; الجنرال في قفص الاتهام ! | مجلة المجتمع

العنوان الجنرال في قفص الاتهام !

الكاتب عبد الغفار عزيز

تاريخ النشر السبت 01-أغسطس-2009

مشاهدات 11

نشر في العدد 1863

نشر في الصفحة 14

السبت 01-أغسطس-2009

رحل «برويز مشرف» عندما لفظه الشعب الباكستاني.. لكن ما زرعه بتحالفه مع «واشنطن» لا يزال يؤتي ثماره المرة

المبعوث الأمريكي: هذا شأن داخلي لن نتدخل فيه... وقد ولى عهد مشرف وأصبح جزءا من التاريخ!

الجنرال يتنقل بين العواصم الغربية.. وشيد لنفسه قصراً كبيرا أنفق عليه عدة ملايين من الدولارات!

استدعت المحكمة العليا الباكستانية الرئيس المخلوع الجنرال برويز مشرف ليمثل أمامها في قضية قد يتهم فيها بالخيانة العظمى، وقال رئيس المحكمة «افتخار محمد تشوهدري: إن القضاء يريد أن يعطي الجميع فرصة الدفاع عن النفس، وإن مبدأ العدل والقسط يجب أن يلمس ويرى تطبيقه جميع المعينين.. وكانت المحكمة قد حددت يوم الأربعاء التاسع والعشرين من يوليو الماضي ليحضر الجنرال بنفسه، أو ينيب عنه محاميه أمام المحكمة.

تستمع المحكمة العليا الباكستانية هذه الأيام إلى قضية رفعت ضد قرار «برويز» مشرف بتعطيل الدستور الوطني، وبفرض حالة الطوارئ، وحل المؤسسة القضائية ثم تعيين القضاة الجدد ليؤدوا يمينهم الدستورية وفق الدستور المؤقت الذي أصدره الجنرال «مشرف» بصفته رئيساً للجيش لا كرئيس للبلاد، وذلك بتاريخ 3 من نوفمبر عام ٢٠٠٧م؛ حيث إن تعطيل الدستور أمر يعد وفق المادة السادسة من الدستور «خيانة عظمی عقوبتها الإعدام».

جاء قرار المحكمة بعد أن رفض المدعي العام الدفاع عن الرئيس المخلوع، ولم يكن في المحكمة من يدافع عنه فقال رئيس المحكمة »كيف نواصل الجلسة والمتهم غير موجود ولا يوجد من يدافع عنه»؟.

وبعد انقطاع جلسة الاستماع لمدة ساعة صدر قرار الاستدعاء، وبهذا قد يبدأ الفصل النهائي والأخير لشخصية كانت تعتبر نفسها شخصية أسطورية، وظلت تملك السلطة المطلقة في باكستان لمدة تسع سنوات!

قصر مشيد

ظل برويز مشرف يحظى بالبروتوكول وبالترتيبات الأمنية الخاصة بالكبار، وكان يصول ويجول في باكستان وفي أنحاء العالم مدعياً أنه قدم خدمات جليلة لبلده ولشعبه، وأنه مستعد لأن يعود إلى السلطة كلما اقتضت الحاجة.. وعندما كانت توجه إليه الأسئلة حول إمكانية مساءلته أمام المحكمة القضائية حول المخالفات القانونية والدستورية، كان يرد بلا مبالاة وبكل غرور «لم أرتكب أية مخالفة، ولا أخاف من مواجهة آية قضية»!

ظلت صولاته وعنترياته هذه إلى يوم أجبر فيه الشعب الباكستاني الرئيس «آصف علي» زرداري على إعادة افتخار محمد تشوهدري إلى منصبه رئيساً للمحكمة العليا .. وبعد عودته، شوهد الجنرال المخلوع وربما لأول مرة - مرتبكا وشاحب اللون، ولم يلبث بعد ذلك إلا فترة قصيرة ثم غادر البلاد بحجة تلقيه دعوة من إحدى الجامعات الأمريكية ليلقي فيها المحاضرات.

وأثناء مواجهته لأسئلة الصحفيين الذين علموا بموعد المغادرة وحضروا إلى المطار ادعى «مشرف» أنه سيعود إلى أرض الوطن خلال أسبوعين.. ومرت أشهر عدة والجنرال الموهوب يتنقل بين العواصم الغربية دون أن يهتدي إلى عاصمة بلده؛ حيث شيد لنفسه قصراً كبيراً وأنفق عليه عدة ملايين من الدولارات.

جزاء من جنس العمل

من المفارقات والعبر أن قرار المحكمة استدعاء الجنرال برويز مشرف كان صبيحة قيام المبعوث الأمريكي الخاص إلى أفغانستان وباكستان «ريتشارد هولبروك» بزيارة إلى العاصمة «إسلام آباد»، وعندما سئل عن تعليقه على القرار وما إذا كانت الولايات المتحدة تفكر في دعم حليفها الذي قدم لها كل ما طلبت منه ونفذ لها كل أوامرها رد قائلا: هذا شأن داخلي لباكستان لن تتدخل فيه الولايات المتحدة، وإن عهد مشرف قد ولى وأصبح جزءا من التاريخ !! عاكفا سبحان الله !! لقد ظل برويز مشرف صباح مساء للأصنام الأمريكية طوال فترة حكمه، وبهذه الجفوة ولت عنه أدبارها وتركته دون معين أو معيل !! هل هذا هو الحصاد الذي ناله «مشرف» بعد كل تلك الخيانات».. عفوا بعد كل تلك «الخدمات» الجليلة ؟!

عندما زرع الأشواك !

الجميع يذكر أنه بعد إعلان واشنطن حربها ضد أفغانستان، وتصريح الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن قائلا: «من ليس معنا فهو ضدنا»، خرج برويز «مشرف» بإستراتيجية نصت على منح واشنطن كل ما تطلبه .. وصرح وزير الخارجية الأمريكي آنذاك الجنرال «كولن باول» قائلا: «إن إسلام آباد قد منحتنا أكثر من طموحاتنا».

وقد خرج وزراء «مشرف» يبدون ارتياحهم لأن باكستان - من وجهة نظرهم - تجنبت نموذج «تورا بورا» الأفغانية.. لكن بعد أسابيع فقط من سقوط حكومة «طالبان» في كابول بدأت أصابع الاتهام توجه نحو باكستان بأنها تؤوي الارهابيين»، وتنظم حركة «طالبان» وتنشر الفساد في أفغانستان.

عند ذلك قام مشرف بكل ما يستطيع القيام به ليثبت ولاءه وإخلاصه للأمريكان ولكن سلسلة الاتهامات لم تنقطع، فقد أمعن برويز «مشرف» في سياسات الطاعة المطلقة للأمريكان التي أكد أنها لازمة من أجل الحفاظ على باكستان، وأن الحرب ضد الإرهاب ليست حرب الولايات المتحدة بل هي حرب باكستان، وأنه لا بد من محاربة الأصولية، واقتلاع جذور الرجعية، وإغلاق المدارس الدينية، وتغيير المناهج التعليمية وتحويل قبلة المؤسسة العسكرية وتطهيرها من العناصر المتزمتة، واستبدال الهوية الوطنية الإسلامية بالثقافة الأتاتوركية، ونبذ القضية الكشميرية، واعتقال أبي القنبلة النووية البروفيسور عبد القدير خان، وإقامة العلاقات مع السلطات الصهيونية.

ثم انتهى به المطاف إلى أن قام بارتكاب المجازر البشرية البشعة في «المسجد الأحمر» والمناطق القبلية وفتح الأجواء الوطنية أمام الطائرات الأمريكية لتستهدف من تشاء من أطفال المدارس وشيوخ القبائل، ولكن دون جدوى.. كل هذا وذاك لم يسعفه من أجل طمأنة «واشنطن»، ولنفي اتهامات «كابول» وتفنيد تهم «دلهي» التي لم تفتأ تعيدها بمناسبة وبدون مناسبة.

الحصاد المر

كانت الأصوات الوطنية تعلو بين الحين والآخر، ومحاولات ثنيه عن الخط المدمر العقيم كانت تتكرر لكنه أصر على تمتين التحالف مع الولايات المتحدة، وضحى في سبيل ذلك بكل المصالح الوطنية؛ حيث كان يؤمن بأن حكمه مرهون بهذه المحاولات ومرهون للإرادة الأمريكية.. لكن خاب ظنه عندما أظهرت استطلاعات الرأي أن ٨٥ من أفراد الشعب الباكستاني يمقتونه ويوعزون ذلك إلى سياساته الداعمة للحرب الأمريكية .. وقد رحل برويز مشرف» عندما لفظه الشعب الباكستاني، لكن ما زرعه بتحالفه مع «واشنطن» لا يزال يؤتي ثماره المرة إلى الآن.

في انتخابات ۲۰۰۸م فازت الأحزاب التي رفضت سياسات «مشرف»، ووعدت بتغييرها .. وتوقع الشعب حصول التغيير في المسارين الداخلي والخارجي، ولكن خاب ظنه عندما وجد الأمور قد ساءت وانهارت وتعقدت أكثر فأكثر في ظل حكومة «زرداري».

ففي المسار الداخلي زادت الاضطرابات في الإقليمين الحدودي و«بلوشستان» وارتفعت وتيرة التفجيرات وحوادث القتل والاختطاف في جميع أنحاء البلاد، ولم تقرر الحكومة إعادة رئيس المحكمة العليا إلى منصبه إلا بعد أن هددها الشعب بالمسيرة الكبرى والاعتصام في «إسلام آباد».

أصبحت الأسعار ناراً تكوى بها جنوب الناس وظهورهم، فالقمح - على سبيل المثال وهو الطعام الرئيس للناس - قفز سعره من ٤٥٠ روبية لأربعين كيلو إلى ٩٥٠ روبية والتيار الكهربائي مع ازدياد السعر بدأ ينقطع لأكثر من اثنتي عشرة ساعة في اليوم الواحد في المدن، ولأكثر من ثماني عشرة ساعة يوميا في القرى والأرياف، الأمر الذي عطل عجلة الصناعة وجعل الناس يواجهون قيظ الصيف بوسائل بدائية تقليدية.

أما على الصعيد الخارجي فالوضع أشد وأنكى؛ حيث تحولت الإملاءات الأمريكية إلى عمليات عسكرية مباشرة، فالطائرات الأمريكية بدون طيار بدأت تتطلق من داخل الأراضي الباكستانية لتشن غارات صاروخية على معظم المناطق القبلية.

وهوت سمعة البلاد إلى الحضيض إذ فقدت ثقتها لدى الشعوب والحكومات وتراجعت الاستثمارات الخارجية، وأصبحت باكستان لا تعرف بهويتها الإسلامية أو بقوتها النووية بل برئيسها الموسوم بـ «السيد عشرة في المائة».

هذا غيض من فيض الخسائر التي تكبدتها ولا تزال تتكبدها باكستان نتيجة السياسات الخرقاء للجنرال برويز مشرف والمؤسف أن الحكومة الحالية لم تتعظ ولم تعدل المسير .. فهل في استدعاء المحكمة للجنرال المخلوع ما يردع الحكومة الحالية عن المزيد من جرائمها في حق البلد والشعب؟ إلى الآن لا يبدو ذلك، فلعلها تريد أن تنتظر الفصل الأخير إلى نهايته..

ولكن من يضمن لها أنها ستبقى في السلطة لتشهد كل جلسات المحاكمة أو كل الملفات السوداء التي تنتظر الجنرال ؟!

الرابط المختصر :