العنوان قلة مؤمنة تنقذ الموقف 239
الكاتب محمد أمين المصري
تاريخ النشر الثلاثاء 04-مارس-1975
مشاهدات 16
نشر في العدد 239
نشر في الصفحة 24

الثلاثاء 04-مارس-1975
فضيلة الدكتور محمد أمين المصري زاده الله بسطة في العلم، فلقد جمع بين الاختصاص بالحديث ودراسة علم النفس، وكان له أثناء رحلته لأوروبا وقفات مع المستشرقين لا تنسى تحدث عن بعضها الدكتور السباعي في كتابه «السنة ومكانتها في التشريع».
وهو- حفظه الله- جمع بين العلم والعمل فزاول العمل الإسلامي والدعوة إلى الله منذ أوائل الخمسينيات ولديه تجارب واسعة في هذا الميدان لما بذل من جهود ولقوة صلاته مع أعلام الدعوة الإسلامية.
وممن يكثر من ذكرهم الأستاذ حسن البنا الذي اتصل به أثناء دراسته في مصر.
والأستاذ المودودي الذي اتصل به عندما كان «ملحقًا ثقافيًا» في باكستان.
والرجل صريح عندما يتحدث عن تجربته في العمل الإسلامي، وكثيرًا ما يتحامل على نفسه في ضرب الأمثلة، فهو ليس من الذين يتهمون الناس بالتقصير ويبرأون أنفسهم.
نرجو أن يستفيد القراء مما ينشر له في «المجتمع»، وأن يستمر في كتابة آرائه وتجاربه.
كتاب غربيون يندبون المسلمين لتحدي حضارة الغرب
وفي شأن الحضارة الغربية وما تعانيه من أزمات نفسية اجتماعية أشير إلى بعض الكتاب الغربيين العالميين من أمثال كاريل، اشبنجلز، توینبی، رسل، لاسكي، برجسن، لوبون وما أذكر من هؤلاء إلا أمثلة يسيرة لعدد وفير واقتطف مما كتب هؤلاء نماذج قليلة جدًا للوصول إلى غاية هامة.
يعتبر توينبي «نقلًا عن كتاب الدين في موقف الدفاع للأستاذ فتحي عثمان ص ٦١».
ظاهرة تقديس الدولة الإقليمية إلى حد العبادة نذير شر رهيب للغرب من ناحيتين:
١ - إن هذا التعلق الوثني بالدولة الإقليمية هو العقيدة الدينية الحقيقية للغالبية العظمى لسكان العالم المصطبغ بالصبغة الغربية.
۲ - إن هذه العقيدة الباطلة هي السبب في انقضاء أجل ما لا يقل عن-١٤- حضارة أو-١٦- حضارة من الحضارات الواحدة والعشرين.
وما برحت الحرب التي يقتل فيها الأخ أخاه ويشتد فيها استعمال العنف
- وهي نتيجة التعلق بالدولة الإقليمية.
- هي إلى أبعد حد أكثر عوامل الفناء شيوعًا.
يؤكد توينبي على فكرة عبادة الغربيين للدولة التي ينتمون إليها في كل ما يكتب ويرى أن هذه العبادة هي نذير دمار البشرية، والحق أن فكرة ألمانيا فوق الجميع هي في قرارة نفس كل أميركي وكل روسي وكل إنكليزي وكل فرنسي وإيطالي وكل غربي، كل بالنسبة إلى بلده.
يصرح توينبي أن أزمة المجتمع الغربي روحانية وليست مادية، إذ على الرغم من بلوغ هذا المجتمع الذروة في تقدمه المادي ما برح يحس بجوع روحي شديد.
يقول: وإذا كانت النفوس الغربية قد استبد بها قلق الفراغ الروحي فألزمها فتح الباب لشياطين مثل القومية والفاشية والشيوعية فإلى متى نحتمل العيش بدون عقيدة دينية ويقول: إن التائهين في بيداء المجتمع الغربي قد انحرفوا عن طريق الرب الواحد الحق الذي آمن به أجدادهم، أولئك الذين علمتهم التجربة الواقعية بأن الدول الإقليمية- كالكنائس الطائفية- أوثان تجلب عبادتها الحرب لا السلام وهذا ما يجعل التائهين يندفعون صوب التعلق بهدف بديل هو النظم السياسية الشاذة.
ويقول: لقد أصبح للدين المكانة الأولى في تصوري للتاريخ العالمي، وليس هذا الدين هو الدين المسيحي الذي نشأت عليه بل أصبحت أرى أن ديانات الهند سوف يكون لها أثرها في المكانة التي أتصورها للدين في المستقبل.
أقول: وهذه الكلمة تصور تعطش هؤلاء إلى معنى إيماني يملأ خلاء قلوبهم على تخبطهم في الفهم وعدم تمييزهم بين الغث والسمين وحقد دفين يملأ قلوبهم، مع قعود المسلمين عن بيان وضوح الحق في دينهم وعدم بذلهم الجهود لتحقيق قوله تعالى ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾. (التوبة: ٣٣).
ويقول هارولد لاسكي وهو مفكر بريطاني اشتراكي:
إن عالم اليوم يعاني من الشعور العميق بخيبة الأمل، وقد انتشر هذا الشعور في أماكن كثيرة، ويبدو أن جيلنا قد فقد قيمته، لقد حل الشك السافر محل اليقين وحل اليأس محل الأمل.
وقد سددت الضربة القاضية إلى المعتقدات الدينية التي كانت مقياسًا دائمًا للسلوك وأصبحت الكنائس وسيلة للقيام بطقوس شكلية بدلًا من التأثير على معتقدات الناس.
إلى أن يقول: في مقدور هذا العلم أن يتيح الرفاهية المادية ولكن يبدو أنه عاجز عن اكتشاف مبادئ الرضا الروحي، وعلى الشرق العريق في الوقت الحالي أن يتحدى هؤلاء الذين يسعون إلى الاحتفاظ بظروف الوصاية.
أقول: إنه ينادي الشرق العريق وهو يقصد سكان الأراضي الطيبة المقدسة التي كانت مهد الأديان ومنطلق الهداية الإلهية يهيب بهؤلاء أن يتحدوا الغرب الذي يريد الاحتفاظ بوصايته على العالم.
إلى أن يقول:
وانطلقت الأرواح الهائمة تعربد في الواقعية والسريالية وما إليهما...
ولكن هذا الخبط هنا وهناك لم يطمس حكمة تولستوي الهادية حين يقول: الأديان تقدم أسمى ما يمكن أن يصل إليه الإنسان من فهم للحياة في أي عصر من العصور وفي أي مجتمع من المجتمعات.
ويقول غوستاف لوبون:
دلنا التاريخ على أن أهم الحضارات قامت على المعتقدات الدينية وأنها توجت حياة الملايين من الرجال بما لا تقدر على فعله أي فلسفة من زهد وإخلاص وإنكار الذات ومحبة الغير.
ويقول:
إن الثورات الدينية يمنحها الشعب وحدة أدبية تزيد قوته المادية كثيرًا، وقد شوهد ذلك عندما حول محمد ما جاء به قبائل العرب الضعيفة إلى أمة عزيزة.
ولا يقتصر المعتقد الديني الجديد على جعل الأمة متجانسة بل يأتي بما يتعذر على أي فيلسوف أو قانون أن يأتي بمثله إنه يغير عواطف الأمة الثابتة.
إلى أن يقول: الواقع أن الطاقة الدينية تظهر ثمارها في الجماعات كما تظهر في حياة الأفراد فالدين يؤدي وظيفة هامة جدًا في تغيير بنية المجتمع .ا.هـ
هؤلاء جميعًا ليسوا من دعاة الأديان ولكنهم جميعًا يتطلعون إلى الحقيقة.
والحق أن العالم يتطلع اليوم إلى أفق بعيد، يرنو إلى النجاة، يحس بجوع مؤلم وتعطش شديد إلى معاني الإيمان.
إن المشكلة في نظري ترجع إلى مسألة وحيدة هي خلو العالم الإسلامي من دعاة على مستوى العصر، يجمعون إلى خشية الله والإخلاص له والتفاني في سبيله العلم الصحيح والوسائل القويمة والسبل الحكيمة مع عزائم ماضية دائبة لا تعرف السآمة ولا يتطرق إليها وهن ولا كلل ولا ملل.
دعاة يدعون إلى الله العامة والخاصة في المتاجر والأسواق والمساجد والمدارس. والمدارس والمساجد لها الصدارة في الأهمية والاهتمام، يدعون الحكام والمسؤولين في أقضيتهم وتشريعاتهم، يدعون المسلمين ويدعون غير المسلمين من الناس كافة وأن التربية على مستوى الجدل الماضي وتفكير العصور الماضية شيء انقضى عهده، ولكل عصر وسائله وأساليبه، فلا بد من مستوى يوازي مستوى اليوم ووسائل تضارع أساليب القوم، وأننا إذ كنا لا نستطيع الغلبة المادية على أعدائنا اليوم إلا باستعمال وسائلهم أنفسهم فالحال كذلك في الغلبة المعنوية شبرًا بشبر وذراعًا بذراع إلى جانب ما ذكرت من هيمنة الإيمان والنهل من مصادر الإسلام والتحلي بأوصاف مرتبة الإحسان.
وهكذا فإذا كنت أطلب اليوم طلبًا «أعني مدرسة للدعاة» ربما حسبه كثير من الإخوان هزيلًا أو ربما حسبه آخرون من نافلة القول فهو طلب تعجز عن الوفاء به وفاء تامًا كثير من المجتمعات الإسلامية ولم يكتب لمجتمع بعد أن يتقدم بمثال واحد يمهد السبيل ويفتح أبوابه الأمل ويوطئ للغاية المنشودة.
وما لا يدرك كله لا يترك جله ﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾. (المطففين: 26).
الرابط المختصر :
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلالقيم العلمية والأخلاقية في الحضارة الإسلامية.. الدين والحياة وجهان لعملة واحدة
نشر في العدد 1811
29
السبت 19-يوليو-2008


معالم الإصلاح والتجديد في تجربة نور الدين زنكي (2) بناء دولة العقيدة على أصول أهل السُّنة
نشر في العدد 2180
18
الخميس 01-يونيو-2023
