العنوان الأسرة - المرأة المسلمة الداعية - الحلقة الأولى
الكاتب محمد حسن بريغش
تاريخ النشر الثلاثاء 07-سبتمبر-1976
مشاهدات 19
نشر في 316
نشر في الصفحة 24
الثلاثاء 07-سبتمبر-1976
لا يزال الحديث عن المرأة المسلمة الداعية بكراً.. إذ لا نرى إلا قليلاً من الموضوعات والأحاديث التي تناقش حالة المرأة المسلمة التي تستطيع حمل المسؤولية في هذا المجتمع، والقيام بدورها كمربية وداعية. تتصدى مع الرجل المسلم لدعاوي الجاهلية وتقف في وجه الزحف الجنسي الخبيث- ووجه التحديات المعاصرة- في هذا الزمن الذي امتلأ بالمتناقضات حتى شد أنظار الناس إلى غرائبه- سلب ألبابهم لمفاجأته، وإطار صوابهم من مثيراته.
ولا أقصد في هذا الموضوع وغيره إعادة الحديث عن حقوق المرأة: ما لها، وما عليها أو الدخول في النقاش التقليدي حول تعليمها، وحريتها، وعملها، واختلاطها. أو غير هذه المفتريات.
ولا أريد- أيضاً- تعداد المكاسب والحقوق التي منحها الإسلام للمرأة لأن هذه الموضوعات كلها قد استوفت نصيبها من النقاش والجدل، وأطنب في الحديث عنها الكتاب والمدافعون وبينوا أن الإسلام في نظرته إلى المرأة مثل غيرها- قد أعادها إلى سواء الفطرة الإنسانية السليمة، التي انحرفت عنها المجتمعات: الرجل والمرأة وبذلك عرفت حقوقها، وقامت بواجباتها.
إن هذه الأمور- كما قلت- قد استوفت حقها من النقاش، والإسلام لا يهتم في هذا أو غيره، وليست صيحات المفكرين والمغترين إلا صورة من صور الحقد المأفون، والكيد الظالم للإسلام والمسلمين، وحري بنا أن لا نقع في الشباك فنخوض في الجدل العقيم، والنقاش الفارغ ليسلب منا الأعداء سلاح الزمن الخطير، عندما نضيعه سدى بالتفاتنا إلى أمور لا حاجة لنا بها
إن هذا الحديث موجه إلى المسلمين الذين يخافون ربهم، لأنهم يؤمنون بالله رباً وإلهاً، وملكاً يؤمنون بالإسلام عقيدة ومنهجاً للحياة ويحترمون عقولهم فلا يفتئتون على الحق والواقع. ويقدرون نعم الله عليهم، فلا يشكون بمنهج الله، ولا يرتضون غيره طريقاً ودستوراً، عقيدة ورسالة، وهم يسعون إلى تطبيقه في أنفسهم، وبيوتهم، ومجتمعهم، ملتمسين الطريق الصحيح مستفيدين من كل نصيحة مستسهلين الصعب، ابتغاء مرضاة الله عز وجل يتسابقون للتضحيات للفوز بثوابه العظيم.
1- ضرورة الوعي.
وقبل أن نطرح عدداً من الأسئلة والموضوعات حول المرأة المسلمة الداعية لا بد لنا من توضيح الصورة التي نتحدث عنها.
فهل نريد زيادة عدد الفتيات المسلمات اللواتي يتمسكن بشعار الإسلام ويحافظن على الفرائض والأخلاق فقط.
إن هذا الهدف نتيجة طبيعية لما نريد، بل هو مسلمة وشرط ضروري للوصول إلى ما نريد، ولا يمكن الحديث عن المسلمة الداعية، إذا لم تكن مثل ذلك متمسكة بشعار الإسلام محافظة على فرائضها وواجباتها كمسلمة.
ومن هنا يبرز دور الوعي عند المسلمة، وهي عندما تبلغ درجة من الوعي الإسلامي الذي يفتح أمامها منافذ التبصر والبصيرة، وحوافز التحدي والعمل ويقين الحق والثبات
وعندها تغدو قادرة على الثبات في مجال الصراع، مع اليقين الراسخ بانتصار الحق، واثقة المطلقة بعون الله عز وجل.
وهي- لهذا- أكثر حرصاً على شعارها الإسلامي، وواجباتها في الحياة وسلوكها في المجتمع من حرصها على الحياة ذاتها.
فحاجتنا- في الواقع- تبدو أكثر ضرورة وأهمية، إلى المرأة المسلمة الواعية التي تستطيع فهم إسلامها وتعي أيضاً معنى تمسكها بدينها في هذا القصر بالذات، رغم قسوة الظروف، وغرابة النظرات، وكثرة الفتن.
وهي بالتالي تستطيع قهر الشك وطرده من نفسها بشكل نهائي حاسم وتستوثق من نصر الله لها، وتثق وتطمئن بأنها- وحدها- الفائزة بين بنات جنسها، لأنها وحدها الصادقة مع ربها وفطرتها.
حين يتوفر الوعي الصحيح للفتاة المسلمة الداعية، تحقق نوعاً من الدفاع الذاتي- السلبي- ضد غارات المدنية الحديثة، التي ترفع رايات الجنس، وتسلك طريق الإغراء والإثارة لإفساد الجيل، وضرب الأخلاق والقضاء على العقيدة.
وهي- بوعيها- تضمن صمودها أمام مغريات العصر ودعاويه، وتزداد ثقتها بإسلامها، وتفشل كل المغريات في جرها أو تخويفها مهما كانت براقة أو شرسة أو خادعة.
ووعيها يضمن لها استمرارها في الحياة- إيجابية- كصورة واقعية رائعة أمام بنات جنسها- متزنة سوية، لا تحارب الفطرة الإنسانية التي خلقها الله، ولا تعاني القلق الذي أتى به العصر وتبقى مثالاً واضحاً عن المرأة المسلمة مهما تبدلت صور المدنية الحديثة ومظاهرها وهي- بوعيها- تستطيع أن تتفاعل مع المجتمع- باعتقادها الواضح الراسخ وسلوكها الناصع النظيف.
وشعارها الصادق، وتعاملها الإيجابي مع المجتمع ضمن حدود الأدب الإسلامي، ووفقاً لشروط الحوار الإسلامي. وهذه الصورة من التعامل تبدو أكثر إشراقا وتأثيراً في الناس من أية صورة أخرى، لأنها صورة المثل والقدوة، مثل الفطرة السوية والواقعية الصحيحة.
فإذا كانت المرأة المسلمة الواعية تحقق نوعاً من الدفاع السلبي ضد فلسفة العصر المادية. وإغراءاته الجنسية، فإنها أيضاً بثباتها واستمرارها كواقع وقدوة نوع من العمل الإيجابي في المجتمع أيضاً.
إن صورتها الإسلامية: عقيدة ومظهراً، وسلوكاً، وثباتاً، وترفعاً عن الانسياق وراء شياطين العصر توفر لها سلاحاً مؤثراً، يقوم على أصول العقيدة الربانية، ويلائم الفطرة البشرية ويعالج أمراض المجتمع بإيجابية وبساطة، وبواقعية وشمول.
إن هذه المرأة ستملك- إلى جانب سلاح الوضوح في العقيدة والسلوك القدرة على العطاء بأسلوب سهل ومؤثر، أسلوب هادف وقويم بعيد عن الخيال، والادعاء، والتناقض، والكذب.
وسيجعلها قادرة على تحطيم الدعاوى الباطلة لحضارة الجنس والإثارة والمادة، وفلسفات العصر القاتلة التي ترمي إلى زعزعة إيمانها وحشرها في سوق الفجور والفساد لتغدو مطية لهدف القوى الشريرة.
وإن وعيها سيتيح لها قدرة على فهم مشكلات الحياة، ولا سيما ما يخص المرأة منها، ثم تحديد الأهم منها، ومعرفة دورها وواجبها مستلهمة العقيدة في حلها، ومناقشة الوقائع على أساسها، لتبين تناقضات المرأة المعاصرة- وتكشف عن حقيقة الدور الذي تخطط له الفلسفات الحديثة وطبيعة القلق الداخلي، والعذاب الدائم الذي تعيش فيه.
على ضوء هذه الحاجة الملحة لوجود المرأة المسلمة الواعية- أولاً والداعية العاملة- ثانياً- نمضي في هذه الموضوعات على هدي الله عز وجل إن شاء الله.
محمد حسن بريغش