العنوان الذاتية في العمـل الإسلامي (الحلقة الثانية)
الكاتب عبدالله أبو سليمان
تاريخ النشر الثلاثاء 27-أكتوبر-1992
مشاهدات 21
نشر في العدد 1022
نشر في الصفحة 44
الثلاثاء 27-أكتوبر-1992
صفات
المسارعين في الخيرات آيات في سورة المؤمنون هي كنز عظيم في ميزان التربية حيث
أبانت صفات الذاتيين السابقين والمسارعين في الخيرات، قال تعالى: ﴿إِنَّ
الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ
رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ.
وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى
رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ. أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا
سَابِقُونَ﴾ (المؤمنون:57-61) أبانت هذه الآيات بجلاء وروية خصال المسارعين
للخيرات والسابقين لها دون غيرهم وهي:
1- الخشية والإشفاق:
والإشفاق
هو الخوف وشدة الحذر وهو من أقوى الدوافع للتسابق في الخيرات وهذا واضح باستقراء
سيرة الأنبياء والسلف الصالح، فقد وصف ربنا- عز وجل- أنبياءه عليهم السلام ﴿إِنَّهُمْ
كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا
وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ (المؤمنون:61)،
وحديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم: «من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل»، أي من خاف سعى في ظلمة
الليل قبل النهار تداركًا للوقت وإشفاقًا من الخطر، وليس هناك أخطر من القبر
وفتنته والحساب ودقته والصراط وزلته ثم الجحيم الأبدي إلا ما شاء الله، فاستشعار
الخوف من الجليل سبحانه وتعالى ومراقبته -عز وجل- والوقوف بين يديه للحساب يوم
القيامة دافع كبير لأن يسارع المؤمن في الخيرات ويسابق غيره، فرب حسنة واحدة تدخل
العبد الجنة، ورب سيئة واحدة تدخله النار والعياذ بالله.
2- الإيمان
واليقين بالله وآياته:
﴿وَالَّذِينَ
هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُون﴾ (المؤمنون:58) فما تأخر متأخر ولا تردد متردد إلا في لحظات غفلة
وضعف يقينه بالله تعالى وجزاءه.
وباستقراء
سير الصالحين ورواد العمل الإسلامي على مر العصور نجد تلك الخصلة واضحة تمامًا في
أقوالهم وأفعالهم منذ أن وضع الأنصار أيديهم بيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
في بيعة العقبة حين سألوا: فما لنا أن وفينا يا رسول الله؟ قال: لكم الجنة،
فقالوا: ربح البيع والله لا نقيل ولا نستقيل. مرورًا بعمر بن عبدالعزيز الذي قيل
في وصفه كأن النار لم تخلق إلا له.
والمقصود
ليس أصل الإيمان بتحقيق التصديق بأركانه، بل مصاحبة ذلك التصديق طوال الحياة
والارتقاء به إلى مرتبة اليقين التي ترفع المؤمن عن مثبطات الحياة الدنيا ووساوس
الشيطان وطول الأمل واتباع الأهواء، وذلك حين يبلغ المؤمن مرتبة عالية في اليقين
الدائم بأن الله يسمعه ويراه ويراقب حركاته وسكناته ومشاعر قلبه وخلجات نفسه.. اليقين
بثواب الله تعالى على الحسنة وعقابه على السيئة.. اليقين بمواطن البعث والنشور
وأهوال يوم القيامة الأخرى، وأن كل عمل يكسبه الإنسان سيراه- بلا شك- في صحيفته
يوم القيامة وإن كان مثقال ذرة.
3- الإخلاص:
(وَالَّذِينَ
هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ) فتوحيد القصد لله تعالى وحده وإفراده بالعبودية
له -عز وجل- وعدم الرجاء إلا من سبحانه من دوافع التسابق إلى الخيرات.
ذلك
أن إخلاص النية وصدق التوجه إذا ما تمكن في قلب المؤمن وطهره من الرياء وأمراض
القلوب فإن العزم والهمة سيكونان من صفاته ويكون السبق للخيرات شعاره ﴿قُلْ
إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لا
شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ (الأنعام:162-163).
4- استقلال العمل:
﴿وَالَّذِينَ
يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ
رَاجِعُونَ﴾ (المؤمنون:61) فالمرء حين تتسرب إلى قلبه مشاعر الرضى
والاستكثار لما قدم من أعمال فتلك هي بذرة التراجع الأولى ولذلك نهى ربنا -عز وجل-
المؤمنين ﴿وَلَا تَمْنن تَسْتَكْثِرُ﴾ (المدثر:5)، عن عائشة -رضى الله
عنها- أنها قالت: يا رسول الله: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ
وَجِلَةٌ) هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو يخاف الله -عز وجل- قال: «لا يا بنت
الصديق، ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق وهو يخاف الله عز وجل».
ويقول
سيد قطب -رحمه الله: إن قلب المؤمن يستشعر يد الله عليه ويحس آلاءه في كل نفس وكل
نبضة ومن ثم يستصغر كل عباداته ويستغل كل طاعاته إلى جانب آلاء الله ونعمائه، ثم
يقول بعد ذلك، وهؤلاء هم الذين يسارعون في الخيرات وهم الذين يسبقون لها فينالونها
في الطليعة بهذه اليقظة، وبهذا التطلع وبهذا العمل، وبهذه الطاعة، لا أولئك الذين
يعيشون في غمرة ويحسبون لغفلتهم أنهم مقصودون بالنعمة، مرادون بالخير، كالصيد
الغافل يستدرج إلى مصرعه بالطُعم المغري، ومثل هذا الطير في الناس كثير، يغمرهم
الرخاء وتشغلهم النعمة ويطغيهم الغني ويلهيهم الغرور حتى يلاقوا المصير.
وأخيرًا
من كانت تلك صفاتهم ﴿أُولَئِكَ
يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ (المؤمنون:61).