العنوان الأفاعي والعقارب والحيات في ديارنا
الكاتب د. توفيق الواعي
تاريخ النشر السبت 08-ديسمبر-2001
مشاهدات 15
نشر في العدد 1480
نشر في الصفحة 47
السبت 08-ديسمبر-2001
لا أعرف أمة من الأمم اجتمعت عليها كل هذه الكمية من الهوام السامة والمؤذية، وخالطتها حتى تخللت ثيابها، وسكنت مخادعها وجثمت على صدرها، مثل أمتنا المسكينة قد تعجب إذ ترى شخصًا دائم الكيد للناس، لا يرتاح إلا إذا أصابهم في مقتل أو قضى على نشاطهم وحيوتهم، وقد تذهل حينما تجد أمة دائمة التخطيط لضرب الأمم، ونهب خيراتها، والاستيلاء على مقدراتها ولا ترتاح إلا إذا رأتها معاقة متخلفة تتكفف الناس وتستجديهم في الطرقات وقد تشده أكثر حينما ترى الفريسة لا تتحرك ولا تشتكي بل تدافع عن الجاني وتهتف له، وترعى مصالحه، وقد تفغر فاك حينما يوسم الجاني بالتحضر والضحية بالتخلف والمعتدي بالتمدن والمعتدى عليه بالتأخر ذكرني هذا بذلك الحرامي الذي يلبس «البدلة» ويمشي في أحسن صورة، ثم يمد يده إلى محفظة الموظف الفقير ليسرقها فتقع المحفظة من يده فيشير إلى صاحب المحفظة ويسبه ويطلب منه مناولته إياها، لأنه تململ بوقاحة فتسبب في وقوع المحفظة.
وهكذا من ينظر إلى ما تفعله الأمم التي تتشدق بالتحضر... فيعجب من كثرة تدبيرها السيئ في إيذاء الناس والأمم والشعوب ولنقرأ كلام نيكسون رئيس الولايات المتحدة الأسبق وهو يتكلم عن الصين ويضع الخطط لإضعافها والتآمر عليها حتى لا تنهض ثم يتكلم عن أمم أخرى وأخرى وعن تدابير ينبغي عملها حتى لا تفلت هذه الدول من الحصار المضروب عليها وتنعم بالحياة الكريمة، فبعد أن ينبه على خطورة الصين ويدفع إلى التحذير منها، يقول: يجب أن نعمل على تحجيم الصين. وهذا أمل قديم حتى إن نابليون الذي لم تكتحل عينه برؤية الصين تنبأ بصعود الصين وحذّر منها حيث قال قبل قرنين مضيا: «الصين بداخلها يسكن عملاق نائم اتركوه نائمًا فهو خطر، ولو فاق لسير العالم بيده ثم يقول: فها هو العملاق قد صحا وباشر تسيير العالم ثم يقول: علينا أن نتسبب في عرقلة الصين وتمييع الشعب الصيني، علينا أن نشجب بشدة انتهاكات الصين لحقوق الإنسان كلما استطعنا لذلك سبيلًا، غير أن معاقبة الصين يجب أن تكون عن طريق إيقاف تقدمها الاقتصادي، بتقييد تعاملنا معها وحصارها ولو وصلنا إلى تدهورها الاقتصادي فإننا نشعر بالارتياح ونكون قد أغلقنا الباب على جميع أفاق التغيير السياسي والاجتماعي في المستقبل المنظور، وهذا سيكون أفضل لنا من إلقاء المواعظ على الشعب الصيني حول سياسة تحديد النسل علينا أن نشجع المعارضة الصينية وتعزيز دوافع النقد والنقاد لأنهم يعيقون مسار العلاقات البناءة التي يفترض أن تربطهم بالعالم وتتسبب في رواج تجارتهم وصناعتهم، ومن الصواب اتهام الصين بدعمها انتشار التسليح في الدول... إلى آخر تلك التهم التي تحاصرها وتحجمها وتجعلها دائمًا في موقف المتهم المدافع عن نفسه، وإذا سألته من السبب قال مصالح الولايات المتحدة
فأين الأخلاقيات؟ وأين حقوق الإنسان؟ وأين العدالة والشرف القومي، هل هي ألفاظ من العصور البائدة يجب أن تمحى من قواميس تلك الدول، أم أنها ألفاظ لخداع الفريسة؟ واليوم تعامل الأمة الإسلامية والعربية بهذا المنطق وتدبر لها الاتهامات، وتدبج لها التعلات وتجرى بين الأقطار الفتن. يقول نيكسون إن منطقة الشرق الأوسط منطقة حيوية لنا يجب أن تظل تحت سيطرة الولايات المتحدة، لأنها منطقة حيوية جدًا ولا يختلف على هذا اثنان فهي تشكل جسرًا بين أوروبا وآسيا وأفريقيا، وتهيمن على 50% من احتياطي النفط العالمي، مع امتلاكها اثنين من أهم نقاط المرور في العالم- قناة السويس، ومضيق هرمز- ثم يتكلم عما تم في هذه المنطقة، وعن حجم ما تعرضت له حتى أنهكت قواها فيقول: لقد أزهقت الحرب والهجمات الإرهابية في المنطقة أرواح ما يزيد على ١٤ مليون شخص من عام ١٩٨٠م فقط وخلال السنوات الخمسين الماضية خاضتإسرائيل خمسة حروب، وسقط من العرب ما يربو على مئتي ألف شخص، وأنفق العرب نحو ١٣ مليار دولار للأغراض الدفاعية، كما جرى بتحريض خفي إثارة حروب بن العرب أنفسهم فسورية غزت الأردن عام ۱۹۷۰م، وغزا العراق إيران عام ۱۹۸۰م، والكويت عام ١٩٩٠م، كما غزت ليبيا تشاد عام ۱۹٧٠م، واحتلت سورية لبنان ١٩٧٦م إضافة إلى انغماس اليمن الشمالي والجنوبي في حرب أهلية استمرت عشر سنوات قبل توحيدهما، وقامت جماعات إرهابية بتدمير الجزائر بحرب أهلية، وقد تمخضت هذه الحروب بين العرب عن كثير من القتلى أكبر بكثير مما سقط بين العرب» و«إسرائيل» بعشرات المرات، وقد أثرت هذه الصراعات على وحدة العرب وقوتهم الاقتصادية والاجتماعية، ناهيك عن الفتن بين الحكام والشعوب التي مازالت مستعرة إلى الآن. ثم يقول نيكسون أما الولايات فإن مصلحتها الكبرى في الحفاظ على «إسرائيل» في وسط الوطن العربي وعلى الحفاظ على أمنها، و«إسرائيل» ليست حليفًا طبيعيًّا فقط، وإنما هي حليف استراتيجي، ولدينا معها التزام أخلاقي أسمى من أي اتفاق، وليس لأي رئيس أمريكي أن يترك «إسرائيل» تغرق في الوحل العربي إن «إسرائيل» مهمة لنا، وقد أحاطت بها من يوم مولدها بلدان صممت على تدميرها ولابد من الاعتراف العربي بها، ومن عمق رعايتنا بها، قدمت أمريكا لها بعد خمسين سنة ٦٠ مليار دولار على شكل مساعدات أي أكثر من ضعف ما أنفقناه على خطة مارشال ..انتهى كلام نيكسون الكلام اليوم أصبح على المكشوف لأن الضحية وقعت في المصيدة، وحاوطتها الفخاخ من كل جانب، ولا يجدي قرار من شباك وأغلال وقد نصبت عقارب الاستعمار وحيات اليهود أطواقًا وأسوارًا حولنا، وأصبحنا لا قوة لنا إلا بالله ولا حول لنا إلا عزته، ولا نصر لنا إلا بدينه وشرعه مهما ادلهمت الأيام واشتدت وعورة الطريق، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون