العنوان شعب أرتريا يخوض معركة شاملة ضد الاستعمار الحبشي.
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 11-فبراير-1975
مشاهدات 29
نشر في العدد 236
نشر في الصفحة 6
الثلاثاء 11-فبراير-1975
● الأحباش بكل ثقتهم ينقضون على أرتريا في حرب إبادة.
● السكين من الإمبراطور.. والحقد من الكنيسة.. والذبح بطريقة اشتراكية!
● أبعاد المعركة على المستوى الدولي والأمن الاستراتيجي والجامعة العربية نائمة.. بورك من أيقظها.
يوم ١٠ سبتمبر ١٩٧٤- أي قبل انفجار القتال بين الثورة الأرترية وبين الانقلابيين الأحباش بخمسة شهور- كتبت «المجتمع» تعليقًا أسبوعيًا رئيسيًا عن أرتريا.. جاء في ذلك التعليق.. ما نصه:
«مساهمة مع إخواننا في أرتريا نطرح هذه الحلول التي نحسبها مجدية».
● استغلال الظروف السيئة التي تعيش فيها أثيوبيا، فالتناقضات في الحبشة لا يكاد يوجد لها مثيل في العالم.. الإقطاع، والكنيسة، والفقر، والقبائل، والفساد، والمجاعات، والخليط المتنافر من المسلمين والنصارى، وسوء المواصلات، وبعد المسافات، والنقمة العامة، وفترة قلق انتقال السلطة من الإمبراطور إلى الجيش.. هذه المتناقضات هي فرصة العمر بالنسبة لأرتريا.. والوعي السياسي يقضي باستغلالها إلى أبعد مدى.
● العودة إلى السلاح من جديد فالجيش منهمك بمعالجة الأوضاع الداخلية.
● توثيق الصلة بمسلمي إثيوبيا فقد جمعت بين الطرفين عقيدة الإسلام.. وسوء الظروف، ووحدة الآلام.
● التحصن بالإسلام في مواجهة الشراسة النصرانية من قبل الأحباش.. والشراسة اليهودية من قبل اليهود.
● التمسك حتى آخر رمق بالاستقلال الحقيقي، استقلال لا يقيده شرط، ولا يحده نفوذ ما.
● الوحدة التامة بين أبناء أرتريا حتى لا يخذل العدو الصفوف ويضرب بعضهم برقاب بعض.
قبل خمسة شهور كتب هذا التعليق.
واليوم.. يخوض شعب أرتريا معركة شاملة ضد الاستعمار الحبشي، أي أن توقعات الأمس أصبحت.. أحداث اليوم.
حجم المعركة
والمعركة الدائرة الآن بين الشعب الأرتري.. والمحتلين الأحباش ليست معركة جزئية.
إنها معركة شاملة رمى فيها الطرفان بكامل ثقلهما.. الاستعماريون الأحباش استنفروا كامل قوتهم.. الطيران.. والمدرعات والصواريخ وكافة فرق الجيش وأسلحته.
وشعب أرتريا الذي تحول كله إلى ثوار قذف بشبابه وأسلحته وحرك مدنه وقراه وأكواخه لمواجهة الغزو الحبشي.
ويومًا بعد يوم يرتفع حجم الخسائر في القوى البشرية وفي الأسلحة والعمران.
بيد أن ثوار أرتريا يقاتلون من مواقع ممتازة حيث إن معظم الشرايين التي تمد الأحباش بالحياة ممتدة عبر أرتريا، فليس للحبشة موانىء بحرية إلا عبر أرتريا.. وليس لها طرق تمدها بالنفط إلا عبر أرتريا.
ومنذ يومين- مثلًا- انقض ثوار أرتريا على جسر ضخم- طوله ١٤٠ كيلو مترًا- فنسفوه نسفًا.
وهو الجسر الموصل إلى ميناء عصب الأرتري، وفي ميناء عصب مصفاة تنتج حاجة الأقاليم الوسطى والشرقية من الوقود.
وأغلق الثوار طريق أسمرة- مصوع- ومصوع: من أهم موانئ أرتريا التي تحتلها الحبشة- وفي إمكان الثوار تدويخ جيش الحبشة وإرغامه على الانسحاب والجلاء. وبالتالي تحقيق الاستقلال لو أن العالم العربي/ الإسلامي أمدهم بما يحتاجون إليه.. وتفصيل هذا سيأتي في فقرة قادمة...
سكين الامبراطور
والذبح الاشتراكي!
كان الامبراطور هيلاسلاسي يضطهد أبناء أرتريا ويذبحهم ويقتلهم، ويشردهم من مساكنهم، فهل تغير الوضع بعد أن نحي الإمبراطور عن الحكم؟
لا.. فإن السكين انتقل من يد الامبراطور إلى أيدي الانقلابيين الأحباش الذين يمارسون الذبح بطريقة اشتراكية!!
فهم قد أعلنوا أنهم اشتراكيون مذهبًا وسياسة ووسائل، ونقول قد أعلنوا؛ لأننا نضع تحفظًا على هذه الإعلانات فمن خلال دراسة التجارب المختلفة وجدنا أنظمة أمريكية في أغلفة يسارية واشتراكية، فـ «نكروما» كان يمينيًا متأمركًا، ولكنه لف في غلاف اشتركي، وهناك أنظمة عربية مارست نفس اللعبة.
وفي كتاب حديث عن المخابرات الأمريكية ظهرت أسماء وأحزاب اشتراكية يسارية، كانت تتعامل مع المخابرات الأمريكية، وحتى الآن لم يتخذ النظام «الاشتراكي» الأثيوبي أي خطوة ضد القواعد الأمريكية في أسمرة المحتلة.. وفي مواقع أخرى من الحبشة.
ومن المفارقات أيضًا أن الكنيسة الأثيوبية التي قيل إن بينها وبين الانقلابيين عداء وكراهية.. أيدت الانقلابيين في ضربهم لشعب أرتريا المسلم تمامًا كما كانت تؤيد الامبراطور المخلوع.
قصة عجيبة
السكين من الإمبراطور
والحقد من الكنيسة
والذبح بطريقة اشتراكية!!
الموقع الاستراتيجي
والصراع على أرتريا ليس صراعًا على قطعة من الأرض عادية، فأرتريا موقع استراتيجي بالغ الأهمية والأثر.
البحر الأحمر من أهم المواقع الاستراتيجية البحرية والصراع عليه يتزايد شدة وحدة،
وأرتريا تمتد على ساحل البحر الأحمر ٦٧٠ ميلًا.. من رأس كسار الى رأس دومره،
والبحر الاحمر ينبغي أن يظل بحيرة عربية إسلامية؛ نظرًا لعراقة وامتداد الوجود العربي الإسلامي على شواطئه وسواحله..
مصر.. السعودية.. السودان.. أرتريا.. اليمن الخ كل هذه الدول تطل على البحر الأحمر.. وترتبط به ارتباطًا وثيقًا أمنيًا وتجاريًا.
الأحباش والأمريكان واليهود لا يريدون هذه المكانة الاستراتيجية للعالم العربي/ الإسلامي، ومن ثم يصر الأطراف الثلاثة على احتلال أرتريا.. واستعمار سواحلها المهمة جدًا.
وإذا نظرنا إلى النفط كسلعة استراتيجية عرفنا بعدًا جديدًا لهذا الصراع ذلك أن البحر الأحمر يزخر بكميات نفطية تجارية هائلة، إن احتلال أرتريا وسواحلها يشكل قواعد عدوانية تهدد أمن العالم العربي.
وليس مصادفة أن توطد الصهيونية أقدامها في أرتريا فتحت المظلة الحبشية أنشأ اليهود مستعمرات كاملة تخضع لإدارتهم مباشرة، وأنشأوا ۲۲ شركة استثمارية.. وأقاموا عشرات المناجم.
هذا التغلغل.. ليس سببه الطمع الاقتصادي وحده، بل هناك الطمع في تحويل أرتريا إلى قاعدة حربية صهيونية تهدد الأمن الاستراتيجي للعالم العربي.
الرباط الخفي
بين أحداث الصومال
والإصرار على احتلال أرتريا
النظامان في الحبشة والصومال يزعمان أنهما اشتراكيان، فإذا نظرنا إلى المواقف نجدها متشابهة في أعمالها العدائية ضد الإسلام.
إن ضرب الإسلام وتصفية دعاته في الصومال.. يستهدف إضعاف مركز الدين هناك.
وإن الإصرار على احتلال أرتريا.. يستهدف إضعاف مرکز الإسلام في أرتريا،
وضرب الإسلام في الصومال وأرتريا يؤدي إلى إضعاف مركز مسلمي أثيوبيا.. وحرمانهم من النصير القوي.
لمصلحة من كل هذا؟
بالطبع لمصلحة نصارى الحبشة الذين يسرهم ضعف المسلمين في الصومال وأرتريا والحبشة.
ويستمر التسلسل إلى نهايته المفهومة، فإضعاف مركز الإسلام في الحبشة وأرتريا يؤدي إلى تشديد قبضة الطوق النصراني حول السودان المسلم.
● ففي الشرق تسلط نصراني على أرتريا ومسلمي الحبشة.
● وفي الجنوب تسلط نصراني على جنوب السودان.
● وفي الغرب تسلط نصراني على تشاد.
ارتباطات أرتريا المتنوعة
وإذا كان خصوم أرتريا.. يتكتلون ضدها؛ فإن لأرتريا ارتباطات متنوعة ينبغي أن تستثمر وتحرك.
● فأرتريا- عضو بحكم الانتماء العربي- في جامعة الدول العربية، ولكن ماذا فعلت الجامعة العربية؟
منذ أيام انعقد مجلس الدفاع العربي في القاهرة.. ومر على أحداث أرتريا، وكأنه يغط في نوم لا نهاية له.
أليس من أولى مهام هذا المجلس الاهتمام بالأمن العسكري للعالم العربي؟
بلی..
إذًا، لماذا لم يهتم بأرتريا وهي القطر العربي الذي يمثل حزام أمن متين في استراتيجية الأمن العسكري؟
إن الجامعة العربية أثبتت أنها نائمة، وإننا ندعو الى إيقاظها وبورك من يوقظها.
● وأرتريا عضو- بحكم الانتماء الإسلامي- في المؤتمر الإسلامي وأمانته العامة
فلماذا سكت رجال هذا المؤتمر.. وأين هي جهود الأمانة العامة للمؤتمر الإسلامي في هذا المجال؟
ولأي يوم أجلت جهادها؟!
وما هو دورها في العالم الإسلامي إذن؟
● وأرتريا عضو- بحكم الانتماء الأفريقي- في منظمة الوحدة الأفريقية؟
فلماذا التزمت المنظمة الصمت المطبق.. وما معنى غضبتها من أجل أنجولا وموزامبيق إذا هي تخاذلت عن نصرة قضية أبرز حقًا، وأوضح عدالة.
وإذا سكت نيريري- مثلا- لأسباب معروفة، فلماذا تسكت الدول التي يربطها بأرتريا رباط إسلامي وعربي وأفريقي، وهي دول أعضاء في منظمة الوحدة الأفريقية.. السودان، مصر، ليبيا، الجزائر، المغرب، تونس، موريتانيا؟
دعم ثورة أرتريا
واجب.. وضرورة
إن أرتريا تخوض حربًا حقيقية وتحتاج إلى دعم حقيقي وفعال.
● تحتاج إلى السلاح القادر على إنزال ضربات قاتلة بالمعتدين الأحباش.
● وتحتاج إلى الدواء الذي يعالج المقاتلين.. ويعالج المدنيين الأرتريين الذين جرحتهم قنابل ومدافع الأحباش.
● وتحتاج إلى تموين غذائي مستمر يعين المجاهدين على القتال.. ويعين الشعب الأرتري على تجاوز ظروف الحصار وطواحين المجاعة.
● وتحتاج إلى الإعلام العربي/ الإسلامي الذي ينقل القضية إلى كل محفل ومستوى.
● وتحتاج إلى تحويل الوطن العربي كله إلى ساحة لأبناء أرتريا للتنقل وتصعيد الحرب.. حتى يتم الاستقلال.
وفي هذا المجال يقع على السودان العبء الأكبر والمسئولية العظمى، فبين السودان وأرتريا حدود مشتركة وطويلة وعبر السودان يمكن أن تدعم ثورة أرتريا الدعم المطلوب، وينبغي أن يكون نظر القوم بعيدًا.. يتجاوز الاعتبارات الضيقة والمؤقتة إلى اعتبارات واسعة الأفق.. وثابتة وبعيدة المدى.
إن أرتريا ستأخذ استقلالها يقينًا.
وحسن العلاقة مع دولة الغد في شرق السودان.. يبدأ من الآن؟
ولا أحسن ولا أفضل من تكوين علاقة مبكرة عن طريق الدعم.. وتحويل السودان إلى جسور إمداد لثورة أرتريا.
الرابط المختصر :