلى خارج حدوده بعد أن أدار
الشقيق والقريب ظهره جبنًا.. أو مللًا.. أو يأسًا.. أو انبطاحًا! أما نحن الشعوب
المقهورة ننتفض يومًا فنقابل بالقمع، ونحاول مد يد العون بكسرة خبز أو قارورة دواء
فتمتد ألف يد ويد بالقيد والسلاسل لتحول دون ذلك، وصارت كل علاقتنا بفلسطين متابعة
المشهد الدامي حتى تعبت الأنظار من ملاحقة الأحداث، وأصيبت الرؤوس بالدوار، وأترعت
النفس جزعًا وعجزًا.. لكن شعب فلسطين لم يرهق ولم يجزع ولم تخر قواه، بل يزداد صبرًا
وقوة وانطلاقًا... وحبًا للشهادة.. إنه اصطفاء الله لشعب ينوب عن أمة بأكملها في معركة
الحق ضد الباطل.. بين الإسلام ويهود الزور والبهتان.
وما
نتابعه اليوم على أرض فلسطين أشبه بالأمس البعيد وكأن التاريخ - كما يقولون - يعيد نفسه.
فهي ليست
المرة الأولى التي تتنادى فيها قوى الجبروت الاستعماري من كل حدب وصوب لإبادة شعب
يقاوم من أجل تحرير وطنه على قاعدة القانون الدولي، واتساقا مع الشرائع السماوية
والقيم الإنسانية التي تكفل للمرء والشعب حق الدفاع عن النفس، ولكن يبدو أن الوضع
في حالة أهلنا في فلسطين يسير على قاعدة ﴿أَخْرِجُوا
آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ (سورة النمل:
56)، وهي قاعدة منكوسة، وتلك طبائع الاستعمار دائمًا!
أقول:
ليست المرة الأولى التي تتنادى فيها قوى الجبروت ضد أهلنا في فلسطين؛ فمنذ نشأة
القضية، وحينما بزغت تباشير الجهاد ضد الوجود اليهودي المحتل - بدعم من إمبراطورية
بريطانيا العظمى - تنادت قوى الجبروت نفسها، وإن تغيرت أسماؤها أو آلياتها
ولهجاتها لإخماد ثورة الجهاد، وإطفاء نوره الوليد.
فعندما
قدم العالم المجاهد عز الدين القسام من بلدة سورية إلى فلسطين، وفجر من مساجد حيفا
أول انتفاضة جهادية استشهادية، استطاع بدروسه اليومية في ساحات المساجد أن يحيي
فريضة الجهاد في قلوب الشباب المتحرق لتحرير وطنه.. وبدأت المنطقة تشهد أعمالًا
بطولية عظيمة، فمنذ أوائل عام ١٩٣٥م شهد المثلث العربي «جنين، نابلس، طولكرم» سيلًا
من الاغتيالات للضباط الإنجليز، وقتل أي عربي يثبت لدى الوطنيين اتصاله
بالبريطانيين اتصالًا مريبًا، وسرت روح الجهاد بين الشعب، وكان «القسام» صادق
الرأي، مخلص العقيدة، فربأ بنفسه أن يدعو إلى الجهاد ولا يجاهد.
وأعلن في
قوة عن عزمه على منازلة الجنود البريطانيين في سبيل تحرير فلسطين، وحاصرت قوات
الاحتلال عرين البطل المجاهد ودارت معركة في غابة «يعبد» بمنطقة جنين انتهت يوم ٢٥
نوفمبر ۱۹۳۵م باستشهاد القائد وبعض رفاقه، وأسر الباقون من عصبته
المؤمنة، وذهب «القسام» البطل المجاهد إلى ربه شهيدًا؛ فجدد في النفوس معنى
التضحية والاعتزاز بالبطولة» «جهاد شعب فلسطين خلال نصف قرن، صالح مسعود أبو يصير ص ١٧٦ - ١٧٧».
وبعد.. هل
تم القضاء على تيار المقاومة بقتل «عز الدين القسام» وإبادة قواته؟ العكس هو الذي
حدث، فقد اشتعلت الأرض جهادًا
واستشهادًا وما زالت مشتعلة حتى اليوم.
الذي حدث
أن الشهيد «عز الدين القسام» جهر بثورته ضد الاحتلال في ذكرى «وعد بلفور» في ٢
نوفمبر ١٩٣٥م، وبعد أن قدح زناد الثورة وأشعل شرارتها بثلاثة وعشرين يومًا فقط نال
الشهادة وذهب إلى ربه، وبقيت ثورته مشتعلة حتى اليوم.. قد تخبو حينًا ولكنها ما
انتهت.
وما
نشهده اليوم من ذلك الحشد الدولي غير المسبوق للقضاء على ثورة أهلنا في فلسطين؛
لإبادة المقاومة، وإفساح الطريق والكراسي لبائعي الأوطان الذين عقوا وطنهم
وأهلهم.. ما هو إلا تكرار لنفس المشاهد التي حفظها التاريخ وما زالت حية في
سجلاته، وهي كلها تعني في التحليل الأخير أن ما يبيت اليوم لاقتلاع «حماس» والجهاد
وتيار المقاومة قد يغيب قادتها شهداء ولكنه في الوقت نفسه يشعل الثورة أكثر، ويقدم
وقودًا جديدًا يزيد تيار الجهاد قوة وعزيمة ومضاء.. وستظل المسيرة منطلقة حتى تصل
إلى المحطة الأخيرة.. محطة تحرير كل فلسطين بإذن الله تعالى.