العنوان طاجكستان: السماء ملبدة بالغيوم
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 27-أكتوبر-1992
مشاهدات 23
نشر في العدد 1022
نشر في الصفحة 40
الثلاثاء 27-أكتوبر-1992
مازلنا
نتابع عن كثب الوضع الراهن في جمهورية طاجكستان الواقعة في آسيا الوسطى غير أن كل
الأنباء الواردة من هذا البلد الإسلامي تدفعنا إلى الحيرة إزاء مستقبل هذه
الجمهورية الوليدة التي قامت في أعقاب تفكك الإتحاد السوفياتي.. إن طاجكستان
تمزقها اليوم استقطابات سياسية وقبلية عميقة زادت عليها أزمة اقتصادية خانقة آلت
إلى نشوب حرب أهلية بين القوى الإسلامية والديمقراطية والشيوعية في السابق.. إن من
يتجول اليوم في شوارع دوشنبه عاصمة طاجكستان- يتحسر لما وصل إليه الدمار الذي لحق
بمعظم المنشآت الهامة والذعر الذي يعيشه الشعب الطاجيسكي الذي ما إن تحرر من نير
الشيوعية إلا وتحول إلى ضحية للنزاعات السياسية والقبلية التي راح ضحيتها أكثر من
خمسة آلاف شخص، وإن الوضع الراهن هناك ينذر بتفاقم عمليات العنف إلى الأسوء في
غضون الأيام القادمة.
وتحد
طاجكستان كل من أفغانستان جنوبًا وأوزبكستان وکیرغیستان شمالًا وتحدها من جهة
الشرق جمهورية الصين الشعبية، ومما زاد الموقف خطورة استمرار تدفق كميات هائلة من
الأسلحة إلى داخل البلاد وقد أبدت الدول المجاورة لطاجكستان قلقها إزاء احتمال
امتداد النزاع إليها مما حدا بالرئيس الأوزبيكي إسلام كاريموف إلى تحذير موسكو
بأنه في حالة امتداد النزاع إلى القرب من البلدان المجاورة فإن الميليشيات
الإسلامية قد تزحف إلى الحدود الروسية ثم إن الدليل على مخاوف هذه الدول قيام أربع
جمهوريات من دول الكومنولث المستقلة بإرسال أكثر من ألف جندي لتعزيز الأمم ورصد
التحركات على الحدود الطاجيكسية- الأفغانية.
ويرجع
نشوب الاضطرابات في طاجكستان في شهر نوفمبر الماضي إلى الانتخابات التي قد أجريت
لأول مرة إبان أفول نجم الشيوعية وفاز فيها الرئيس رحمن نابييف المدعوم من قبل
الشيوعيين في السابق بأغلبية 57 من مجموع الأصوات ونظرًا لتدهور الأحوال المعيشية
والاقتصادية بصفة عامة قامت القوى الإسلامية والديمقراطية بتشكوينا تحالف هزيل غير
أنه سرعان ما تلقى تأييد جماهيريًا دفع بالرئيس نابييف إلى إشراك بعض رموز حزب
النهضة الإسلامي في حكومته وبعد مرور أربعة أشهر على تكوين الحكومة الائتلافية
قامت ميليشيات المعارضة باعتقال الرئيس ناييف في مطار دوشنبه تحت التهديد بالسلاح
ثم أجبروه على التنحي عن السلطة التي تولها فيما بعد حكومة ائتلافية مؤلفة من
الإسلاميين والديمقراطيين.
ومنذ
أن استولى الإسلاميون والديمقراطيون على السلطة تصاعدت عمليات الاقتتال بين القوات
الموالية لنابييف وميليشيات المعارضة وليس بإمكان أي من الطرفين أن يفرض سيطرته بل
استفحل الوضع وأخذت الأقاليم الأخرى تشهد معارك ضارية بين فينة وأخرى لكن الحرب
الأهلية أخذت بعدا جديدا منذ أن انتقلت إلى المدن الأخرى حيث زادت من تأجيجها
النزاعات القبلية الموروثة وخاصة تلك النزاعات المحتومة ما بين القبائل الجارمية
التي تقطن في وسط طاجكستان وتكن عداوة قديمة للقبائل القليبية الموجودة في الشمال
والتي تربطها بالشيوعية علاقات قوية وتؤيد أيضًا الرئيس تابييف. وتشهد اليوم مدينة
كورغان- شيوبة أكثر المعارك عنفًا حيث تتقاتل القبيلتان مما أدى إلى هجرة أكثر من 30
ألف شخص من سكان المدينة الذين يتجاوز عددهم الـ80 ألفًا غير أن الأدهى في الأمر
أن هذه المعارك الضارية تجمع بين فئتين من المسلمين تتدفق عليهما كميات هائلة من
الأسلحة الفتاكة وتأتي معظمها من القواعد العسكرية الروسية في المنطقة سواء عن
طريق الشراء أو التهريب.
إن
كل المحاولات التي بذلت من أجل إخماد نيران الاقتتال في طاجكستان قد باءت بالفشل،
وقد وجه الرئيس بالنيابة أكبر شوا اسكندروف إنذارًا أخيرًا إلى الأطراف المتنازعة
محذرًا تدخل القوات الحكومية لوقف عمليات الاقتتال وبالفعل بعد نهاية موعد الإنذار
قامت هذه القوات بشن هجوم كاسح على مواقع الجارميين في إقليم كورغان- تيوبه بيد أن
الجارميين قد اتهموا الجنود الروس المتواجدين في المنطقة بتقديم دعم سري للحكومة
مما دفعهم إلى الإقدام على احتجاز مجموعة من الضباط والجنود الروس والجنود
وتهديدهم بالقتل في حين عهدت القوات الحكومية بقيادة الجنرال الان غاريييف باحتجاز
جنود روسيين أيضًا لمنع رضوخ الروس أمام مطالب الجارميين المتمثلة في تدمير جميع
المدرعات الموجودة في الحامية الروسية.
وفور
إعلان وزير الدفاع الروسي عن إرسال فرقة عسكرية قوامها 800 جندي للإفراج عن
المرتهنين الروس قام كل من الطرفين بإطلاق سراح من لديه من العسكريين الروس.
ويبقى
القول: إن طاجكستان دولة مسلمة قبل أن تكون الجمهورية الوحيدة الناطقة باللغة
الفارسية في الإتحاد السوفياتي وتربطها علاقات وطيدة مع إيران التي تتهمها بعض
الأطراف بالضلوع في هذه النزاعات، غير أن الوضع المتفجر في هذا البلد المسلم يدعو
إلى مزيد من الاهتمام فضلًا عن أن السماء هناك ملبدة بالغيوم.