العنوان السادات والمُعِزّ الفاطمي توأمان في الصفات والنهاية
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 20-أكتوبر-1981
مشاهدات 23
نشر في العدد 547
نشر في الصفحة 18
الثلاثاء 20-أكتوبر-1981
على أن الطاغية السادات قد أخذ شيئًا من صفات فرعون وشيئًا من صفات قارون، خاصة في حبه للبس الزينة، إلا أن النصيب الأوفر من الصفات قد أخذها من ابن المعز الفاطمي، وكأنه قلب صفحات التاريخ ووجد سيرته فاقتفى أثرها شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، بما يتلاءم مع هذا الزمان.
وهنا نعقد مقارنة سريعة بينه وبين المعز لا نهدف من ورائها سوى أخذ العبرة، وتوضيح سنة الله -سبحانه وتعالى- مع الظالمين، وأنها ثابتة لا تتبدل، وإن اختلف فيها توقيت أخذ الظالم، لحكمة الله أعلم بها.
أولًا: التظاهر بالصلاح
فعندما استولى المعز على ديار مصر، بنى بها القاهرة «وحين نزل الإسكندرية تلقاه وجوه الناس فخطبهم بها خطبة بليغة، ادعى فيها أنه ينصف المظلوم من الظالم، وافتخر فيها بنسبه وأن الله قد رحم الأمة بهم، وكان يظهر أنه يعدل وينصر الحق».[1] ونلاحظ أن السادات في بداية حكمه أفرج عن السجناء السياسيين، وكان يحرص أن يظهر كثيرًا في المناسبات الدينية حرصه على الصلاة، بل كان يفتخر بالزبيبة التي في جبهته، وخلع على نفسه لقب الرئيس المؤمن، وأطلق على دولته دولة العلم والإيمان، وحاول أن يغازل الاتجاه الإسلامي في بداية أمره، وأعلن عن تطبيق الشريعة.
ثانيًا: بناء القاعدة الشعبية
وحيث إن المعز الفاطمي على غير مذهب أهل السنة والجماعة، وإن مذهبه مكروه من جمهور المصريين، فلا بد من أن يفتعل شيئًا يخضع فيه القاعدة الشعبية له، وهذا ما تم بمقاتلته للقرامطة الذين لم يجرؤ أحد على قتالهم حتى الخليفة في بغداد، والذين سفكوا الدماء وكسروا الحجر الأسود، واقتلعوه وحولوا ساحة الحرم في أيام الحج إلى بركة من الدماء، لم يرحموا حتى المتعلقين بأستار الكعبة، فقاتلهم المعز وانتصر عليهم وانتزع دمشق منهم، وهذا ما فعله السادات في بداية حكمه، فلا بد أن يصطنع مجدًا يحول به أنظار شعبه والعالم إليه، فكان أن افتعل معركة العبور مع يهود والتظاهر بالنصر، ثم خلع على نفسه لقب «قائد العبور» وأرخى الحبل للصحافة بأن تقارن بينه وبين عبد الناصر، وبأن الأخير انهزم في معركته مع يهود وهو قد انتصر.
ثالثًا: تشجيع الأقليات
والأقليات في كل بلد ورقات رابحة، بيد الذي يعرف كيف يلعب بها من الطغاة لبلوغ غايته. وهذا ما فعله المعز، فقد أذن لأهل الكتابين -اليهود والنصارى- العود إلى دينهم بعدما تركوه في عهده، وعمر كنائسهم بعدما خربها، وأعاد بناء كنيسة القدس «القيامة».[2] وكذلك فعل السادات بتشجيعه لطائفة البهرة وافتتاح مساجدهم وتشجيع بناء الكنائس، حتى أصبحت ترى في القاهرة قرب كل مسجد كنيسة، وحضر حفلاتهم وندواتهم وطعم وزارته ببعض شخصياتهم.
رابعًا: كثرة استصدار القوانين
فكان المعز من المكثرين في استصدار القوانين الجائرة، منها قانون الوقوف على الأقدام عند سماع اسمه، قانون تحريم خروج النساء والعشق، قانون إغلاق الأسواق ليلًا وفتحها نهارًا، وغيرها من القوانين». وكذلك فعل السادات في الإكثار باستصدار القوانين، وكان آخرها قانون العيب.
خامسًا: إيقاع الفتنة بين صفوف الشعب
وذلك لكي يشغلهم مما يقوم به من مظالم، ومما فعله المعز بهذا الصدد «أنه لما وصل إلى القاهرة، أمر السودان أن يذهبوا إلى مصر فيخرقوها وينهبوا ما فيها من الأموال والمتاع والحريم، فذهبوا فامتثلوا ما أمرهم به فقاتلهم أهل مصر قتالًا شديدًا ثلاثة أيام والنار تعمل في الدور والحريم، وما انجلى الأمر حتى احترق من مصر نحو ثلثها، ونهب قريب من نصفها، وسبيت نساء وبنات كثيرة، وفعل معهن الفواحش والمنكرات حتى إن منهن من قتلت نفسها خوفًا من العار والفضيحة»,[3] وتمامًا كما فعل السادات في حي الزاوية من نشر الفتنة عن طريق مخابراته لكي يتقاتل المسلمون مع النصارى، ولئن كان المعز أيام هجوم السودان على القاهرة يبدي التنصل «وهو في كل يوم -قبحه الله- يخرج فيقف من بعيد وينظر ويبكي ويقول: من أمر هؤلاء العبيد بهذا؟»[4] فإن السادات استفاد من الفتنة لاتهام خصومه من الجماعات الإسلامية -وعلى رأسها الإخوان- في تسبب الفتنة الطائفية.
سادسًا: ضرب المعارضة
فمما فعله المعز أنه «تبنى المدارس وجعل فيها الفقهاء والمشايخ ثم قتلهم وأخربها»,[5] وذلك بسبب مخالفتهم لعقيدته الباطنية، ومما يروي التاريخ في ذلك أنه «أحضر بين يديه الزاهد العابد الورع الناسك التقي أبو بكر النابلسي، فقال له المعز: بلغني عنك أنك قلت لو أن معي عشرة أسهم لرميت الروم بتسعة ورميت المصريين بسهم، فقال: ما قلت هذا، فظن أنه رجع عن قوله فقال: كيف قلت؟ قال: قلت ينبغي أن نرميكم بتسعة ثم نرميهم بالعاشر، قال: ولم؟ قال: لأنكم غيرتم دين الأمة، وقتلتم الصالحين، وأطفأتم نور الإلهية، وادعيتم ما ليس لكم، فأمر بإشهاره في أول يوم ثم ضربه في اليوم الثاني بالسياط ضربًا شديدًا مبرحًا، ثم أمر بسلخ جلده في اليوم الثالث، فجيء بيهودي فجعل يسلخه وهو يقرأ القرآن فكان يقال له الشهيد»، وكذلك فعل السادات فما كان يريد أحدًا أن يقول له «لا»، فيطرد من يقول له ذلك من نواب الشعب أو من الوزراء، وأحيانًا يأمر باغتيالهم وإلصاق التهمة بخصومه كما فعل بالشيخ الذهبي، وخاصة في أيامه الأخيرة عندما أعلن حربه على المعارضة -وخاصة الإسلامية منها- وابتدأ باضطهادهم.
سابعًا: ردود فعل المعارضة
فمما يرويه ابن كثير في تاريخه بعد فتنة السودان قوله: «ثم اجتمع الناس في الجوامع ورفعوا المصاحف وصاروا إلى الله -عز وجل- واستغاثوا به، فرق لهم الترك والمشارقة وانحازوا إليهم وقاتلوا معهم عن حريمهم ودورهم»,[6] ، وهذا أثر يدل على تحالف جميع أنواع المعارضة بجميع اتجاهاتها من أجل القضاء على الظلم، وهذا ما حدث في مصر، فقد لجأ الناس وخاصة في المدة الأخيرة إلى المساجد، وعقدوا المؤتمرات والتفوا حول العلماء، وخرجوا في مظاهرات مستنكرين ما يحدث من ظلم.
ثامنًا: نهاية الظالم
يقول ابن كثير في ترجمته للمعز: «كان قد تعدى شره إلى الناس كلهم حتى إلى أخته، وكان يتهمها بالفاحشة فتبرمت منه وعملت على قتله فراسلت أكبر الأمراء، أميرًا يقال له ابن دواس، فتوافقت هي وهو على قتله ودماره، وتواطأ على ذلك فجهز من عنده عبدين أسودين شهمين وقال لهما: إذا كانت الليلة الفلانية فكونا في جبل المقطم، ففي تلك الليلة يكون الحاكم هناك في الليل لينظر إلى النجوم، وليس معه أحد إلا ركابي وصبي فاقتلاه واقتلاهما معه، فلما كانت تلك الليلة قال الحاكم لأمه: على هذه الليلة قطع عظيم، فإن نجوت منه عمرت نحوًا من ثمانين سنة، وهو نفس الإحساس الذي كان يحسه السادات بأنه سيقتل، ونفس الكلمات قالها لابنه جمال: «عليك أن تنتظر ذلك اليوم» وصعد جبل المقطم، فاستقبله ذانك العبدان فأنزلاه عن مركوبه، وقطعا يديه ورجليه وبقرا بطنه، فأتيا به مولاهما ابن دواس فحمله إلى أخته فدفنته في مجلس دارها»[7] وكذلك كانت نهاية السادات خرج على قومه بزينته ولبس جميع الأوسمة التي لديه، بعد أن استاء الشعب منه، وأمام العرض العسكري خرجت مجموعة من رجال الجيش أمام الناس وشهروا رشاشاتهم، وأردوه قتيلًا وتركوه يغرق في بركة من الدماء.
هل يعتبر الحكام؟!
من خلال قراءة التاريخ يتبين أن نهاية الظالمين واحدة، ويبدو أن هناك سنة يجهلها كثير من الحكام، وهي أنه يلاحظ أن تناسبًا طرديًا بين الحاكم والحركة الإسلامية، فكلما اشتد تضييقه للحركة وازداد اضطهاد رجالها، كلما قربت نهايته، وليس شرطًا أن تكون نهايته على أيدي رجال الحركة أنفسهم، بل كثيرًا ما تكون النهاية بجند من جنود الله، وذلك مصداقًا لقوله تعالى في الحديث القدسي الذي رواه البخاري في صحيحه: «من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب» فمجرد العداوة للحركة الإسلامية يأذن الله الطاغية بالحرب، فكيف إذا تعدى أكثر من العداوة، وقام بتقتيل وتشويه رجال الحركة الإسلامية الذين هم أولياء الله؟!
ونقول أخيرًا إن هذه عبرة لكل حاكم، فالكيس فيهم من اعتبر والمصر على ضرب الدعاة ومعاداتهم، فإن سنة الله فيه جارية.
[1] البداية والنهاية 11/ 284
[2] البداية والنهاية 12/ 9 بتصرف
[3] البداية والنهاية 12/ 10
[4] البداية والنهاية 12/ 10
[5] البداية والنهاية 12/ 10
[6] البداية والنهاية 11/ 284
[7] البداية والنهاية 12/ 10