; بريد القراء (366) | مجلة المجتمع

العنوان بريد القراء (366)

الكاتب صالح الراشد

تاريخ النشر الثلاثاء 06-سبتمبر-1977

مشاهدات 29

نشر في العدد 366

نشر في الصفحة 49

الثلاثاء 06-سبتمبر-1977

آراء وبريد القراء

إعداد: صالح بن حمد الراشد

القومية العربية.. الجوفاء

كثيرا ما سمعنا بهاتين الكلمتين تترددان على الألسن. يرددهما العالم والجاهل والأبله والعاقل بوعي أو بلا وعي. وقد تبنى هذه الجملة ثلة من الزعماء والقادة في هذه البلاد ونادى لها بعض الأحزاب والمنظمات. تبناها حزب البعث في سوريا وحزب البعث في العراق والاتحاد الاشتراكي الناصري حين نادي لها عبد الناصر ودعا لها أمين القومية في ليبيا ونعق لها الشريف حسين شريف مكة عندما تحالف مع الإنجليز ضد الدولة العثمانية.

ورأينا كلما استلم الحكم زعيم وأسقط أخر نادى هذا إلى القومية والوحدة وكأنها أصبحت وسيلة البروز والتثبيت على العرش.

لكن حقيقة ما هي القومية العربية ومن هم العرب؟ و أين هم؟ هل هم الذين يتكلمون العربية؟ أم هم من يعيشون في الدول التي تنتمي الجامعة العربية؟ أم هم أهل الجزيرة العربية وأين هي الحضارة العربية والثقافة العربية؟

نحن نعلم أن العرب كأمة انحدرت من إسماعيل عليه السلام وعاشت في الجزيرة العربية وكانت لغتهم العربية الفصحى ولم یكن لهم من حضارة أو مدنية ولم يعرفوا إلا بالرعي والتجارة وكان التطاحن وكانت الحروب الداخلية الدائمة بينهم واستمروا على هذا الحال حتى بداية العصر الإسلامي فنزل القرآن بلغتهم العربية ولكنه ليس للعرب وحدهم بل للناس كافة عدا عن الجن.

 هؤلاء العرب لم يسكنوا غير الجزيرة العربية فقد كان الفرس في العراق والروم في بلاد الشام والاقباط في مصر

إذن فلم يكن أهل هذه المناطق من العرب لكن عندما انتشر الإسلام في الجزيرة العربية أولا انتشل العرب من الجهل والحروب والقتل إلى الحضارة والرقي والحب والوحدة. فتغيرت النفوس وتبدلت الأعمال وترك الناس السوء والشر وجمعهم الإسلام تحت راية العدل والأخوة والمحبة حتى أن الإسلام قد بدل أسماءهم وغيرها تبدل كلب وجحش وكلاب وحجر وصخر وضع الإسلام الأسماء الجديدة الحسنة فأي حضارة هذه التي كانوا عليها وهذه أسماءهم؟

وبعد أن عم الإسلام في العراق والشام وأسلم أهل هذه البلاد الأقباط في مطر والبربر في ليبيا والمغرب والجزائر وتونس والزنوج في السودان والهنود في الهند والايرانيون في بلاد الفرس وأهل السند وبخاري تکلم معظم أهل هذه الأصقاع اللغة الجديدة لغة الدين الذي اعتنقوه وهذا لا يعني أنهم أصبحوا عربا بل أصبحوا مسلمين إلا إذا كان تعريف العربي هو الذي يتكلم اللغة العربية وسنأتي إلى نقض ذلك.

 وبعد مرور الأحقاب والسنين تبدلت الأوضاع إلى ما نحن عليه اليوم فسمعنا البعض ينادى إلى القومية العربية وإلى الوحدة في الوطن العربي الكبير من الخليج إلى المحيط. ولكن لماذا هذا الحصر بهذه الحدود؟ إنه لا يوجد سبب واحد لهذا الحصر قد يقول البعض أن اللغة تجمع هذه البلاد وأقول أن اللهجات الموجودة كثير منها لا يمت للعربية بصلة فتعال نرى في العراق يتكلم الأكراد بلغة لا تفهمها بل لا يفهمها العراقي في بغداد وكذلك الشركس في سوريا ولبنان، ولهجة أهل اليمن غريبة وأغرب منها اللغة الجبلية التي يتكلم بها أهل الجبال وفي مصر تعرف هذه اللهجة الغريبة وفي الكويت وفي السعودية ودول الخليج كلها في كل بلد نجد لهجة غربية إلا بصعوبة وفي لا يفهمها سواهم السودان أكثر من سبع عشرة لهجة معظمها لا يمت للعربية بصلة وفي ليبيا لهجه الشرق تغاير لهجة الغرب ويتكلم أهل الجبال لغة لا يفهمها الليبيون أنفسهم. ناهيك عن الفلسطنين فكل أهل قرية صغيرة يتكلمون لهجة تغاير وتخالف الأخرى: أما في بلاد المغرب فمعظم السكان لا يعرفون العربية بل يجيدون الفرنسية أو الإنجليزية.

 وهكذا لا نجد لهذه البلاد لغة تجمعها لأن الفصحى لا ينطق بها أحد.

 فهل يجمع اللون بين هذه البلاد؟ إن اللبناني الأبيض لا يميل لونه إلى العراقي الأسمر أو السوداني الأسود أو الحنطي أو غيرها من السحنات. 

إننا لا نجد لينا مقنعا يجمع بين هذه البلاد قوميا بل نجد الرفض من الأقليات الكثيرة المنتشرة فالأكراد والشراكس والأرمن في العراق وسوريا والبربر في بلاد المغرب والزنوج في السودان حتى المصريين سمعنا من بعضهم كيف يفتخر بأصله الفرعوني أو القبطي. وسمعنا من موارنة لبنان أنهم ينادون إلى جعل بلادهم جزءا من فرنسا: فمن الذي سينقبل العروبة إننا لا نرى سوى السذج من الناس ينادون لها ويطالبون بها فقد تخلى عنها دعاتها من القادة والأحزاب.

 ولقد جربت هذه المنطقة الاشتراكية فوجدنا الشقاق والتناحر حتى داخل البلد الواحد وقامت الدكتاتوريات والإرهاب من قبل الحكومات الثورية التي نادت بالاشتراكية وها هي تتهاوى واحدة تلو الأخرى فما أن يذهب زعيم حتى يأتي آخر يفضحه ويكشف ما خفي من سوء وفسق وتأمر.

 ونادي البعض بالشيوعية فوجدنا مؤسسي الأحزاب الشيوعية في هذه البلاد هم اليهود في مصر والسودان والعراق وسوريا فما مصلحتهم في ذلك لا حتى دعاة الشيوعية نفسها وجدناهم من اليهود والغريب أن الاحزاب الشيوعية كلها نقر وجود دولة "إسرائيل" في فلسطين. فلماذا؟ فهل يريد منا دعاة الشيوعية أن نرتبط مثلهم بالشرق وأن نستمد منه مبادئنا وقيمنا وأخلاقنا وثقافتنا.. إننا والله لفي غنى عن هذه الدعوات.

 فماذا بقي لنا من الدعوات وبماذا نتمسك؟

لم يبق لنا سوى الدعوة الإسلامية الصحيحة، كما أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا كما يعرفها الناس وينفذها عامة الناس في هذه الأيام. لنعود إلى ذلك الحق تنهل منه حتى تعود الوحدة الإسلامية الكبرى التي أقامها الصحابة من الهند إلى المحيط، أنه لا ينقصنا إلا العقيدة النقية الصافية والأخلاق الإسلامية التي وجدناها بين الصحابة من حب وتاخ وتضحية. عند ذلك نقول الناس كما قال ربعي بن عامر القائد الفرس رستم- جننا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام. نعم بالإسلام نخرج الناس من عبادة الأشخاص والزعماء والأموال إلى عبادة الله وحده ونخرجهم من الفقر إلى الغني غني النفس وغنى المال كما وجدناه في ظل الدولة الإسلامية ونظل الناس بظل العدل والمساواة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 أخوكم: منير سعيد جراده

الرابط المختصر :