; بعد اغتيال السادات.. هل ينسحب العدو من سيناء؟ | مجلة المجتمع

العنوان بعد اغتيال السادات.. هل ينسحب العدو من سيناء؟

الكاتب د. محمد علي البار

تاريخ النشر الثلاثاء 27-أكتوبر-1981

مشاهدات 21

نشر في العدد 548

نشر في الصفحة 23

الثلاثاء 27-أكتوبر-1981

 غولد كوهين: عملية السلام تعتمد على شخص واحد.. مصيره عل رصاصة واحدة.

نيوزويك: الوفاء بـ «كامب ديفيد» يحتاج إلى التفاوض من جديد خلف الكواليس. 

الجامعة العربية تدعو مصر للاشتراك في مؤتمر القمة المقبل.

 يبدو أن اغتيال الرئيس السادات ستكون له عواقب كثيرة على خط السلام في الشرق الأوسط، وربما أدى إلى عرقلة اتفاق كامب ديفيد الذي بموجبه يفترض أن تنسحب "إسرائيل" من الثلث الأخير من سيناء، والذي أقامت فيه مستوطنات عديدة، وذلك في أبريل 1982. ‏

 وقد كان بيجن حريصًا في اجتماعاته مع الرئيس الراحل على تأكيد وجهة نظره القائلة، بإن خط المعارضة في مصر، وخاصة منها التيار الإسلامي، يهدد مسيرة السلام والتطبيع، وإن "إسرائيل" لا تستطيع أن تنسحب ما لم يتم إخماد هذه المعارضة، وبالفعل قام الرئيس الراحل بإجراءاته القمعية ضد المعارضة المصرية وخاصة منها التيار الإسلامي الذي يشكل نوعًا من الخطر على اتفاق كامب ديفيد، والذي بدا مسيطرًا على شباب الجامعات بصورة خاصة.

 وفوجئ الرئيس السادات عند قيامه بهذه الحملة، إرضاءً لأصدقائه بيجن وأمريكا، بأن أجهزة الإعلام الغربية تشن عليه حملة ضارية تتهمه فيها بالدكتاتورية، مما اضطره إلى طرد مندوب التليفزيون الأمريكي ومصادرة أفلامه، وطرد مندوب صحيفة لوموند الفرنسية الواسعة الانتشار، وطرد مجموعة أخرى من مندوبي الصحف والمجلات الغربية.

 وكان السادات مصرًا على أن لا يتيح لصديقه اللدود بيجن أي عذر في تأخير انسحابه من سيناء، وليس سرًا أن السادات كان يمقت بيجن لأنه أهانه عدة إهاناتأ واضطر السادات إلى التغاضي عنها في سبيل حصوله على الانسحاب من سيناء.

 وكان حرص السادات الشديد على أن لا يدع لبيجن أي عذر في الانسحاب بحجة عدم الاستقرار، أحد الدوافع التي جعلت بيجن يتشدد في طلباته ويبتز السادات إلى أقصى الحدود، وذلك ما حدا بالبروفسور كير المختص بشئون الشرق الأوسط في الجامعة الأمريكية، أن يقول في حديث معه نشرته المجلة في ‎3‏ أكتوبر 1981 «أي قبل وفاة السادات ببضعة أيام»: «إن مشكلة السادات مع "إسرائيل" تشبه مشكلة ذلك الرجل الذي يوصي على بضاعة من أحد المحلات، ثم يذهب إلى المحل ويدفع قيمة بضاعته كل يوم وذلك قبل استلام البضاعة.. وهو ابتزاز من السادات لموقف السادات الحرج‎». ‏

 وفجأة في وسط العرض العسكري تقوم مجموعة مسلحة بالتوقف أمام منصة الرئيس وتمطره وابلًا من الرصاص وترديه قتيلًا في عملية عسكرية على مستوى عال من الدقة، مفاجئة بذلك الحرس الخاص للرئيس السادات والذي درب تدريبًا عاليًا في الولايات المتحدة، وتقتل مع الرئيس يادره الخاص «وهو رئيس الحرس الخاص» واثنان من الحرس وثلاث ضباط أمريكان يشاع أنهم من حرس السادات أيضًا.

 وادعت عدة جبهات لنفسها عملية الاغتيال هذه، ولكن أجهزة الإعلام العالمية تجاهلت جميع هذه الادعاءات وسخرت منها واتهمتها بالكذب، واتهمت العناصر الإسلامية الذين سبق أن زج بهم السادات في السجون قبل شهر من حادث الاغتيال.. والجدير بالذكر أن الجماعات الإسلامية لم تنسب لنفسها قط هذه العملية.. ولم يتح لها بالطبع أن تقول رأيها.

 وحدث في عيد الأضحى أن قامت السلطات المصرية بمنع صلاة العيد في أسيوط تنفيذًا لقانون الطوارئ.. واشتبك المصلون مع الشرطة ووقعت معارك سقط خلالها مجموعة من القتلى والجرحى.. وتحدثت أجهزة الإعلام الغربية عن وجود اضطرابات واسعة.

 ويبدو من الآن فصاعدًا أن وكالات الأنباء ستمطرنا بأخبار الاضطرابات وعدم الاستقرار في مصر.. وذلك بالضبط ما يريده بيجن حتى يتمكن من القول بإن مصر تعاني من عدم الاستقرار، وأنه نتيجة لذلك لا يستطيع الانسحاب من مصر.. وقد نشرت صحيفة «الجيروزاليم بوست» "الإسرائيلية" ما يشير إلى هذا الاتجاه، عندما قالت إن الانسحاب "الإسرائيلي" من سيناء قد يصبح في خطر، ما لم تكن هناك ضمانات مؤكدة بأن مصر ستسير على نفس طريق السادات، وقد صرح بيجن نفسه لدى عودته من تشييع جنازة الرئيس السادات، بأن الوضع في مصر خطير، ثم أردف قائلًا ليطمئن ‏القيادة المصرية قليلًا: «ولكنه يثق في القيادة الجديدة».

 وصرح إسحاق شامير «وزير الخارجية "الإسرائيلي"» بأن انسحاب "إسرائيل" الأخير من سيناء سيخضع لمجريات الأحداث، في إشارة واضحة إلى احتمال عدم انسحاب "إسرائيل".

 وتحدث رئيس الأركان "الإسرائيلي" رفاييل إتيان قائلًا إن وفاة الرئيس المصري أجبرت "إسرائيل" أن تكون مستعدة لكافة الاحتمالات.

 والجدير بالذكر أن إتيان كان قد صرح قبيل وفاة الرئيس السادات، بأن علاقات "إسرائيل" مع مصر تعتمد كليًا على وجود السادات في السلطة، وأن ذهاب السادات سيعرقل خط السلام، مما أغضب السادات حينئذ وجعله يلغي زيارة رئيس الأركان "الإسرائيلي" لمصر.

 وصرحت النائبة "الإسرائيلية" غولا كوهين قائلة: «إن عملية السلام تعتمد على شخص واحد يعتمد مصيره على رصاصة واحدة».

 ونشرت وكالات الأنباء أن المستوطنين اليهود في سيناء رقصوا فرحًا عند سماعهم نبأ اغتيال السادات، لأن ذلك يعني حسب وجهة نظرهم أنهم لن ينسحبوا من سيناء.. هذا في الوقت الذي قاموا فيه بإرسال وفد منهم ليشارك في التعزية بوفاة الرئيس السادات.

 ونشرت الشرق الأوسط 10/ 10/ 1981 في رسالة خاصة من خدمة الأوبزوفر بالقاهرة، تحليلًا سياسيًا تحت عنوان «هل تعيد "إسرائيل" الثلث الأخير من سيناء» جاء فيها: أن القلق الرئيسي لدى الحكومة المصرية هو أن يحاول "الإسرائيليون" تأخير إعادة القطاع الأخير من سيناء المحتلة، الذي يفترض أن يعود إلى مصر في شهر أبريل القادم، وذلك بدعوى أن مصر غير مستقرة بما فيه الكفاية ،مما يجعل التعامل معها أمرًا صعبًا.

 ويبدو أن الدول الغربية قد أصبح لديها كثير من الشكوك حول وضع مصر الداخلي واستقراره، وهذا ما نشرته أجهزة الإعلام الغربية.. وهذا هو الدافع أيضًا لنائب رئيس الوزراء الأسترالي المستر دوج أنتوني، لكي يصرح قائلًا إن بلاده لديها تحفظات كثيرة في موضوع اشتراكها في قوات حفظ السلام، التي ستحل محل القوات "الإسرائيلية" بعد انسحابها الأخير من سيناء.. وذلك لأنه يشك في استقرار مصر ويشك بالتالي في انسحاب "إسرائيل".

 وقد نشرت صحيفة نيوزويك الأمريكية مقالًا افتتاحيًا جاء فيه أن الوفاء بما ورد في اتفاقيات كامب ديفيد، سوف يحتاج إلى التفاوض من جديد خلف الكواليس لأصعب أجزاء الاتفاق.

 وتساءلت الصحيفة عما إذا كان انسحاب "إسرائيل" عن الجزء المتبقي من سيناء ممكنًا بحلول أبريل 1982.

 وكذلك نشرت الديلي تلغراف البريطانية مقالًا جاء فيه تبدي الحكومات الغربية قلقها وتخوفها من أن تعرض عملية اغتيال الرئيس السادات سلام كامب ديفيد للخطر.. وتوجه ضربة قاضية للمبادرة الأوربية لتسوية أزمة الشرق الأوسط..

ويعتقد المحللون الغربيون أن القيادة المصرية الجديدة ستحتاج للتقرب من الأنظمة العربية المعتدلة كالأردن ودول الخليج.. ويعتقد بأنه إذا ما حصل ذلك فسيكون هناك استفهام كبير حول استعداد "إسرائيل" للانسحاب من بقية سيناء، وتسليمها لمصر في الوقت المحدد وهو شهر أبريل القادم.

 ومما يثير الانتباه أن الجامعة العربية قد دعت مصر فعلًا للاشتراك في مؤتمر القمة

القادم الذي سيعقد في ‎٢٥‏ نوفمبر ‎١٩٨١،‏ وأن مصر قبلت الدعوة إلا أنها طلبت تأجيل الموعد قليلًا ريثما تتم السيطرة على الموقف الداخلي في مصر.. وقد ساهم في هذه الاتصالات حسب ما ذكرته وكالات الأنباء أطراف حكومية رسمية في عدة دول عربية يساعدها في ذلك أطراف إفريقية على علاقات حسنة مع مصر والدول العربية.

 وبما أن بيجن لا يستطيع أن يتنصل من اتفاقية السلام التي عقدها مع السادات في كامب ديفيد، والتي بموجبها حقق السلام المنفصل مع مصر وعزلها عن بقية الدول

العربية، وأبعد موضوع القدس والجولان والضفة الغربية من صلب الاتفاقية، بما أن بيجن لا يستطيع أن يتنصل من هذه الاتفاقية إذا كانت الأوضاع مستقرة، وخاصة مع وجود السادات، فأن الطريق المفتوح أمامه للتنصل من قرار انسحابه من سيناء، لا يتأتى إلا بذهاب السادات وإيجاد حالة من عدم الاستقرار، يعتذر بها عن الانسحاب المقرر في أبريل القادم.. ومما يؤيد ذلك قاله البروفيسور كير المختص بشئون الشرق الأوسط في حديثه الذي نشرته «المجلة» في ‎3‏ أكتوبر ‎١٩٨١‏ أي قبل اغتيال السادات ببضعة أيام، والذي جاء فيه: «إذا كنا نريد المحافظة على الساداتية فإنه يجدر بنا التخلي عن السادات».

 ويبدو أنه قد تم بالفعل التخلي عن السادات وبصورة دراماتيكية بالغة القسوة.

 وقد نشرت مجلة «أفريكازي» الفرنسية قبيل وفاة السادات، نبأ نسبت فحواه إلى مصادر ديبلوماسية في واشنطن، جاء فيه أن الأمريكيين لن يدخروا وسعًا لضمان حلول حسني مبارك محل الرئيس السادات، وأن واشنطن باتت مقتنعة بأن الرئيس السادات لم يعد قادرًا على السيطرة على الوضع الداخلي في مصر، كما أنه لم يعد قادرًا على بلوغ بعض الأهداف المحددة للإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، وأردفت المجلة الفرنسية قائلة إن القادة الأمريكيين باتوا يعتبرون السادات بعد أن فقد أوراقه على المستويات الإقليمية والدولية عبئًا على كاهلهم.. ويبدو أنه وقد تم إزاحة هذا العبء بطريقة في غاية الإحكام والدقة في التنفيذ.

 وقد نشرت مجلة نيوستيتسمان الأمريكية أن المسئولين في واشنطن يعتبرون الإدارة المصرية تحت إمرة السادات مرهقة ومكلفة.. ومن الواضح أنها غير مناسبة للسياسة الأمريكية الجديدة في المنطقة.

 ويبدو أنه قد تم التخلص من الرئيس السادات بعد أن استهلك تمامًا، ولم يعد ذا جدوى للسياسة الأمريكية الجديدة بل أصبح يشكل عبئًا ثقيلًا عليها..

 وكان الرئيس السادات قبل وفاته يعيش حالة إحباط ويأس من أصدقائه الذين بذل لهم كل شيء.. ويراهم يتنكرون له بأسلوب خفي وقد نشرت وكالات الأنباء أن السادات كان يعيش حالة القلق الأمريكي.. وهي حالة تعتري أي زعيم سياسي يضع كل أوراقه في سلة السياسة الأمريكية «انظر الشرق الأوسط في 12/ 10/ 1981».

 ويقول المحللون السياسيون أن بيجن هو المستفيد الأول من مقتل صديقه اللدود أنور السادات، إذ إن ذلك سيخلق حالة من عدم الاستقرار في مصر يتذرع بموجبها السياسي الغادر الماكر من الانسحاب من بقية أراضي سيناء.. كما أنه من المتوقع أن تشتد الحملة على العناصر الإسلامية لاتهامها بمقتل الرئيس السادات.

 ويستطيع بيجن نتيجة هذه الحالة أن يفرض شروطًا مهينة جديدة من أجل الانسحاب المنتظر الذي قد يتنصل منه في أي لحظة.

‏ وهكذا يبدو أن سياسة السادات المرتمية في أحضان "إسرائيل" وأمريكا لم تؤد إلى ما كان ينشده من انسحاب "وإسرائيل"، وتحقيق السلام وتحسين الوضع الاقتصادي السيئ في مصر، بل على العكس من ذلك كله أدت هذه السياسة إلى مقتل السادات نفسه، وإلى بقاء المحتل اليهودي في الضفة والجولان والقدس، بل وسيناء نفسها، كما أدت إلى تفاقم الوضع الداخلي في مصر سوءًا.

‏ فهل يعي المسئولون في البلاد العربية درس السادات إن كان قد فاتهم من قبل أن يعوا درس الشاه؟

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 105

29

الثلاثاء 20-يونيو-1972

نشر في العدد 107

31

الثلاثاء 04-يوليو-1972