; الأفراح والمصائبُ وحيرة العلم في تفسيرها | مجلة المجتمع

العنوان الأفراح والمصائبُ وحيرة العلم في تفسيرها

الكاتب د. عمر سليمان الأشقر

تاريخ النشر الثلاثاء 24-مارس-1970

مشاهدات 412

نشر في العدد 2

نشر في الصفحة 12

الثلاثاء 24-مارس-1970

أحداث الكون

لا يكاد يمر يوم حتى نسمـع بوقوع حادث مريع في هذه الأرض المترامية الأطراف: زلزال مدمر، أو صاعقة محرقة، أو فيضان طاغ، أو خسف يبتلع المدن والقرى، أو غرق سفينة أو سقوط طائرة، أو حادثة قطار، عدا عن الحروب التي تفني البشر وتحرق المدن وتأكل الأخضر واليابس.

فهل هذه الأحداث التي تلف العالم أمر طبيعي ليس وراءه تدبير وتقدير أم هناك أسباب وراء هذه الأحداث؟ فإن كانت هناك أسباب فما نوع هذه الأسباب؟ هذا ما نحاول أن نجيب عليه في كلمتنا هذه.

إجابة العلماء الماديين:

 يظن الكثير أن أحداث الكون لا تجري وفق نظام دقيق، بل تأتي مصادفة لا تقدير فيها، وعندما يذهب البعض إلى تعليل هذه الأحداث.

 يقولون إن هناك أسبابا طبيعية أوجبت هذا الزلزال، وأثارت ذاك البركان، وأوقعت تلك الصاعقة.

السر في عجز هؤلاء العلماء عن الإجابة؟

 ونقول في بدء الإجابة التي نرضاها - إننا لا نستطيع أن نعرف القانون الذي تسير عليه أحداث الكون معرفة كلية فاصلة بقدراتنا المحـدودة وعلمنا المحدود لما يعتور هذه القدرة وهذا العلم من قصور ونقص وعجز، وإذا كان الأمر كذلك فعلينا أن نتعرف على هذا القانون من غير هذا السبيل.

 

طريقنا لمعرفة مجرى الأحداث

وسبيلنا لمعرفة القانون الذي نستطيع أن نفسر على ضوئه الأحداث يجب أن يكون مصدره من غير طريق البشر، يجب من عند من أحاط بكل شيء علما، من عند خالق الكون ومدبره ومصرف أموره الذي لا تخفى عليه خافية في السماء ولا في الأرض، فنظرتنا تخالف نظرة المفكرين من غير المسلمين الذين اعتمدوا على عقولهم القاصرة العاجزة، وإذا كان الأمر كذلك فمهمتنا أن نتعرف على هذا القانون ثم ننظر إلى الأحداث وفق هذا القانون السماوي الذي يطلق القرآن عليه ( سنة الله ).

 

الله خلق الكون وسخره لنا

يجب أن نؤمن قبل أن نمضي في البحث أن لهذا الكون خالقا مبدعا، صنعه وأوجده ذلكم هو الله ( الله خالق كل شيء ) وانه خلقه لغاية لا لعبا وعبثا ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ﴾ (سورة الأنبياء : الآية 16 ) بل خلقه ليكون معبدا ومعاشا لمن جعله خليفة ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ (سورة البقرة : الآية 30 )  وسخر هذا الكون لبني آدم ينتفعون بما فيه من خيرات تقيم حياتهم أرضه وبحره وشمسه وقمره وليله ونهاره ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَار َوَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ  ﴾ (سورة إبراهيم: الآية 32. 33)  ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ (سورة لقمان: الآية 20)  

 

وظيفة البشر في هذا الكون

وطلب من البشر الذين سخر لهم الكون أن يسخروا حياتهم وفق شريعته التي بلغهم إياها بواسطة رسله ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ﴾ (سورة الذريات: الآية 56. 57 )  وطلب الله من الناس الذين استخلفهم في الأرض أن يعملوا على إصلاح الأرض وتعميرها ونهاهم عن الإفساد والظلم فيها.

صلاح الكون وفساده

وجعل صلاح هذا الكون وفساده مرتهنا بمدى صلاح البشر وفسادهم، ويصلح البشر إذا ساروا وفق الشريعة المنزلة التي توضح الطريق السليم للحياة المثلى التي يريدها الله للكون والكائن الذي استخلفه فيه - هذه الحياة التي تنسجم وتتفق مع طبيعة الإنسان وطبيعة هذا الكون لأن الكل من عند واحد فخالق الإنسان وموجد الكون هو منزل القرآن الذي ينظم حياة الإنسان في تفكيره وسلوكه في الأفراد والمجتمعات فكيف يأتي التعارض والتنافر؟

 

عندما يخالف الإنسان فطرته

فإذا لم يقم الإنسان حياته في الأرض وفق ما يريد الله فقد أفسد نفسه ودساها، وخالف فطرة هذا الكون الذي يعيش فيه، واستحق أن يأخذه الله بشتى العقوبات التي تشير له بأنه تنكب الطريق السوي وخالف الفطرة التي فطره الله عليها، وكأنها تقول له: قف وأعد النظر فيما أنت عليه فإنك تضرب في بيداء شاسعة مظلمة بغير دليل.

 

ما يصيب البشر فبسـبب ظلمهم

 فالمصائب دليل على فساد في المستخلفين في الأرض بسبب نكالهم عن الحق الذي انزل إليهم ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ (سورة الشورى: الآية 30 ) و﴿كَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا إِلَّا أَن قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ (سورة الأعراف: الآية 4. 5 ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن العبد ليحرم الرزق بسبب الذنب يصيبه ) .

 

وفسادهم يؤثر في عالمهم

 وفساد الناس وتركهم ما أوحى الله إليهم وإعراضهم عن الهدى له تأثير في هـذا الكون، فقد يسبب انقطاع الغيث وامحال الأرض وقلـة الظهر وجفاف الضرع، كما أن الإيمان يكون سببا في كثرة البركات الخارجة من الأرض والهابطة من السماء.

 قال تعالى ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ (سورة الروم : الآية 41 )  وقال ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ولكن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ (سورة الأعراف : الآية 96 )  فكل فساد في هذه الأرض فهو بسبب كسب الناس السيئ وقد قال نوح لقومه : ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا﴾ (سورة نوح : الآية 10. 11. 12 )  

 

وهذه الحروب

 وهذه الحروب الطاحنة التي تدمر الإنسان وما صنع والتي تقوم على الأهواء وتستشري لأجل التفاهات هي نتيجة لترك الضوابط التي سنها الله لخلقه فلو كان الناس متقيدين بالحق الذي شرعه الله لقلت المنازعات وهدأت المشاحنات وتحولت وجهة القتال فلا ترفع رايته إلا لقرار الحق وإزهاق الباطل.

 

 وضح مما بسطناه في مقالنا أن ما نراه في جنبات الكون من مصائب وبلايا تأخذ بأعناق الناس وتهز أركان مدينتهم ليس وليدة للصدفة بل هو أمر مقدر ليس للصدفة فيه نصیب، فيرسل الله منهاما يرسله على عباده من البأساء والضراء كي يستكينوا ويتضرعوا إلى ربهم ويخضعوا له، فالبلاء طريق لعلاج النفس الإنسانية التائهة في مسارب الحياة البعيدة عن الحق الأصيل وَلَقَدْ ﴿أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾ (سورة الأنعام : الآية 42 )  

أمثلة وأدلة

 ونحن نشاهد أن البلايا قد تعود بالناس إلى ربهم أحيانا فكم سمعنا من الناس البعيدين عن الإسلام كلمات الإيمان ورأينا عودتهم إلى الإسلام بعد ما حل بنا من هزيمة ولقد قرأت قصة أربعة نفر سقطوا من طائراتهم الحربية في لجة البحر وبقوا في قاربهم الصغير مدة اربع وثلاثين يوما وكتب أحدهم يصف أيامهم تلك وكان مما ذكره أن أكبر ما أعانهم على الصمود هو لجوؤهم إلى الله وترنمهم بما يحفظون من كلمات كتابهم ولقد صور الله لنا تأثير المصائب في النفس إذ ترجع إلى ربها فقال ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حتى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هذه لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ (سورة يونس : الآية 22 )  

 

الرخاء بعد البلاء

 والله يحب الإعذار إلى خلقه كي لا يبقي لهم حجة عليه فيرسل إليهم الرسل فلا يستجيبون وقد يصيبهم البلاء فلا يرتدعون فتحل المصائب بساحهم فلا يؤدبون فيفتح عليهم الدنيا ينظر كيف يعملون - أيشركون ويحمدون أم يطغون ويبطرون ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حتى عَفَوا وَّقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ ﴾ (سورة الأعراف : الآية 94. 95 )  أي عندما أبطرتهم النعمة وأشروا قالوا هذه عادة الدهر ضراء وسراء وقد أصاب آباءنا مثل ذلك لا بابتلاء وقصد بل ذلك بالاتفاق لا على ما تخبر به الأنبياء.

 وتدبير الله لا يجري في الناس على نمط واحد وسنة واحدة إنما يدبرهم بما يكون إلى الإيمان أقرب وهو قوله تعالى : ﴿ ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ﴾ (سورة الأعراف : الآية 95 )   ( لأن ورود النعمة على البدن والمال بعد الشدة والضيق يستدعي الانقياد للطاعة والاشتغال بالشكر فأخبر تعالى في هذه الآية أنه يأخذ أهل المعاصي بالكفر بالشدة تارة وبالرخاء تارة على سبيل الاستدراج والاختبار.

 فلا يظن الناس أن ما يمدهم الله به من نعيم هذه الدنيا انه دليل رضوان الله عليهم، فقد يعطي الله الناس على ظلمهم الشيء الكثير ثم يأخذهم بسبب ذنوبهم وطغيانهم ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ ۚ بَل لَّا يَشْعُرُونَ﴾ (سورة المؤمنين : الآية 55. 56)  بل قد يكون إمداد الله لأمة ما استدراجا منه ومكرا بهم ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾ (سورة الإسراء : الآية 16).

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

الـزلازل.. وفقــه السُّنن

نشر في العدد 2177

33

الأربعاء 01-مارس-2023

خطاب القوة والميزان والزمن

نشر في العدد 2109

28

السبت 01-يوليو-2017