; «العدالة والتنمية» يجبر المعارضة التركية على مراعاة المشاعر الدينية | مجلة المجتمع

العنوان «العدالة والتنمية» يجبر المعارضة التركية على مراعاة المشاعر الدينية

الكاتب جمال خطاب

تاريخ النشر الاثنين 01-مايو-2023

مشاهدات 21

نشر في العدد 2179

نشر في الصفحة 24

الاثنين 01-مايو-2023

جمــال خطــاب

 

ما زلنا نذكر قصة النائبة التركية المحجبة «مروة قاوقجي» التي انتخبت عام 1999م نائبة برلمانية عن حزب «الفضيلة» الذي كانت تنتمي إليه بمدينة إسطنبول، وقد حاولت أن تؤدي اليمين من دون خلع حجابها، لكن ذلك لم يرض العلمانيين، وكان رد فعلهم عنيفاً وغير متوقع؛ حيث قاموا بطردها من البرلمان، ومنعها من أداء اليمين، واعتبار سلوكها «يعارض الوفاء للوطن»! بل وتم إسقاط الجنسية التركية عنها، وإصدار عدة أحكام قضائية ضدها وضد أسرتها أيضاً؛ لتضطر للهجرة إلى أمريكا، لتعمل في كلية جورج واشنطن كمحاضرة في مجال العلاقات الدولية.

استطاع حزب العدالة والتنمية أن يجبر المعارضة التركية ذات الأغلبية العلمانية على الظهور بمظهر المتدين، مستخدمة تقية مفضوحة، لاستمالة أصوات الشعب التركي أو شريحة واسعة منه، وهذا -كما يقول الصحفي التركي «حمزة تكين»- نجاح للعدالة والتنمية وللرئيس «رجب طيب أردوغان»؛ فقد حاول العلمانيون في الانتخابات الرئاسية السابقة سحب البساط من تحت أقدام «أردوغان» الإسلامي بترشيح «أكمل الدين إحسان أوغلو»، الذي شغل منصب الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، لكن باءت محاولتهم بالفشل الذريع.

والآن تضطر المعارضة العلمانية التركية لمغازلة المشاعر الإسلامية التي لم تكن تطيقها، وكانت تستهين بها وتحاربها بشراسة سراً وعلناً؛ حيث يقول «كليجدار أوغلو»، زعيم المعارضة ومرشحهم للرئاسة: «إذا كان الساكت عن الحق شيطاناً أخرس، فإننا لن نصمت أمام الظلم، إذا كان هناك ظلم في مكان ما علينا أن نقف ضده، والإسلام علمنا أن نكون مع الحق والعدل»، هكذا يتحدث رئيس حزب «أتاتورك» العلماني وكأنه زعيم لحزب إسلامي!

ويقول «كليجدار أوغلو» في أحد خطاباته: إن التطورات التي ظهرت في العالم الإسلامي بعد الإسلام مباشرة فتحت الطريق إلى النهضة في العصور الوسطى، متسائلاً: لماذا يتخلف العالم الإسلامي الذي حقق مثل هذه التطورات في العلوم والتكنولوجيا عن الركب في القرن الحادي والعشرين؟ يجب أن نتحقق من ذلك، ألم يقل الله تعالى في القرآن الكريم: «أفلا تتفكرون؟»، ويضيف: استخدام العقل في الواقع يعني اكتشاف معجزات الخالق، واكتشاف النعم التي يقدمها لنا الخالق، وهذا هو جوهر العلم والتكنولوجيا.

ويلفت «كليجدار أوغلو» الأنظار إلى أهمية العلم والعلماء لدى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، مضيفاً: علينا أن نحقق العدالة لبلدنا وللعالم الإسلامي بأسره، بل إنه أقر بأن حزب الشعب الجمهوري ارتكب أخطاء في الماضي، عبر فرض قيود على الحجاب، ويريد حالياً سن قوانين تضمن حق النساء في ارتداء الحجاب في المدارس وأماكن عملهن.

هل نصدق أن مرشح العلمانيين «كليجدار أوغلو» يظهر في صورة وهو يقرأ ترجمة كتاب «معالم في الطريق» للشهيد سيد قطب، وتظهر على طاولته في المقطع الذي أعلن فيه تأييده لحماية حقوق المحجبات بالقانون مسبحة وكتاب «أسس القومية التركية» للكاتب التركي الشهير «ضياء كوك ألب»، صاحب نظرة التقارب بين القومية التركية والإسلام؟!

 

«تقية» أم تبديل هوية؟

مغازلة المشاعر الإسلامية لم تقتصر على «كليجدار أوغلو»، فقد برزت شخصيات داخل حزب الشعب الجمهوري عملت على استقطاب الناخب المحافظ خلال الانتخابات البلدية؛ فعلى سبيل المثال افتتح رئيس بلدية أنقرة «منصور يافاش» منصبه عام 2018م بأداء صلاة الفجر في مسجد «حجي بيرم» التاريخي قبل التوجه إلى مكتبه.

كما جرى تداول صورة لرئيس بلدية بولو «تانجو أوزجان» وهو يقبِّل المصحف إلى جانب العلم التركي أثناء أدائه القسم في بداية عمله.

 أما «أكرم إمام أوغلو»، رئيس بلدية إسطنبول، فقد ظهر أمام الكاميرات وهو يتلو سورة «يس»، في مسجد أيوب سلطان التاريخي، وقد تفاخر بأنه جاء من بيئة محافظة في مواقف عدة.

هؤلاء هم ورثة «مصطفى كمال أتاتورك» وحزبه، حزب الشعب الجمهوري الذي حارب الإسلام جوهراً ومظهراً؛ فمنع ارتداء الحجاب للنساء، وفرض عليهن السفور، ومنع ارتداء الطربوش التركي للرجال وفرض ارتداء القبعة الأوروبية، وهو الحزب الذي منع الأذان باللغة العربية، وحول «آيا صوفيا» إلى متحف!

 

الموقف من فلسطين

ظلت العلمانية التركية طوال تاريخها أميل للجانب «الإسرائيلي»، ولا يحتفظ لنا التاريخ بموقف واحد لهم يأخذ جانب الحق الفلسطيني، لكن الأمر تغير الآن بسبب اشتعال حدة المنافسة البرلمانية والرئاسية مع حزب العدالة والتنمية؛ فمرشح «الطاولة السداسية» العلمانية «كليجدار أوغلو» يستنكر الاعتداءات على المسجد الأقصى ويعلن بصراحة وقوفه مع الحق الفلسطيني! ومن منطلق إيماني يشير في أحد خطاباته إلى المأساة التي تمر بها فلسطين منذ سنوات، والحقوق التي سلبت من الفلسطينيين، قائلاً: «إذا أردنا الوقوف إلى جانب الحق فعلينا أن نكون بجانب فلسطين والقضية الفلسطينية، وإلا فإننا نرفض الإيمان الذي تعلمناه»، مضيفاً: «علينا أن نعمل من أجل تحقيق السلام في هذا البلد (فلسطين)، وتحقيق السلام في العالم الإسلامي، ولدينا هدف في منطقة الشرق الأوسط». 

«كليجدار أوغلو» يكاد يهلك نفسه من أجل إقناع الناخبين المحافظين بأنه رجل متدين أو على الأقل لا يعادي المتدينين، إلا أنه يقع في أخطاء تفضح تصنعه وبُعده عن التدين وثقافة المتدينين وضعف معلوماته الدينية.

هكذا اضطر العلمانيون المتطرفون إلى مراعاة مشاعر الشعب التركي المسلم، مستخدمين «تقية» مفضوحة، لدرجة أن حالة الاضطرار للتظاهر بالتدين ضايقت رئيسة فرع إسطنبول لحزب الشعب الجمهوري «جانان قفتانجي أوغلو» التي أعربت عن استيائها من ممارسة «التقية» من أجل الحصول على أصوات الناخبين اليمينيين، كما أعربت عن انزعاجها من وجودها في موائد الإفطار، واضطرارها لرفع أيديها مع الآخرين للدعاء إلى الله تعالى، علماً بأنها انتقدت ذات مرة تنظيم مراسم جنازة وفقاً للقواعد الإسلامية للأشخاص الذين يعيشون طوال حياتهم بعيدين عن الدين، وأوصت بعدم تنظيم مراسم جنازة إسلامية لها، كما أن زوجها نشر تغريدة يفتخر فيها بأكل ربع خنزير في 7 دقائق فقط!

 

الرابط المختصر :