; هل إيران عرَّاب الإرهاب فعلًا؟ | مجلة المجتمع

العنوان هل إيران عرَّاب الإرهاب فعلًا؟

الكاتب عمر ديوب

تاريخ النشر الثلاثاء 10-سبتمبر-1996

مشاهدات 16

نشر في العدد 1216

نشر في الصفحة 50

الثلاثاء 10-سبتمبر-1996

الإيكونومستاختارت إيران يوم الثاني عشر من أغسطس الماضي -أي بعد مرور أسبوع واحد على توقيع الرئيس بيل كلينتون على قانون لمعاقبة الشركات الأجنبية التي تعمل في مجال الطاقة الإيرانية - لتقوم بإبرام صفقة تقدر قيمتها بأكثر من ٢٠ بليون دولار أمريكي يتم بموجبها قيام إيران ببيع الغاز الطبيعي إلى تركيا التي هي حليفة أمريكا لمدة ٢٣ عامًا، وكان هذا التوقيت رائعًا بالنسبة لإيران التي ظلت لفترة طويلة تتحين الفرصة المواتية للرد بسخرية على "تجبر وعجرفة أمريكا على العالم".

وبالرغم من أن رئيس الوزراء الإسلامي الجديد في تركيا نجم الدين أربكان قد وقع على هذه الاتفاقية، فإن الحكومة التركية السابقة قد صاغت بنودها الأساسية، وبوسع الأتراك الدفاع عن أنفسهم بالقول بأن هذه الاتفاقية لا تتعارض وأحكام القانون الأمريكي الجديد، حيث إنها ليست استثمارًا، وإنما هي مجرد صفقة تجارية، ومهما يكن في الأمر، فإن الحكومة التي تستهدفها أمريكا وتعتبرها «شريرة» تشعر في الوقت الحالي بالاعتداد بالنفس والرضا بالمواقف التي تبنتها في السابق، حتى أن الرئيس علي أكبر هاشمي رفسنجاني قد تحدى قائلًا: «إن الولايات المتحدة قد أساءت في تقديرها لقوة إيران».

وقد تتبدد لحظة النشوة بالانتصار هذه بسرعة في حالة وجود ما يثبت بالدليل القاطع ما تتهم به أمريكا إيران بأنها المشتبه به الأول في كل عملية إرهابية دولية موجهة ضد المصالح الأمريكية، ولكن ما زال مطلوبًا من أمريكا تقديم أدلة تثبت صحة هذه التهمة، وما لم يتم ذلك فإن تماديها في الاتهام يبدو مجلبًا لنتائج عكسية مخالفة لما كان متوقعًا، بالطبع، فإن أصدقاء إيران قليلون، بيد أن القانون الأمريكي الأخير قد أكسب النظام الحاكم في إيران بعض المتعاطفين معه ولو على مضض، فالأوروبيون يشعرون بالغضب من جراء محاولة أمريكا فرض مقاطعتها لإيران على البلدان الأخرى، وفي حين أن معظم الحكومات العربية لا تكن أي مودة لإيران فإن البعض منها قد ضاق ذرعًا بشراسة الحملة الأمريكية الموجهة ضد إيران".

وفي محاولة منها للاستفادة من الظرف الحالي بأقصى قدر ممكن تقدمت إيران بشكوى إلى الأمم المتحدة ضد الاتهامات الأمريكية، وضد قيام طائرات حربية أمريكية بالتحليق داخل مجالها الجوي حسبما تقول، وعلاوة على ذلك فإن إيران على وشك رفع دعوى ضد أمريكا لدى محكمة العدل الدولية في لاهاي لكي تشكو من إقدام الكونجرس على تخصيص مبلغ قدره ۱۸ ملیون دولار أمريكي من أجل تمويل نشاطات سرية تهدف إلى تقويض النظام الحاكم في إيران، وربما لم يكن من باب الصدفة أيضًا أن قامت إيران في ١٢ أغسطس الماضي بالمساهمة في زيادة البلبلة إلى معاهدة حظر التجارب النووية من خلال عودتها إلى إثارة اعتراضاتها على فكرة المراقبة الأمريكية بواسطة الأقمار الاصطناعية، وعلى وضع إسرائيل النووي، فضلًا عن عدم وجود جدول زمني لنزع السلاح النووي.

ويراود الولايات المتحدة الأمل في أن تؤدي التحقيقات التي تجريها السلطات السعودية حول عملية تفجير سيارة مفخخة التي وقعت في الظهران في شهر يونيو الماضي، وراح ضحيتها ۱۹ جنديًا أمريكيًا إلى إثبات تورط إيراني في تلك العملية، غير أن آخر التقارير الواردة من المملكة العربية السعودية تشير حتى الآن إلى غير ذلك كما أن التوصل إلى حقيقة أسباب تحطم طائرة TWA الأمريكية في الشهر الماضي بالقرب من شواطئ مدينة نيويورك ستكون مهمة أصعب مثلما تتطلب أيضًا إلى وقت أطول.

ونظرًا لأنه لم تتوفر لدى الأمريكيين أي أدلة دامغة ضد إيران فإنهم لجنوا إلى إتباع أساليب مشبوهة بما فيها تسريب وثائق يزعمون أنها «سرية» لإثبات وجود شبكة من معسكرات التدريب في مختلف أرجاء إيران يقال إنها تقوم بإعداد الإرهابيين للقيام بعمليات إرهابية على مستوى العالم.

ولم يكن الأمر بحاجة إلى خرائط أو الزعم بوجود قرى وهمية لإثبات تورط إيران بعمليات الإرهاب، حيث يقوم النظام الحاكم بملاحقة وتهديد وقتل معارضيه في الخارج بشكل وحشي، كما تقوم بمساندة الجماعات التي تحارب إسرائيل والتي يعارض بعضها الاحتلال الإسرائيلي كما هو الحال في جنوب لبنان، أما البعض الآخر فيستخدم الإرهاب ضد المدنيين، كما أن سجل إيران في مجال حقوق الإنسان سيئ، ولكن هل يضيف كل هذا جديدًا إلى الصورة التي رسمتها أمريكا لإيران لكي تظهر أمام العالم كأنها أكبر راعية للإرهاب الدولي؟

ومنذ وفاة أية الله الخميني عام ۱۹۸۹م، تبدو السياسة الخارجية لإيران أكثر اهتمامًا بالاستقرار والتجارة من اهتمامها بتصدير رسالة الثورة الإيرانية، والحقيقة أيضًا أن البلاد لم تعد تخضع لإمرة مرشد محدد، حيث إن شؤونها تدار من جانب تجمعات متشابكة ببعضها البعض، ومتصارعة فيما بينها على الصعيدين الأيديولوجي والبرغماتي في كل خطوة سياسية تمس الداخل أو الخارج، ولكن لأسباب اقتصادية، فإن الاتجاه السائد يتمثل فيتحويل تجنب البليلة بدلًا من إثارتها.

إن ما تخشاه أمريكا والدول الغربية الأخرى أيضًا هو احتمال أن تصبح إيران في وقت قريب دولة ذات نزعة إرهابية ومسلحة بقنبلة نووية، ولكن نعود إلى التأكيد بأنه لا يوجد هناك أي دليل قاطع يثبت هذا الاحتمال، فكل ما هناك مجرد شكوك وبعض المؤشرات.

وتزعم إيران بأنها بحاجة إلى الطاقة النووية لأغراض سلمية «حيث تقول بأن احتياطياتها النفطية لن تدوم إلى الأبد» وأنها تسعى إلى إحياء البرنامج النووي الذي قد استهله الشاه بمساعدة روسيا والصين وبمباركة غربية، وكان هناك مفاعلان نوويان قد شرع الألمان في بنائهما في بوشهر وتم إنجاز نصف المشروعين قبل أن تلحق بهما أضرار بالغة إبان الحرب مع العراق، وقد تكون نوايا إيران سليمة، غير أنها دولة تعد العدة دائمًا للحرب، وضعيفة عسكريًافضلًا عن أنها تواجه أعداء مدججين بالسلاح، ويملك البعض منهاأسلحة نووية.

فهناك التواجد الأمريكي القوي حاليًا في الخليج، كما أن الاتفاقية التركية -الإسرائيلية قد أدت إلى تمكين الطيارين الإسرائيليين من التحليق بالقرب من الأراضي الإيرانية أكثر من أي وقت مضى، ولا يخفى على أحد أن المكانة النووية مغرية ولها بريقها، بيد أن معظم الخبراء يرون أنها بعيدة المنال بالنسبة لإيران، ولكن ما يحير الآخرين هو كيفية الحيلولة دون وصول إيران إلى هذا الهدف.

ويتحين الرئيس كلينتون بدوره الفرصة المواتية لقتل عصفورين بحجر واحد في حالة العثور على أي دليل لإدانة إيران بحادثة التفجير في المملكة العربية السعودية، وذلك لكي يتمكن من معاقبة إيران على سلوكها الإرهابي عن طريق تدمير قدرتها على تصنيع قنبلة نووية، غير أنه لا توجد في إيران أي أهداف واضحة مشابهة للمفاعل لنووي العراقي الذي قامت إسرائيل بمهاجمته في يونيو ۱۹۸۱م «وسط إدانة عالمية».

وإذا كانت الولايات المتحدة ستقرر إنزال عقوبات على إيران في سنة الانتخابات هذه، فإن تلك العقوبات ستكون أشبه بالغارة التي شنتها على ليبيا عام ١٩٨٦م، التي كانت تعتبرها راعية الإرهاب الدولي الأولى في العالم من دون تقديم أي إثبات لهذه التهمة، وقد خرج العقيد معمر القذافي من ذلك الهجوم سليمًا، ولكنه جعله أكثر هدوءًا من ذي قبل، ومن ناحية أخرى فإن ذلك الهجوم قد دفع الشعب الليبي إلى الالتفاف حول زعيمه، وأعقبه وقوع سلسلة من الحوادث الإرهابية والتي بلغت أوجهًا في حادثة تفجير طائرة تابعة لشركة Pon Am الأمريكية في عام ۱۹۸۸م فوق الأجواء الاسكتلندية، ولو أن هذا الادعاء لم يتم بعد إلى يومنا هذا.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل