العنوان هل وثيقة «أبو شريف» بداية الاعتراف!؟
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 28-يونيو-1988
مشاهدات 115
نشر في العدد 872
نشر في الصفحة 4
الثلاثاء 28-يونيو-1988
«فلسطين الأمورة الغندورة غير موجودة، وهناك فقط فلسطين العورة، وعلينا أن نقبل بها»، هذا ما ذكره أحد القادة الفلسطينيين عندما سئل عن تعامل المنظمة مع أطروحات السلام في المنطقة.
والوثيقة التي أصدرها المستشار الإعلامي لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية بسام أبو شريف، والتي وزعت في الملف الفلسطيني قبيل انعقاد مؤتمر القمة العربي الطارئ في الجزائر، بعنوان «احتمالات السلام في الشرق الأوسط»، تأتي لتؤكد نفس المنطق الذي يتبناه الزعماء الفلسطينيون.
فقد تضمنت الوثيقة الكثير من المفاهيم والنقاط المثيرة والخطيرة في نفس الوقت، والتي تحتاج إلى توقف:
فماذا يعني أن يرد في هذه الوثيقة: «نعتقد أن لكافة الشعوب بما في ذلك الشعب اليهودي والفلسطيني الحق في إدارة شؤونها، وأن تتوقع من جيرانها لا عدم الاعتداء فحسب؛ بل تعاونًا اقتصاديًا وسياسيًا يصعب على أية دولة أن تعيش في وضع آمن حقيقي بدونه»؟
وبماذا يمكن تفسير: «أن الفلسطينيين يريدون ذلك النوع من السلام الدائم والآمن لأنفسهم وللإسرائيليين؛ لأنه لا يمكن لأي شعب أن يبني مستقبله على أطلال شعب آخر»؟
وماذا يقصد أبو شريف ومن وراءه بـ: «إن مفتاح التسوية الفلسطينية- الإسرائيلية يكمن في مفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين»؟
ولإزالة أية شكوك حول حقيقة الوثيقة يؤكد أبو شريف أن المقال الذي كتبه يطرح- بلغة واضحة- قرارات المجلس الوطني الفلسطيني المتصلة بالمساهمة الفلسطينية في إيجاد حل شامل في الشرق الأوسط، ويدعو إلى مفاوضات في إطار مؤتمر دولي تحت إشراف الأمم المتحدة، وبمشاركة الدول الخمسة الدائمة العضوية في مجلس الأمن، جنبًا إلى جنب مع الأطراف المعنيين، ومن ضمنهم «إسرائيل» ومنظمة التحرير الفلسطينية... وأن نسخة موقعة من المقال أرسلت إلى الخارجية الأمريكية عبر مكتب المنظمة في نيويورك... كما ألمح إلى أن المقال لا يمثل وجهة نظر شخصية، بل موقفًا فلسطينيًا مهمًا... وأشار ضمنًا إلى أن السيد عرفات يتبناه...
وحول هذه الوثيقة، وحول نهج التسوية الذي بدأ يتأصل في المنطقة، نورد مجموعة النقاط التالية:
- الملاحظة الأهم هنا أن هذه هي المرة الأولى التي يرد فيها اسم دولة العدو اليهودي «إسرائيل» صراحة في وثيقة فلسطينية.. حيث حاول الزعماء الفلسطينيون في السابق مراعاة المشاعر العامة للشعب الفلسطيني والشعوب المسلمة، بالإشارة إلى ذلك ضمنًا من خلال حديثهم عن جميع الأطراف المعنية؛ حيث وردت هذه العبارة في أطروحات ومبادرات السلام التي تحظى بموافقة منظمة التحرير... فماذا يعني ذلك؟! وهل هو عهد جديد في التعامل «بواقعية» مع الكيان اليهودي الذي أصبح كما يظن البعض أمرًا واقعًا؟... ولا تطرح الوثيقة الاعتراف بدولة العدو فقط، بل تدعو أيضًا إلى ما يسمى بعلاقات طبيعية معه!
- الملاحظة الثانية ذات الدلالة في هذا السياق كون هذه الوثيقة- بما تمثله من توجه سلمي تصالحي مع أعداء الله يهود- وزعت قبيل انعقاد مؤتمر قمة الانتفاضة؛ لتكون مؤشرًا للزعماء العرب عن المدى الذي يمكن أن تذهب إليه منظمة التحرير الفلسطينية للقبول بمبادرات التسوية السلمية للقضية الفلسطينية، وهي في ذات الوقت إشارة للإدارة الأمريكية لتأكيد «النوايا الحسنة» عند القيادة الفلسطينية؛ لتكون طرفًا مؤهلًا ومقبولًا في المؤتمر الدولي المزعوم.. وهكذا تحاول القيادة الفلسطينية أن توظف وتستثمر انتصارات وثمار الانتفاضة لتعزيز خطها السلمي التسووي، بدلًا من أن تدفعها الانتفاضة إلى التشدد والإصرار على إنهاء الاحتلال.
- الملاحظة الثالثة أن هذه الوثيقة تشدد على: «إن الفلسطينيين سيضطرون لتقديم ضمانات دولية لأمن جميع دول المنطقة بما فيها إسرائيل»، الأمر الذي يعني في حال حدوثه- لا سمح الله- الإقرار النهائي- وليس التكتيكي كما تعودنا أن نسمع من قادة المنظمة- بشرعية الوجود اليهودي على الجزء الأكبر من أرض فلسطين المباركة... ليس هذا فحسب، بل إن هذه الضمانات تعني أن القيادة الفلسطينية ستتولى هي أمر حماية الحدود مع العدو، ومنع أية محاولة جهادية جادة لمقاتلة اليهود واسترجاع الأرض المغتصبة.
- الملاحظة الأخيرة أن هذه الوثيقة على الرغم من خطورة ما تطرحه من تنازلات لم تلق المعارضة المناسبة من الأوساط الفلسطينية الرسمية في منظمة التحرير وحركة فتح، الأمر الذي يزيدنا استغرابًا واستنكارًا... فماذا يعني ذلك؟!! وهل هو تأكيد لما ألمح إليه أبو شريف من تبني عرفات للوثيقة، وأنها تمثل موقفًا فلسطينيًا وليس شخصيًا؟!
هذه الوثيقة التي تذكرنا بمسيرة التنازلات الفلسطينية، ابتداءً من برنامج النقاط العشرة في الدورة الثانية عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني في العام ١٩٧٤، والذي فتح الباب للدخول الفلسطيني «الرسمي» في متاهات السلام والحلول السلمية، مرورًا بكل مقررات المجالس الوطنية بعد ذلك، والتي انتصرت لنهج التسوية على حساب نهج التحرير، وجعلت الكفاح المسلح إحدى الوسائل الأقل أهمية واعتبارًا بالنسبة لوسائل «الكفاح الديبلوماسي!!»، كما تذكرنا هذه الوثيقة بمشروع خالد الحسن المستشار السياسي لرئيس المنظمة، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس الوطني الفلسطيني، والذي قدمه أمام الندوة العالمية للحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني في باريس بتاريخ 14/5/1982، والذي تضمن الإشارة إلى «إسرائيل» من خلال تعبيره «كل الأطراف المعنية»، كما أكد فيه أن شعب فلسطين لا يريد أن يرمي أحدًا في البحر!! ووثيقة أبو عمار التي وقعها لبول ما كلوسكي بتاريخ 25/7/1982، والتي تعترف بجميع قرارات الأمم المتحدة.
وأخيرًا…
فإننا نعتقد أن هذه الوثيقة وأمثالها لا تعبر إلا عن من أصدروها ووقفوا وراءها، وأن الشعب الفلسطيني المسلم يقول كل يوم مقالته في مثل هذه الأطروحات الانهزامية من خلال ضرب أروع أمثلة الشجاعة والبطولة والاستعلاء على أعداء الله یهود.
إننا نرفض كل أطروحات السلام والمؤتمر الدولي التي ما هي إلا أوهام وسراب يتوهمه البعض، ويظنون أنها يمكن أن تحقق لهم شيئًا، وهي في المحصلة تكريس للوجود اليهودي، واعتراف بشرعيته، وخيانته لله وللأمة.. ونؤكد على أن الطريق الوحيد لتحرير كل فلسطين من النهر إلى البحر يتمثل في إعلان الجهاد في سبيل الله، وإعداد الجيل ليكون بمستوى التحدي، وبمستوى معركتنا المقبلة مع اليهود.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل