العنوان هيا نجدد الانتماء
الكاتب محمد عبده
تاريخ النشر السبت 28-فبراير-2004
مشاهدات 32
نشر في العدد 1590
نشر في الصفحة 44
السبت 28-فبراير-2004
صاحب الفكرة رجل إيجابي قوي الإرادة ذو همة عالية إمام في كل شيء.
في مثل هذا الشهر نالت رصاصات الغدر من شخص الإمام الشهيد في محاولة قاصرة لواد الحركة التي انتشرت وذاع صيتها ودخلت قلوب الناس قبل أن تستولي على أفكارها وعقولهم بعد أن وجدوا فيها المخلص الحقيقي لهم من عبودية الإنسان لأخيه الإنسان، وكان« البنا» الذي أسسه قد استطال على الهدم، وتعمق على الاجتثاث، فذهب الطغاة. وبقي الإخوان، وما أجمل ما شبه به صاحب الظلال-الشهيد سيد قطب – الجماعة حين قال: «إنها كالشجرة ومرة بعد مرة يحاول أعداء الجماعة اقتلاعها فيمسكون بفرع من فروعها يحسبونه سيؤدي إلى اقتلاعها فإذا جذبوا ذلك الفرع خرج في أيديهم جافاً يابساً كالحطبة الناشفة، لا ماء فيها ولا ورق ولا ثمار»....
وما أحوجنا ونحن نسير على درب الإمام إلى تجديد إنتمائنا.
وإن لصاحب الفكرة الحق علامات وسمات وصفات تميزه عمن سواه، وتعبر عما يحمله من الحق، وتبرز الهداية والنور فيما يحمل من دعوة.
١- فصاحب الفكرة رجل إيجابي: إن الداعية روح مفعم بالحق والنشاط والأمل واليقظة فمهمته العظمى أن يرمق الحياة بعين ناقدة وبصر حديد، حتى إذا رأى فتوراً نفخ فيه من روحه ليقوى وإذا رأى انحرافاً صاح به ليستقيم «الشيخ محمد الغزالي كتاب مع الله ص ١٧٦».
٢– وصاحب الفكرة قوي الإرادة: على حين أنه إيمان ملتهب مشتعل قوي يقظ في نفوس الإخوان المسلمين، ظاهرة نفسية عجيبة نلمسها ويلمسها غيرنا في نفوسنا نحن الشرقيين، أن نؤمن بالفكرة إيماناً يخيل للناصحين نتحدث إليهم عنها أنها ستحملنا على نسف الجبال وبذل النفس والمال واحتمال المصاعب ومقارعة الخطوب، حتى ننتصر بها أو تنتصر بناء من «رسالة دعوتنا ص١٦».
٣- وصاحب الفكرة معطاء: وكم أتمنى أن يطلع هؤلاء الإخوان المتسائلون على شباب الإخوان المسلمين، وقد سهرت عيونهم والناس نیام وشغلت نفوسهم والخليون هجع وأكب أحدهم على مكتبه من العصر إلى منتصف الليل عاملاً مجتهداً مفكراً مجداً، ولا يزال كذلك طوال شهره حتى إذا ما انتهى الشهر جعل مورده مورداً لجماعته ونفقته نفقة لدعوته، وماله خادماً لغايته، ولسان حاله يقول لبني قومه الغافلين عن تضحيته، لا أسألكم عليه أجراً إن أجري إلا على الله، «من رسالة إلى أي شيء ندعو».
٤- وصاحب الفكرة رجل مضح: قليل من الناس من يعرف أن الداعية من دعاة الإخوان، قد يخرج من عمل في القاهرة في عصر الخميس، فإذا هو في العشاء بالمنيا، يحاضر الناس وإذا هو في صلاة الجمعة يخطب وهو في منفلوط، فإذا هو العصر يحاضر في أسيوط، وبعد العشاء يحاضر في سوهاج، ثم يعود أدراجه فإذا هو في الصباح الباكر في عمله بالقاهرة قبل إخوانا الموظفين «من رسالة المؤتمر الخامس ص ۱۲۹».
٥- وصاحب الفكرة رجل ذو همة عالية: وإن الأمة التي تحيط بها ظروف كظروفنا وتنهض لمهمة كمهمتنا وتواجه واجبات كتلك التي تواجهها، لا ينفعها أن تتسلى بالمسكنات أو تعلل بالآمال والأماني وإنما عليها أن تعد نفسها لكفاح طويل عنيف وصراع قوي شديد بين الحق والباطل، وبين النافع والضار بين صاحب الحق وغاصبه وسالك الطريق وناكبه وبين المخلصين الغيورين والأدعياء المزيفين وإن عليها أن تعلم أن الجهاد من الجهد والجهد هو العناء وليس مع الجهاد راحة حتى يضع النضال أوزاره وعند الصباح يحمد القوم السرى من رسالة «هل نحن قوم عمليون ص ٦٩».
٦- وصاحب الفكرة إمام في كل شيء: ويخطئ من يظن أن جماعة الإخوان دعاة كسل أو إهمال، فالإخوان يعلنون في كل أوقاتهم أن المسلم لا بد أن يكون إماماً في كل شيء، ولا يرضون بغير القيادة والعمل والجهاد والسبق في كل شيء، والتأخر في أي ناحية من النواحي ضار بفكرتنا مخالف لتعاليم ديننا ..«رسالة إلى الشباب ص۱۸۰»
حقيقة الإنتماء.. مظاهر عملية
الإمام البنا رأى أن الإنتماء الحقيقي لا بد أن يتبعه تغير في السلوك، وتوافر المظاهر العملية للفكرة وتحقيقها في شخصه، وإلا كان الانتماء شكلياً لا روح فيه.
وقد خالف النظام القرآني غيره من النظم الوضعية والفلسفات النظرية، فلم يترك مبادئه وتعاليمه نظريات في النفوس، ولا أراء في الكتب ولا كلمات على الأفواه والشفاء ولكنه وضع لتركيزها وتثبيتها والانتفاع بآثارها ونتائجها مظاهر عملية وألزم الأمة التي تؤمن به وتدين له بالحرص على هذه الأعمال وجعلها فرائض عليها لا تقبل أن تضيعها هوادة بل يثيب العاملين ويعاقب المقصرين عقوبة قد تخرج بالواحد منهم من حدود هذا المجتمع الإسلامي وتطرح به إلى مكان سحيق «من رسالة بين الأمس واليوم ص ٩٤».
ومن أراد أن يتأكد من حقيقة إنتمائه فعليه أن يجيب عن السؤالين اللذين أوردهما في إحدى رسائله:
- هل الأخ مستعد لوضع ظروفه الحيوية تحت تصرف الدعوة؟
- وهل تملك الدعوة في نظره حق الترجيح بين مصلحته الخاصة ومصلحة الدعوة العامة؟
من خلال الإجابة عن هذين السؤالين يستطيع الفرد أن يتأكد من حقيقة إنتمائه وفكرته، وهل إنتماؤه نظري أم عملي؟
واجبات عملية
يقول الإمام الشهيد:
إن الخطب والأقوال والمكاتبات والدروس والمحاضرات وتشخيص الداء ووصف الدواء كل ذلك وحده لا يجدي نفعاً ولا يحقق غاية ولا يصل بالداعين إلى هدف من الأهداف ولكن الدعوات والوسائل لا بد من الأخذ بها والعمل لها والوسائل العامة للدعوات لا تتغير ولا تتبدل ولا تعدو هذه الأمور الثلاث:
۱– الإيمان العميق.
٢– التكوين الدقيق.
٣- العمل المتواصل.
واجب فردي: يتصل الأخ بالإخوان فيكون مطالباً بتطهير نفسه وتقويم مسلكه وإعداد روحه وعقله وجسمه للجهاد الطويل الذي ينتظره في مستقبل الأيام، ثم هو مطالب بأن يشيع هذه الروح في أسرته وأصدقائه وبيئته فلا يكون الأخ أخاً مسلماً حقاً حتى يطبق على نفسه أحكام الإسلام وأخلاق الإسلام ويقف عند حدود الأمر والنهي التي جاء بها رسول الله ﷺ عن ربه..
﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾ [ الشمس: 7-10] «رسالة المؤتمر السادس ص ٢٠٥».
واجب حركي: يقول رحمه الله قد قضي الأخ شهراً أو شهرين بعيداً عن أهله وبيته وزوجه وولده يدعو إلى الله هو في الليل محاضر وفي النهار مسافر يوماً بحزوي ويوماً بالعقيق فيلقي أكثر من ستين محاضرة من شرق القطر إلى غربه، وقد تضم الحفلات التي يحاضر فيها الآلاف من مختلف الطبقات ثم يوصي ألا يكون ذلك محل دعاية أو إعلان» «من رسالة المؤتمر الخامس».
واجب مالي: وأما أنهم يبذلون في هذا السبيل وقتاً ومالاً، فحسبك أن تزور نادياً من أنديتهم لترى عيوناً أذبلها السهر ووجوهاً شحبها الجهد، وجسوماً أضناها النصب وأخذ منها الإعياء على أنها فتية بإيمانها قوية بعقيدتها، وشباناً يقضون ليلهم إلى ما بعد إنتصافه مكبين على المكتب أو عاكفين على المناضد، وأترابهم في لهوهم وأنسهم ومتعتهم وسمرهم ورب عين ساهرة لعين نائمة وإنما يحتسب ذلك عند الله ولا نمتن به ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الحجرات: 17] «من رسالة:« هل نحن قوم عمليون؟ ص ۸۳»
الإيمان أول عدتنا
إننا في أمس الحاجة إلى أن نعرض أنفسنا من جديد على مقولات ذلك الرجل المخلص المجاهد الذي أمنا بفكرته واتبعنا دعوته وسرنا في نظامه وما أعظمها من كلمات تظهر القلب، وتزكي الأرواح وترفع الهمم وتقوي العزائم، وترباً بالأخ أن ينسى نفسه فلا يزكيها بحسن الصلة بالله وتؤكد كلماته رحمه الله أن وقود الفكرة ودوام استمرارها متعلق بالصلة الروحية والعلاقة الإيمانية بين الفرد وريه فهذه العلاقة هي مدد الدعوات وغذاؤها.
وما أعظم ما نادى به الإمام الشهيد حسن البنا متحدثاً وداعياً الإخوان قائلاً: «لقد سمعوا المنادي ينادي للإيمان فأمنوا، ونحن نرجو أن الله إلينا هذا الإيمان ويزينه في قلوبنا يحبب كما حببه إليهم، وزينه من قبل في قلوبهم، فالإيمان أول عدتنا»....«من رسالة: الإخوان المسلمين تحت راية القرآن ص ۱۹۳».
يقول الإمام الشهيد: وينظر الناس في الدعوات إلى مظاهرها العملية وألوانها الشكلية ويهملون كثيراً النظر إلى الدوافع النفسية والإلهامات الروحية التي هي في الحقيقة مدد الدعوات وغذاؤها وعليها يتوقف انتصارها ونماؤها .. «من رسالة: دعوتنا في طور جديد ص ٢٢٢».
ويقول رحمه الله .. وتلك حقيقة لا يجادل فيها إلا البعيد عن دراسة الدعوات وتعرف أسرارها.
يا لها من كلمات صادقة ومعان حية وعبارات خرجت من القلب لتستقر في القلب وانعكست على الجوارح التي ترجمت هذه المواعظ وتلك القوانين إلى أفعال... وصور حية طبقت على الأرض في زمن قل فيه من تمسك فكانوا كالغرباء بين بني قومهم، بل أوذوا وقتلوا وشردوا وسجنوا، لا لشيء إلا أنهم تمسكوا بتعاليم دينهم فصبروا على ذلك ليقظة روحهم وحياة قلوبهم، ونفوسهم الحية القوية المتينة وقلوبهم الجديدة الخفاقة العامرة بالإيمان.
ثم ختم مقولته قائلاً:« قبل أن نتحدث إليكم في هذه الدعوة عن الصلاة والصوم وعن القضاء والحكم وعن العادات والعبادات وعن النظم والمعاملات نتحدث إليكم عن القلب الحي والروح الحية والنفس الشاعرة ... والوجدان اليقظ والإيمان العميق».
وهذا الشعور القوي الذي يجب أن تفيض به النفوس، وهذه اليقظة الروحية التي تدعو الناس إليها، لا بد أن يكون لها أثرها العملي في حياتهم.
ستعمل هذه اليقظة عملها في الفرد، فإذا به نموذج قائم لما يريده الإسلام من الأفراد ولهذا توجب على الأخ أن يتعبد بما أمره الله ليرقي وجدانه»
«من رسالة دعوتنا في طور جديد ص٢٣٦».
ونختم هذا التوضيح بأن اهتمام مرشد الدعوة ومؤسس الحركة وواضع أنظمة الفكرة كان بالجوانب الروحية التعبدية وتكوين القلب الحي المتعلق بالله، فلقد كان رحمه الله يهتم ويوصي بضرورة غلبة الطابع الإيماني الرباني والروحي على اللقاء الأسبوعي، فقال رحمه الله فلما كان من أوراد الإخوان المسلمين أن يجتمعوا ليلة في الأسبوع على تعارف وإخاء وذكر ودعاء أحببت أن أتقدم بهذه المذكرة الموجزة في فضل قيام الليل والدعاء والاستغفار وما ينحو هذا المنحى..
ولم أقصد بذلك الاستيعاب والحصر، ولكني إنما قصدت التذكير والتمثيل وما بين العبد ومولاه أدق من أن يحصر في كتاب.
يا أخي لعل أطيب المناجاة أن تخلو بريك والناس نيام وقد سكن الليل كله وأرخى الليل سدوله وغابت نجومه فتستحضر قلبك وتتذكر ربك وتتمثل ضعفك وعظمة مولاك فتأمن بحضرته ويطمئن قلبك بذكره وتفرح بفضله وتبكي من خشيته وتشعر بمراقبته وتلح في الدعاء وتجتهد في الاستغفار وتفضي بحوائجك لمن لا يعجزه شيء، ولا يشغله شيء عن شيء.
وللفرد في الفكرة واجبات في يومه وفي أسبوعه وفي شهره ترفع من همته وتزيد من إيمانه، وتقوي من صلته بمولاه، وتصله بالسماء، فيتعلق قلبه بخالقه وينقطع عمن سواه، ومن هذه الواجبات التي توصي بها فكرته.
- الاستيقاظ في السحر ودخول المسجد قبل الفجر والقعود فيه بانتظار صلاة الفجر في جماعة وإذا انتهى إلى الصف الأول يقول: اللهم آتني أفضل ما تؤتي عبادك الصالحين.
- أن يحرص على التهجد والوتر والإكثار من الذِكر والدعاء والتضرع إلى الله.
- أن يحرص على محاسبة النفس قبل النوم وحمد الله على الخير واستغفاره من الشر.
- الاغتسال ليوم الجمعة وتحري ساعة الإجابة فيه والإكثار من الصلاة والسلام على النبي ﷺ .
- التعود على الصدقة مفروضها ومندوبها ويقول رحمه الله: لا تستغرب أيها القارئ فما نفع القلب خير من خلوة يدخل بها ميدان فكره، وما تركت النفس بأفضل من ركعات خاشعات تجلو القلب وتقشع صدا الذنوب وتغسل دون العيوب وتقذف في القلب نور الإيمان وتثلج الصدر ببرد اليقين «رسالة: هل نحن قوم عمليون ص ٧٤»