; نتائجها جاءت عكس كل التوقعات- كيف تبخرت أحلام المعارضة في انتخابات الرئاسة الموريتانية؟ | مجلة المجتمع

العنوان نتائجها جاءت عكس كل التوقعات- كيف تبخرت أحلام المعارضة في انتخابات الرئاسة الموريتانية؟

الكاتب سيد أحمد ولد باب

تاريخ النشر السبت 01-أغسطس-2009

مشاهدات 14

نشر في العدد 1863

نشر في الصفحة 16

السبت 01-أغسطس-2009

«ولد داداه » تهاوى من زعيم معارضة يقود أكبر تشكيلة حزبية في البلاد إلى رقم ضمن أرقام ثانوية في مشهد متصدع!

«ولد بلخير» تحول من قائد تحرري إلى واجهة سياسية لبعض رموز الإقطاع... وخسر الكثير رغم حصوله على المرتبة الثانية!

عذابات التسعينيات التي راهن عليها الزنوج كانت دراهم «ولد عبد العزيز» أسرع منها لمحوها من ذاكرة حامليها !

نتائج الانتخابات جاءت صادمة لأغلب معارضي «ولد عبد العزيز».. ومربكة لأنصاره الذين لم يتوقعوا فوزه في الجولة الأولى

وأخيراً أسدل الستار على الجدل الدستوري بموريتانيا بعد إقرار الجهات القضائية نتائج الانتخابات، وإعلان فوز مرشح الجيش الجنرال محمد ولد عبد العزيز، وخسارة المعارضة السياسية في البلاد لمواقعها السابقة، مع تباين في الترتيب كان وقعه على الأنفس أكثر ضرراً لدى البعض من خسارة السباق الرئاسي من جولته الأولى عكس كل التوقعات.

لم تشفع للمعارضة السياسية أخطاء ولد عبد العزيز الداخلية - وهي كثيرة - ولا الأجواء السياسية الساخنة التي سبقت إجراء الانتخابات، ولا الفوز النسبي الذي حققته بدعم المجتمع الدولي في العاصمة السنغالية «داكار» إبان اتفاق الهدنة؛ لتتساقط الرموز بين جريح وشهيد في ساحة المواجهة بعد أن أظهرت صمودا منقطع النظير خلال الأشهر التي تلت استيلاء الجيش على السلطة في البلاد.

ولد عبد العزيز القادم من رحم المؤسسة العسكرية في انقلاب مفاجئ عاد إلى السلطة لكن هذه المرة بانتخابات «شفافة ونزيهة» أشرفت عليها قوى المعارضة، وهي الانتخابات التي كانت نتائجها صادمة لأغلب معارضيه ومربكة لأنصاره الذين لم يتوقعوا الحسم من الجولة الأولى للانتخابات، وبنتيجة تقترب من ٥٣ %

مشهد متصدع

أعلنت نتائج الانتخابات من قبل وزير الداخلية المحسوب على المعارضة، وزكاها المجلس الدستوري، ووافقته اللجنة المستقلة للانتخابات - رغم استقالة رئيسها المتأخرة - بعد أن تم رفض طعون المرشحين الثلاثة أعل ولد «محمد فال»، وزعيم المعارضة «أحمد ولد » داداه ورئيس مجلس النواب «مسعود ولد بلخير» على أساس أنها أفكار عامة لا دليل عليها، وفق تعبير وزير الداخلية «محمد ولد أرزيزيم»؛ ليتحول ولد عبد العزيز من ضابط أرعن منقلب على الشرعية (في نظر مناوئيه) إلى رئيس منتخب يحكم لسنوات خمس قادمة وفق ما هو منصوص عليه في الدستور.

لم تكن نتائج الانتخابات الرئاسية مفاجئة لدى دوائر كثيرة، ولكن كان المفاجئ أكثر هو تهاوي زعيم المعارضة «أحمد ولد داداه» من زعيم سياسي يقود تشكيلة حزبية هي الأكبر في البلاد إلى رقم ضمن أرقام ثانوية في مشهد متصدع يبحث كل طرف فيه عن قميص يواري به سوءة نتائج الانتخابات، وتراجع ترتيبه من الثاني في انتخابات مارس ۲۰۰۷م بنسبة ٤٧ % إلى الترتيب الثالث، ولكن هذه المرة بنسبة هي الأسوأ للحزب الذي يقوده منذ انتهاء حكم الرئيس الأسبق «معاوية ولد الطايع» في انقلاب عسكري عام ٢٠٠٥م.

تراجع حزب تكتل القوى الديمقراطية وتراجعت معه أحلام عدد من زعماء القبائل ورجال المال والأعمال كانوا يحلمون بقطع الطريق أمام رئيس المجلس العسكري محمد ولد عبد العزيز، وتهديداته المستمرة لمعارضيه بالسجن والضرب بيد من حديد على أيدي من وصفهم أكثر من مرة بالفاسدين ضمن معسكر المعارضة، الذين كانوا رموزا ونافذين في الأنظمة التي سبقته لحكم الدولة الموريتانية منذ الاستقلال، قبل أن يتحولوا اليوم إلى معارضة دستورية تنافس وتهزم.

إذعان بالنتائج

مع تراجع «ولد داداه» عن المشهد السياسي بشكل مفاجئ وسريع، يتوقع أن يتراجع دور رئيس الجمعية الوطنية مسعود ولد بلخير كذلك بعد أن تحول من قائد تحرري يهدف إلى انتزاع حقوق شريحة مستضعفة (الحراطين) من أيدي ملاكها السابقين إلى واجهة سياسية لعدد من رموز «الإقطاع» وأصحاب رؤوس الأموال وقادة الحركات السرية سابقا، الذين اختاروا هذه المرة ممارسة دور المعارض بعد أن ظلوا لسنوات طويلة يدورون في فلك السلطة التي أذاقت ولد بلخير وقاعدته الشعبية ذاته الأمرين خلال سنوات الجمر التي شهدتها موريتانيا مطلع التسعينيات من القرن الماضي.

صحيح أن الرجل المدعوم بقوة انتخابية ومالية كبيرة استطاع أن يحقق رقما مهما في السباق الرئاسي بحصوله على المرتبة الثانية لكنه - من دون شك - خسر الكثير للوصول إلى ما وصل إليه، فقد انهارت تلك المقولات التمييزية التي بنى عليها نضاله السياسي، وانهارت نظريات التفرقة على أساس اللون، ولم يجد ولد بلخير ما يعوض به الخسارة سوى الإجهاش بالبكاء أمام ناخبيه البيض» هذه المرة في كل من «أطار» و«وكيفه» و«النعمة»، والإذعان بشكل متأخر لنتائج الانتخابات التي أقرها المجلس الدستوري .

التيار الإسلامي

ولم يكن التيار الإسلامي الموريتاني ممثلا في حزب «التجمع الوطني للإصلاح والتنمية» (تواصل) أحسن حظا من غيره، فقد تراجع للمرتبة الخامسة في المشهد السياسي الموريتاني، مكتفيا من الغنيمة بالإياب، ومن النجاح بالسلامة، والابتعاد عن حزازات النفوس التي أفرزها المشهد السياسي المتفجر بفعل الانقسام الحاد في دوائر السلطة بين معسكر المعارضة الراديكالية الخاسر ومعسكر السلطة الفائز بالانتخابات.

حقق الإسلاميون المرتبة التي أرادوها سياسيا، وخسروا الكثافة العددية التي كانوا يمتلكونها انتخابيا، بعد أن تعلقت جماهير عريضة بخطاب رئيس المجلس العسكري محمد ولد عبد العزيز الذي يتقاطع معهم في أمور كثيرة لعل أهمها تجديد الطبقة السياسية، والرفض القاطع للاستكبار العالمي (الولايات المتحدة، والكيان الصهيوني)، وشعار محاربة الفساد الذي كان عنوان حملة الرجل بلا منازع خلال الشهور العشرة الماضية.. وزاد من ألقه السياسي الصرامة التي تحلى بها خلال شهور الحكم، وشيء من الإنجازات في العاصمة وبعض الدوائر الانتخابية الأخرى التي كانت تصوت تلقائيا لأحزاب المعارضة الخاسرة.

وتبين لدى الدوائر السياسية المحلية أن النسبة التي حققها مرشح الرئاسة صالح ولد حننا رئيس حزب الاتحاد والتغيير الموريتاني (حاتم) في انتخابات الحادي عشر من مارس ٢٠٠٧م لم تكن منة من التيار الإسلامي الداعم الرئيس له فحسب - عكس ما روج له خلال الفترة الماضية - بل تبين كذلك أنها لم تكن وليدة مجهود ذاتي لـ « ولد حننا» ورفاقه إذا اعتمدنا حساب انتخابات يوليو ٢٠٠٩م التي أبعدته عن مسار الأحداث، وأعادته لدائرة «المرشحين الصغار».

المعارضون الجدد

ولئن كانت قوى المعارضة التقليدية قد تراجعت إلى حد كبير، فإن المعارضين الجدد قد قتلوا في المهد بنسب لم يكن أقل المتشائمين يفكر فيها؛ ليتضح فعلا أن حزب رئيس المجلس العسكري الانتقالي أعل ولد فال الذي راهن عليه إبان الحملة الانتخابية - حزبي هو «الشعب الموريتاني» كان يرددها دائما - هو حزب غير منضبط أو على الأقل يتنازعه شركاء آخرون بعد أن كانت نسبة الثلاثة في المائة له بالمرصاد وهو الحالم بالعودة إلى السلطة انتخابيا، بعد أن غادرها «طواعية» خلال الفترة الانتقالية التي عاشتها البلاد بعد انقلاب الجيش على السلطة عام ٢٠٠٥م.

أما المرشحون الزنوج - «صار»، و«كان» - فرغم التجييش الإعلامي والسياسي الذي بلغ حد الخروج عن المألوف في الحصص المجانية لولا تدخل اللجنة العليا للسمعيات البصرية فقد كانوا ضمن دائرة الخاسرين الكبار بعد أن تبين أن أحلام المساواة أو الانفصال آخر ما يصوت عليه الناخب الزنجي، وأن عذابات التسعينيات التي راهن عليها البعض كانت دراهم ولد عبد العزيز أسرع منها لمحو تلك الماسي من ذاكرة حامليها ...

فبعد جبر الضرر وخطاب «كيهيدي» تناست الثكالى مرارة الحرمان والأيتام صور الوالدين والمهجرون طيب المكان الذي غادروه تحت ضغط الجيش أيام السنين الخوالي ليصوتوا ل ولد عبد العزيز في الانتخابات الرئاسية بنسب فاقت كل التوقعات.

واليوم - وبعد أن بات بحكم الأمر الواقع رئيسا لموريتانيا - يحق للجميع أن يتساءل: لماذا فاز ولد عبد العزيز على معارضيه؟ ولماذا انهارت قوى المعارضة بهذا الشكل الفظيع؟ وأين تتجه موريتانيا في ظل الوضع القائم؟ وهل انتهى زمن الانقلابات ؟! -

الرابط المختصر :