العنوان في حسن المعاتبة
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 06-ديسمبر-1977
مشاهدات 18
نشر في العدد 377
نشر في الصفحة 35
الثلاثاء 06-ديسمبر-1977
يعجبني ما وقع لبعض أهل العلم وهو أنه كتب له إنسان من أهل العلم والدين ينتقده انتقادًا حارًّا في بعض المسائل، ويزعم أنه مخطئ فيها، حتى أنه قدح في قصده ونيته، وادعى أنه يدين لله ببغضه بناء على ما توهم من خطئه، فأجاب المكتوب له:
يا أخي إنك إذا تركت ما يجب عليك من المودة الدينية، وسلكت ما يحرم عليكم من اتهام أخيك بالقصد المسيء على فرض أنه أخطأ، وتجنبت الدعوة إلى الله بالحكمة في مثل هذه الأمور، فإني أخبرك قبل الشروع في جوابي لك عما انتقدتني عليه بأني لا أترك ما يجب علي من الإقامة على مودتك، والاستمرار على محبتك المبنية على ما أعرفه من دينك انتصارًا لنفسي، بل أزيد على ذلك بإقامة العذر لك في قدحك في أخيك، بأن الدافع لك على ذلك قصد حسن لكن لم يصحبه علم يصححه، ولا معرفة تبين مرتبته، ولا ورع صحيح يوقف العبد عند حده الذي أوجبه الشارع عليه، فلحسن قصدك عفوت لك عما كان منك لي من الاتهام بالقصد السيء، فهب أن الصواب معك يقينًا، فهل خطأ الإنسان عنوانًا على سوء قصده؟ فلو كان الأمر كذلك لوجب رمي جميع علماء الأمة بالقصود السيئة، فهل سلم أحد من الخطأ؟ وهل هذا الذي تجرأت عليه إلا مخالف لما أجمع عليه المسلمون من أنه لا يحل رمي المسلم بالقصد السيء إذا أخطأ؟ والله تعالى قد عفا عن خطأ المؤمنين في الأقوال والأفعال، وجميع الأحوال.
ثم نقول: هب أنه جاز للإنسان القدح في إرادة من دلت القرائن والعلامات على قصده السيء أفيحل القدح فيمن عندك من الأدلة الكثيرة على حسن قصده، وبعده عن إرادة السوء ما لا يسوغ لك أن تتوهم فيه شيئًا بما رميته به؟
وإن الله أمر المؤمنين أن يظنوا بإخوانهم خيرًا إذا قيل فيهم خلاف ما يقتضيه الإيمان فقال تعالى: ﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا﴾ (النور:12) واعلم أن هذه المقدمة ليس الغرض منها مقابلتك بما قلت، فإني كما أشرت لك: قد عفوت عن حقي إن كان لي حق، ولكن الغرض النصيحة، وبيان موقع هذا الاتهام من العقل والدين والمروءة الإنسانية، ثم إنه بعد هذا أخذ يتكلم عن الجواب عن انتقاده بما لا محل لذكره هنا.
الفتاوى السعدية
لعبد الرحمن السعدي
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل