العنوان المباحثات الفلسطينية الإسرائيلية السرية مؤامرة جديدة لتجاوز القدس
الكاتب عاطف الجولاني
تاريخ النشر الثلاثاء 03-أغسطس-1993
مشاهدات 23
نشر في العدد 1060
نشر في الصفحة 18
الثلاثاء 03-أغسطس-1993
شمعون بيريز وزير خارجية العدو الصهيوني يجتمع في القاهرة مع أبو مازن الرجل الثاني في المنظمة بترتيب وتنسيق مصري لتجاوز موضوع القدس
آثار الإعلان عن إجراء اتصالات سرية بين منظمة التحرير الفلسطينية و«إسرائيل» ضجة واسعة في الأوساط السياسية المختلفة وطرح العديد من التساؤلات حول مغزى وأهمية عقد مثل هذه الاتصالات واللقاءات السرية في الوقت الذي تجري فيه لقاءات ومفاوضات علنية بين الجانبين على طاولة المفاوضات في واشنطن أمام كاميرات وسائل الإعلام.
فالاتصالات واللقاءات لم تعد بحد ذاتها أمرًا خطيرًا ومحظورًا يستدعي الاستهجان والاستنكار لدى كلا الطرفين كما كان عليه الوضع في السابق، حيث إن منظمة التحرير التي ألغت عمليًا ميثاقها الوطني وتخلت عن استراتيجياتها السابقة للتعامل مع العدو الإسرائيلي قد أسقطت جميع تحفظاتها على الاتصال مع الإسرائيليين الذي كانت تعتبره في وقت سابق جرمًا ومحظورًا يستحق مرتكبه العقاب والتخوين.
كذلك فإن الجانب الإسرائيلي قد ألغى أيضًا قانون حظر الاتصال مع المنظمة الذي كان يشكل آخر العقبات أمام إجراء اتصالات مع شخصيات ومسؤول منظمة التحرير التي كان القانون الإسرائيلي يتعامل معها كحركة إرهابية يعاقب كل من يحاول الاتصال بها من الإسرائيليين.
ولعلنا ما زلنا نذكر كيف اضطر الرئيس الحالي للكيان الصهيوني عايزر وايزمان إلى التخلي عن منصبه الوزاري في حكومة الوحدة الوطنية قبل عدة أعوام بسبب اتصالات أجراها مع بعض المسؤولين في المنظمة ولتأكيد سياسة الانفتاح وكسر الحواجز بين الطرفين، فقد استقبل ياسر عرفات رئيس المنظمة في تونس في وقت سابق من هذا العام يائيل دايان النائبة في الكنيست الإسرائيلي عن حزب العمل والتي كشفت بدورها في مقابلة مع صحيفة غربية أن والدها موشیه دایان رئیس أركان الجيش الإسرائيلي في حرب عام 1967 قد التقى عرفات أيضًا دون أن تحدد مكان أو زمان هذا اللقاء.
المعلومات المتوفرة حتى الآن تشير إلى أن شمعون بيريز وزير الخارجية الإسرائيلي هو الذي بادر إلى فتح قنوات الاتصالات السرية مع منظمة التحرير الفلسطينية، بعد أن وصلت المباحثات بين الطرفين على طاولة المفاوضات إلى طريق مسدود بسبب التباين الحاد في مواقفهما من بعض القضايا الهامة والحساسة كقضية القدس والمنطقة الجغرافية التي سيشملها الحكم الذاتي المقترح. وقد أدرك بیریز صعوبة إقناع المفاوضين الفلسطينيين بضرورة تليين مواقفهم وتقديم تنازلات جديدة في هذه القضايا بسبب الضغط الشعبي الذي يتعرض له أعضاء الوفد الفلسطيني، مما يحد من قدرتهم على التعامل المرن مع هذه القضايا التي يرفض جميع الفلسطينيين بلا استثناء- حتى المؤيدين منهم للمفاوضات الحالية- تقديم تنازلات بخصوصها، لذلك فقد رأى بيريز الرجل الثاني في الحكومة الإسرائيلية أن إجراء اتصالات ومباحثات سرية مع مسؤولين في منظمة التحرير بعيدًا عن تركيز وإثارة وسائل الإعلام وبعيدًا عن ضغط الشارع الفلسطيني، ربما كان هو الطريق الأقصر والأسهل في دفع الفلسطينيين إلى إبداء مزيد من المرونة حيال تلك القضايا.
وفي هذا السياق عقد لقاء في القاهرة- التي لعبت دورًا رئيسيًا في التنسيق والترتيب لتلك الاتصالات- بين نبيل شعث المستشار السياسي لياسر عرفات وعضو المطبخ السياسي للمنظمة وبين يوسي بيلين نائب وزير الخارجية الإسرائيلي كما عقد لقاء آخر في واشنطن حضره عن الجانب الفلسطيني أحمد قريع «أبو العلاء» عضو اللجنة المركزية لحركة فتح رئيس لجنة المتابعة للوفد الفلسطيني عن المفاوضات متعددة الأطراف، وحكم بلعاوي عضو اللجنة المركزية لحركة فتح سفير فلسطين في تونس، وحضره عن الجانب الإسرائيلي يوسي البير رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية في تل أبيب وشلومو غازيت الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية على أن أهم وأخطر تلك اللقاءات وأكثرها إثارة للجدل هو اللقاء الذي عقد في القاهرة بترتيب مصري عن طريق أسامة الباز مستشار الرئيس المصري للشؤون الخارجية وحضره عرابا الاتصالات السرية شمعون بيريز وزير الخارجية الإسرائيلي ومحمود عباس أبو مازن المسؤول عن الملف الإسرائيلي في اللجنة التنفيذية للمنظمة وأبرز المسؤولين الفلسطينيين المشرفين على المفاوضات والذي يعتبره البعض الرجل الثاني في المنظمة بعد عرفات، ولا بد من الإشارة إلى أن جميع الاتصالات واللقاءات السرية قد جرت بموافقة كل من إسحق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي وياسر عرفات رئيس المنظمة اللذين يتابعان تلك الاتصالات بشكل مباشر.
وتشير المعلومات التي تسربت من تلك اللقاءات إلى أن الجانب الإسرائيلي نجح في إقناع المنظمة بإسقاط موضوع القدس وترك موضوع اللاجئين للمفاوضات المتعددة، كما نجح في ضمان موافقتها على الصيغة التي يقترحها وتقضي بتطبيق الحكم الذاتي على مراحل تبدأ بقطاع غزة أولًا، وتفيد تلك المعلومات أن الجانب الفلسطيني قد طالب بإضافة موقع رمزي من الضفة اقترح أن يكون أريحا حتى لا يبدو أن هناك فصلًا بين الضفة والقطاع.
ومع أن «إسرائيل» كانت ترفض إلى وقت قريب التفاوض مع منظمة التحرير بشكل مباشر، فيبدو أن المسؤولين الإسرائيليين أصبحوا الآن أقل حدة في معارضة مثل هذا الأمر، بل أن المؤشرات تدل على أنهم ربما كانوا على استعداد لإعطاء دور أكبر للمنظمة في إدارة المفاوضات مقابل تقديم المزيد من التنازلات والمرونة التفاوضية، وفي هذا السياق أشارت المعلومات التي تسربت عن لقاء «بيريز- أبو مازن» إلى أنهما بحثا إمكانية عقد لقاء بين شمعون بيريز وياسر عرفات إضافة إلى بحث إمكانية وقف الفعاليات الانتفاضية المؤثرة وحصرها في رمي الحجارة فقط فالمباحثات والاتصالات المريبة بين المنظمة و«إسرائيل» هي مفاوضات موازية للجولات التفاوضية المعلنة بل ربما تقدمت عليها وقطعت أشواطًا بعيدة متقدمة وهو ما يزيد من شعورنا بالخطر إزاء تهافت منظمة التحرير لتحقيق أي حل مهما كان هزيلًا، فيبدو أن قيادات المنظمة التي شاخت وهرمت وبلغت من الكبر عتيًا تصر على أن لا تترك الساحة السياسية دون تحقيق نصر ما حتى ولو كان هذا النصر الشخصي يعني التنازل عن القدس وكل المقدسات والحقوق.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل