العنوان أين حقوق الإنسان مما يجري في أفغانستان؟!
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر السبت 08-ديسمبر-2001
مشاهدات 20
نشر في العدد 1480
نشر في الصفحة 9
السبت 08-ديسمبر-2001
من بين كل المآسي التي تشهدها أفغانستان، لا بد من وقفة عند التجاوزات اللاإنسانية التي تحدث هناك، والتي أثارت سخط شعوب العالم والكثير من المنظمات الحقوقية والمعنية بحقوق الإنسان، ويبقى ما حدث في قلعة «جانجي» بقعة سوداء وكارثة إنسانية كبيرة وسط كل ما يحدث هناك، ففي هذه القلعة قتل ستمائة من أسرى الحرب الذين تلزم الاتفاقيات الدولية بحسن معاملتهم والحفاظ على أمنهم وسلامتهم لحين تسليمهم لدولهم، ولكن ما حدث في جانجي كان على خلاف ذلك تمامًا، فقد أطلقت قوات التحالف النار على الأسرى الذين ذكر أن الأمم المتحدة رفضت تسلمهم، وقامت الطائرات الأمريكية بدك السجن بالقنابل تحت دعوى أن الأسرى قاموا بتمرد لا ندري كيف يمكن أن يتم وهم المجردون من أسلحتهم، وقد ذكرت روايات أن بعض الجثث كانت مقيدة الأيدي. وقد خرجت في المقابل روايات أخرى تقول إن الأسرى جيء بهم من قندوز وهم كانوا شهودًا على التجاوزات التي حصلت هناك، لذا كان مطلوبًا أن يموتوا حتى لا يرووا -بعد الإفراج عنهم- التجاوزات البشعة التي جرت في المدينة، وقيل أيضًا: إن الأسرى قتلوا ثم نشرت جثثهم في أماكن مختلفة من القلعة، أما من ذكر من أنهم استسلموا للتحالف بعد انتهاء تمردهم، فقد فعلوا ذلك بعد أن سكبت قوات التحالف الوقود، وأشعلت النار في الأماكن التي كانوا بها، حتى إن بعضهم كانت وجوههم متفحمة من شدة النار.
وقد دفعت هذه الأحداث، وتضارب الروايات حول ما جرى منظمات حقوقية إلى طلب التحقيق في الحادث لكشف غموضه، لكن الغريب أن يرد وزير الدفاع الأمريكي على الطلب بقوله: أستغرب ذلك ولم أعلم به، ولم أفكر أبدًا في هذه المسالة. والأغرب أن يبرر وزير الدفاع الأمريكي ما جرى بالقول: إن المنطقة التي شهدت المجزرة مكان صعب لا يسوده نظام، وهناك حرب دائرة، كل ما أعرف هو ما قرأت في الصحف، واستبعد المسؤول الأمريكي حتى مجرد إجراء تحقيقات مستقلة حول المجزرة، والواقع أن كلام رامسفيلد يعد تبريرًا غير مقبول لمثل تلك الأحداث، وتشجيعًا على تكرارها حيث لا مسؤولية ولا محاسبة على ما يجري إلى جانب ذلك، فقد صدم الرأي العام الإسلامي بما يجري من قوات تحالف الشمال ممن لايزالون يطلق عليهم لقب المجاهدين، وما ارتكبوه من فظائع في شهر رمضان المبارك من قبيل انتهاك حرمة الموتى وضرب رؤوسهم بالأحذية، أو اقتلاع أسناهم الذهبية أو التمثيل بالجثث، وسحلها في الشوارع، أو ما حدث لزوجات بعض الأسرى، فقد ذكرت جريدة الشرق الأوسط أنه جرى اغتصاب سيدتين عربيتين ذهبتا للسؤال عن زوجيهما والتوسط لدفع فدية للإفراج عنهما.
تجري هذه الأحداث المرعبة والمسلمون يمرون بذكرى غزوة بدر، ويستذكرون كيف عامل الرسول صلى الله عليه وسلم أسرى بدر، وهم مشركون أذاقوا المهاجرين من المسلمين الويل، وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم، ومع ذلك فقد أحسنوا معاملتهم، وحافظوا على حياتهم، وقبل الرسول -صلى الله عليه وسلم- منهم الفداء، وكان من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام أن يوصوا من يخرجون لحرب غير المسلمين بألا يقتلوا امرأة ولا طفلًا ولا شيخًا ولا راهبًا في صومعته، ولا يجهزوا على جريح، ولا يقطعوا شجرة، ولا يوقفوا ماء جاريًا .
أما إذا وقعت الفتنة بين طائفتين من المسلمين فقد حدد القرآن طريقة التعامل حينذاك بقوله: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (سورة الحجرات: 9). وهكذا سمّى القرآن الطائفتين بأنهما من المؤمنين، وطلب من جماعة المسلمين أن تقوم بالصلح بينهما، وأن تتحرى العدل والقسط.
فأين هذا مما يحدث في أفغانستان؟ إن ما وقع من تجاوزات سواء من قوات التحالف الشمالي أو القوات الأمريكية، من شأنه أن يورث عداوة وبغضاء يترجمان إلى ردة فعل مفعمة بالانتقام ضد من قام بتلك التجاوزات، وقد أعلنت الولايات المتحدة، أنها تسعى لتحسين صورتها أمام الرأي العام الإسلامي، ولكن ما يجري لا يمكن أن يخدم هذا الاتجاه، إننا نطالب الحكومات العربية والإسلامية بالتحرك الفوري العاجل بشأن القضية الأفغانية، وإذا لم يكن بوسعها وقف الحرب في أفغانستان فلا أقل من دعوة الأطراف الأفغانية للالتزام بأحكام الشرع، ودعوة بقية الأطراف للالتزام بأحكام القانون الدولي والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها .