; مع الأستاذ محمد عزة دروزة | مجلة المجتمع

العنوان مع الأستاذ محمد عزة دروزة

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 19-سبتمبر-1972

مشاهدات 19

نشر في العدد 118

نشر في الصفحة 12

الثلاثاء 19-سبتمبر-1972

• المنظر الذي رأيته شد انتباهي، وجذبني للبحث وراء الشخصية التي وضعت نفسها في هذا الإطار الذي أحبه وأسعد به. •من فندق «الزعفران بالزبداني»، رأيت رجلًا يجاوز السبعين من عمره، يلبس «نظارة» ويضع على أذنه سماعة، ملقيًا جسده الواهن في مقعد كبير، ورغم ذلك كله رأيته منصرفًا عن الجالسين بجواره هنا وهناك من حديقة الفندق، إلى كتاب يقرأه وقلم يعلق به على هامشه، فحسبته أول الأمر من الرجال المتقاعدين الذين يهوون صداقة الكتب في آخر أيامهم نوعًا من التسلية أو قضاء أوقات الفراغ، إلا أن القراءة المتأنية والتعليق على ما يقرأ جعلني أشعر بأن هذه الصورة التي أمامي لیست لرجل عادي، فسألت صاحب الفندق عمن تكون هذه الشخصية فأجابني: إنه الأستاذ محمد عزة دروزه. •وللتو قفزت إلى نفسي رغبة في التعرف إلى هذه الشخصية التي قرأت لها منذ ثمانية عشر عامًا «سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم من القرآن الكريم»  وكان آخر ما قرأته لها «القرآن واليهود» الذي طبعته مجلة «الوعي الإسلامي» عندنا في الكويت. تاريخ الرجل •فاقتربت منه وحييته باسم «مجلة المجتمع» فعرفته بها وبأهدافها، واستأذنته الحديث معه: •هل يمكن أن تعرف قارئي وقارئات المجلة بنفسك؟ -محمد عزة دروزة من مواليد نابلس بفلسطين عام ۱۳۰۰هـ أي أن عمري الآن ۸۷ عامًا. -عملت موظفًا بالبريد والبرق مدة 11 عامًا من زمن الدولة العثمانية وبعد الاحتلال عملت رئيسًا لمدرسة للنجاح في نابلس ثم مأمورًا للأوقاف الإسلامية بها، ثم مديرًا عامًا للأوقاف الإسلامية لفلسطين في القدس. وفي عام ۱۹۳۷م عزلني الإنجليز من عملي بمديرية الأوقاف ومنعوني من العودة لفلسطين، ومنذ ذلك الوقت وأنا منقطع عن الوظيفة وممنوع من العودة لبلادي رسميًا.   مؤسس حزب الاستقلال •افهم من ذلك أنه كان لك دور في الاشتغال بالسياسة؟ -نعم، فلم تشغلني الوظيفة مطلقًا عن الاهتمام بأمر بلادي والإدلاء بدلوي في قضاياه حتى أنى أسست فرع «حزب الائتلاف» وكنت عضوًا في جمعية «العربي الفتاة» التي تعمل ضد الاحتلال ثم أسست «حزب الاستقلال» في دمشق زمن «فيصل الأول».   مؤلفاته تزيد عن الـ ٢٥!! •ما هي مؤلفاتكم؟ تزيد عن الـ ٢٥ مؤلفًا بعضها مؤلف من أجزاء متعددة مثل «تاريخ الجنس العربي في مختلف الأدوار والأطوار والأقطار» ثمانية أجزاء، ثلاثة تحت الطبع، و «العرب والعروبة» ثلاثة أجزاء و «الحركة العربية الحديثة» ستة أجزاء، «مختصر تاريخ العرب والإسلام» جزءان، «سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم من القرآن» جزءان، «الدستور القرآني والسنة النبوية في شئون الحياة» جزءان، «تفسير كامل للقرآن الكريم» اثنا عشر جزءًا وقد رتبت سوره حسب روايات النزول حيث يبدأ بسورة الفاتحة وينتهي بسورة «النصر» ذلك خلاف بعض الكتب الإسلامية مثل «المرأة في القرآن» و «الضمان الاجتماعي»، «الإسلام والاشتراكية»، «القرآن والمبشرون»، و «القرآن والملحدون» تحت الطبع.     الدعوة حسن فهم وسعة أفق •من خلال تجاربكم ودراساتكم، ما هي أفضل الطرق التي يسلكها الداعية المسلم التربية جيل مسلم؟ -إن عليه أولًا أن يكون حسن الفهم لمبادئ الإسلام من ينابيعه الأولى، واسع الأفق والنظر، ثم يكون قدوة لما يدعو إليه وأحسن أسلوب وأسلمه بعد ذلك تجلية المبادئ بأسلوب بسيط خال من الحشو والتعقيد، وبالحكمة والموعظة الحسنة، وعدم الشدة والفظاظة، وأن يكون عارفًا بطبائع الناس وأمزجتهم وإن الداعية الواعي الذي رزق حسن فهم الإسلام من ينابيعه لواجد من هذه الينابيع ما يمكن أن تطمئن به النفس من الاستجابة إلى كل مطالب الحياة المشروعة الخيرة دون أن يكون بين ذلك وبين التزام واجبات الدين التعبدية والأخلاقية أي تعارض، وبالتالي يستطيع أن يربي جيلًا مسلمًا صحيح الإسلام غير منكمش في الوقت نفسه عن مطالب نفسه وعصره.   الدعوة تقوم على التنظيم •كثير من الناس يحسبون الكتابة التي يفرغونها في قراطيس وينشرونها مقالات أو مؤلفات عملًا جهاديًا يغني عن حركة الكاتب بين الناس والاندماج بينهم داعيًا ومباشرًا!! فهل تعتقدون أن الكتابة وحدها تغني عن الحركة والدعوة؟ -من البديهي جدًا أنها لا تغني قطعًا، فالكتابة الفريق خاص من الناس وهم الذين يقرأون، والقارئ قد ينتفع بما يقرأ وقد لا ينتفع فلا بد من الحركة والدعوة إذن وهذا ما يعلمنا إياه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والدعوة عمل متواصل لإبلاغ العلم إلى قلب المتعلم وعقله حتى يصبح محتواه جزءًا من كيانه ونمطًا لسلوكه وأخلاقه. وهذا واجب الكاتب وغير الكاتب وبكلمة أخرى واجب كل مسلم عالم فلقد أمر الله ورسوله أن يكون دائمًا أمة من المسلمين يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وهذا هو جماع الدعوة وهذا يعني بلغة اليوم أن الدعوة لا تقوم على الجهد الفردي وإنما بالدرجة الأولى المؤثرة على تنظیمات متنوعة في كل مجتمع تدعو إلى الله ومبادئ الإسلام وتأمر بكل معروف وتحارب كل منكر.   المطالبة بالعودة إلى الإسلام •ألا ترون سيادتكم أن الأحداث التي مرت بالأمة الإسلامية خلال هذه الحقبة من الزمن وخصوصًا في العشرين سنة الأخيرة قد أوجدت مطالبة قوية بالعودة إلى الإسلام إيمانًا وتطبيقًا؟ وأجاب الشيخ الذي عاصر سقوط الخلافة الإسلامية وتمزق دولتها إلى دويلات: -إن المطالبة بالعودة إلى الدين الإسلامي ظهرت قبل الأحداث ومنذ أواخر القرن الماضي وظلت مستمرة إلى ما قبل العشرين سنة الأخيرة وأنه يلوح لي أنها كانت في النصف الأول من هذا القرن وخاصة خلال الربع الثاني ١٩٢٥ حتى ١٩٥٠ كانت أوسع نطاقًا وأشد حرارة وأثرًا!! وإن من الواجب على المخلصين الذين يضطلعون أو يجب أن يضطلعوا بالدعوة والذين يحرصون على اشتدادها أن يضاعفوا جهودهم تجاه ما هو مشتد من تيار الاتحاد ووسائل إعلامه وتجاه أسباب ضعفهم وعدم حرارة أثرهم!   لا انحسار للإلحاد ولا تشاؤم!! •وعلى ذكر تيار الإلحاد هل تشعرون بأن موجته في انحسار؟ وهل أنتم مع المتفائلين أم المتشائمين؟ -إن مصيبة الإلحاد مزدوجة فهناك ملحدون عن بينة وقناعة وهناك ما هو في صورة لا مبالاة بالدين وإهمال لواجباته وأخلاقياته وانغماس في المنكرات والآثام دون تحقق بمعنى الإلحاد الفني. والصورة الثانية هي الأوسع انتشارًا ونطاقًا وخاصة في ناشئتنا وشبابنا إلى سن الخمسين!! وسواء في ذلك الذكور والإناث، وليس هناك ما يدل على أن موجة الإلحاد في صورتيه آخذة بالانحسار بل هناك ما يدل على العكس نتيجة لعوامل عديدة محلية وخارجية، وبخاصة التيارات الجارفة المضادة للتدين ووسائل إعلامها الرهيبة المشتدة يومًا بعد يوم. والمسلم لا يصح أن يكون متشائمًا وهو يقرأ في كتاب الله ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ* هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ (سورة التوبة: 32-33) غير أن الله ربط تمكين الدين الإسلامي واستخلاف المسلمين في الأرض بصدق إیمان معتنقيه وعملهم الصالح الذي يعني كل ما فيه من قوة ومعرفة وكرامة والتزام وواجب ثم يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر. وحينئذ سوف ينصر الله من ينصره!! والصورة الثانية من الإلحاد هي الأشد ضررًا لأنها الأوسع نطاقًا، وهي في نفس الوقت الأكثر إمكانًا للمعالجة وهذا واجب الدعاة الصالحين في النطاق المشروع.   قضية الفلسطينيين •بصفتك من أبناء فلسطين، ورجالاتها الذين عاصروا المأساة من بدايتها ما هي نظرتك للقضية عمومًا؟ -إن قضية فلسطين مثلثة الجوانب: فهي قضية الفلسطينيين باعتبارهم أصحابها الشرعيين الذين اغتصبت منهم وشردوا منها وحرموا خيراتها وثرواتها ظلمًا وبغيًا وبأشد أساليب الوحشية واللا أخلاقية، واللا إنسانية.   قضية العرب -وهي قضية عربية تهم جميع العرب لأن الجرثومة الغريبة الخبيثة التي غرست فيها كانت وستظل من أسباب التوتر والتصدع والخطر المتنوع على جميع العرب في جميع بلادهم، وقد غرست لذلك من حيث الأصل بضمان بقاء الأمة العربية ضعيفة ممزقة متخلفة، وبقاء هيمنة الاستعمار على بلاد العرب وضمان استغلال مركزها وثرواتها من الاستعمار والصهيونية العالمية معًا.   قضية المسلمين -وهي قضية إسلامية لأن فلسطين قبلة المسلمين الأولى وثالث الحرمين الشريفين فيها والخطر المهدد للعرب وبلادهم شامل للمسلمين لما بينهم من تضامن وروابط وصلات متنوعة، وسيحرص الاستعمار والصهيونية على بقاء المسلمين في غير بلاد العرب ضعفاء متخلفين ممزقين استبقاء لهيمنتهم عليها من جهة، ومنعًا لتضامنهم مع إخوانهم العرب من جهة أخرى، وقوى الاستعمار عظيمة رهيبة فلا بد من تجمع قِوَى العرب والإسلام للتصدي لها، ويكون للفلسطينيين دور الطليعة في ذلك.   الحل الصحيح وليس من حل صحيح إلا اجتثاث الجرثومة وإزالة الكيان الصهيوني وعودة فلسطين جميعها إلى حظيرة العروبة والإسلام!! وسيبقى التوتر والخطر والتجزئة قائمًا في بلاد العرب والإسلام ما دامت هذه الجرثومة أو الكيان الصهيوني قائمًا، وسيبقى العرب والمسلمون مهانين أذلاء فاقدي العزة والكرامة لتآمر الاستعمار والصهيونية عليهم لإبقائهم ممزقين، ولذلك يجب أن يكون هذا دافعًا للعرب والمسلمين إلى حشد طاقاتهم والتجرد من جمودهم وأنانيتهم ومآربهم، واني لعلى يقين بأن العرب وحدهم إذا فعلوا ذلك بصدق وجد قادرون على إحراز النصر عاجلًا أو آجلًا.. وهذا اليقين يقوى إذا ما فعل المسلمون ذلك إلى جانبهم وكل هذا مما يجب أن تشتد الدعوة إليه ويجب أن نعي أن تحقيق هذا الهدف يتحمل مراحل وسنين طويلة، وأن نوطد النفس على ذلك نظرًا لما يقف أمامنا من قوى هائلة  وليس لنا خيار!! لأن الأمر بالنسبة لنا عربًا ومسلمين مصير موت وحياة، كرامة وذل، عزة ومهانة، وحدة وتمزق.   واجبات الفلسطينيين •إذن ما هي نصيحتكم لأبناء فلسطين وهم الطليعة كما ذكرتم؟ أولًا: أن يعوا أنهم أصحاب الحق الشرعي والطبيعي فلا يقبلوا ولا يلتزموا بأي حل قديم في مرحلة ما بين حكومة الكيان الصهيوني ومن وراءه يؤدي إلى الاعتراف بهذا الكيان أو بقائه ولو على جزء من فلسطين. ثانيًا: أن يظلوا يرفضون كل ذلك، ويجاهدون في سبيل تحرير جميع فلسطين وإزالة الكيان الصهيوني بكل قوة. ثالثًا: أن يدعوا كل خلاف وأن يتجردوا من الأنانيات والأهواء، وأن يوحدوا تنظيماتهم الفدائية وغير تحریر جميع فلسطين وإزالة الفدائية توحيدًا صادقًا. وأنا مؤمن بأن النصر
الرابط المختصر :