; أثر النصح والتناصح في حياة الدعاة | مجلة المجتمع

العنوان أثر النصح والتناصح في حياة الدعاة

الكاتب خالد عبدالوهاب القرينيس

تاريخ النشر الثلاثاء 18-فبراير-1975

مشاهدات 14

نشر في العدد 237

نشر في الصفحة 56

الثلاثاء 18-فبراير-1975

المجتمع التربوي

أثر النصح والتناصح في حياة الدعاة

بقلم: خالد عبد الوهاب القرينيس

قال الحسن البصري- رحمه الله تعالى: «لم يبق من العيش إلا ثلاث: أخ لك تصيب من عشرته خيرًا، فإن زغت عن الطريق قوّمك، وكفاف من عيش ليس لأحد عليك فيه تبعة، وصلاة في جمع تكفي سواها وتستوجب أجرها».أخي الداعية المبارك: ما أحوجنا إلى تأمل كلام السلف- رحمهم الله- فإن كلامهم نور، ومصابيح هدي تضيء لنا الطريق، فهذا الحسن البصري- رحمه الله- يؤكد على النصيحة بل يعدها من مرغبات العيش في هذه الحياة، أن تجد أخًا يُسدي لك النصيحة، وإننا في أمسِّ الحاجة إلى النصيحة تلك الهدية العطرة المحببة إلى النفس.وصدق عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- عندما قال: «رحم الله من أهدى إلينا عيوبنا»، إنه دعاء بالرحمة من أمير المؤمنين لمن ينصحه ويبين أخطاءه، بل يعد هذه النصيحة هدية غالية. فيا دعاة الإسلام أين نحن من هذه الهدايا العظيمة التي غفلنا عنها ونسيناها وبوجودها يحصل الخير والبركة، وتستقيم النفوس وتصلح الأخلاق والأحوال؟وقد أكدّ على ذلك نبينا محمد- عليه الصلاة والسلام- عندما قال: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنا: لِمَنْ؟ قالَ: لِلَّهِ ولِكِتابِهِ ولِرَسولِهِ ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وعامَّتِهِمْ. »(مسلم:55) رواه مسلم.إن قوام ديننا على النصيحة، فبها تسدد الخُطى، ويتضح الطريق، ولذا قال الإمام النووي في شرح مسلم عن تميم الداري: «هذا حديث عظيم الشأن وعليه مدار الإسلام» فأين نحن من ذلك الصحابي الجليل عبد الله بن جرير- رضي الله عنه- الذي جعل على عاتقه النصح لكل مسلم، روی مسلم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: «بايَعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى السَّمْعِ والطَّاعَةِ، فَلَقَّنَنِي: فِيما اسْتَطَعْتُ والنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ »(البخاري:7204).إن عبد الله بن جرير- رضي الله عنه- لم يبايع النبي صلى الله عليه وسلم على لعاعة من الدنيا، بل بايعه على إسداء النصيحة لإخوانه المسلمين. واسمع يا أخي إلى هذه الحادثة: أمر جرير مولاه أن يشتري له فرسًا، فاشترى له فرسًا بثلاثمائة درهم، وجاء به وبصاحبه لينقده الثمن، فقال جرير لصاحب الفرس: فرسك خير من ثلاثمائة، أتبيعه بأربعمائة درهم؟ قال: ذلك إليك يا أبا عبد الله، فقال: لفرسك خيرٌ من ذلك أتبيعه بخمسمائة؟ ثم لم يزل يزيده مائة فمائة، وصاحبه يرضى وجرير يقول: فرسك خير إلى أن بلغ ثمانمائة درهم، فاشتراه بها، فقيل له في ذلك، فقال: إني بايعت رسول الله صلي الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم.أخي الداعية.. إن من حقوق الأخوة الإسلامية إسداء النصيحة لأخيك المسلم، فبها يحصل نفع كبير لأنك توضح زلات أخيك حتى تقيله عن عثراته.فقد كان السلف- رحمهم الله- حريصين كل الحرص على إسداء النصيحة لإخوانهم، فهذا عمر بن عبد العزيز- رحمه الله- يعد النصيحة من الصلة، ويقول: «من وصل أخاه بنصيحة في دينه، ونظر له في صلاح دنياه فقد أحسن صلته، وأدى واجب حقه» ويقول أبو حاتم البستي- رحمه الله-.. «خير الإخوان أشدهم مبالغة في النصيحة، كما أن خير الأعمال أحمدها عاقبة، وأحسنها إخلاصًا، وضرب الناصح خير من تحية الناشئ» وأعلم يا أخي العزيز أن أخاك المحب هو الذي ينصحك فهذا، الحارث المحاسبي يقول: «واعلم أن من نصحك فقد أحبك، ومن داهنك فقد غشك، ومن لم يقبل نصيحتك فليس بأخٍ لك». هكذا كان السلف- رحمهم الله تعالى- يسارعون في إبداء النصيحة لإخوانهم دون مجاملة أو تصنّع في الأخوة، وفي المقابل أقول لإخواني الدعاة: إذا أكدنا على أهمية النصيحة فلا ننسى أهمية قبول النصيحة فإن قبولها هي الثمرة، فما أقل من يقبلها، قال الإمام الشافعي: «ما نصحتُ أحدًا فقبل مني إلا هبته، واعتقدت مودته، ولا ردٌّ أحد عليّ النصح إلا سقط من عيني ورفضته». فواجبي لمن يرد الهدية الغالية التي قد تكون له سعادة في الدنيا والآخرة، وإننا يا معشر الدعاة إذا لم نجد من ينصح لنا فلابد أن نبادر في طلب النصيحة، فلماذا لا يجلس الأخ مع أخيه ويقول له: بصرني بعيوبي وعثراتي وزلاتي؟ لماذا لا نبادر في طلبها ممن نثق به في دينه وعلمه وأمانته ففي صحيح البخاري قال عليه الصلاة والسلام: «فإذا استَنْصحَ أحدُكمْ أخَاهُ فلْينصحْهُ»(السيوطي:4205) حتى قال بعض أهل العلم: وذلك على الوجوب.

وأخيرًا: أقول للناصح: ترفق في نصيحتك إليّ وأسِرّ بها إليّ، وصدق الإمام الشافعي عندما قال: 

تعمّدني بنصحك في انفراد                            وجنبني النصيحة في الجماعة 

فإن النصح بين الناس نوعٌ                            من التوبيخ لا أرضى استماعه

وإن خالفتني وعصيت قولي                          فلا تجزع إذا لم تُعط طاعة.

إعداد: عبد الحميد البلالي

وقفة تربوية

الحماس الظاهر

جاء في ترجمة الإمام طاووس عن ابنه قال: كنت لا أزال أقول لأبي: إنه ينبغي أن يُخرج على هذا السلطان، وأن يفعل به قال: فخرجنا حُجَّاجًا، فنزلنا في بعض القرى، وفيها عامل - يعني لأمير اليمن- يقال له ابن نجيح، وكان من أخبث عمالهم، فشهدنا صلاة الصبح في المسجد، فجاء ابن نجيح، فقعد بين يدي طاووس، فسلم عليه، فلم يجبه، ثم كلمه فأعرض عنه، ثم عدل إلى الشق الآخر، فأعرض عنه، فلما رأيت ما به قمت إليه، فممدت يدي، وجعلت أسائله، وقلت له: إن أبا عبد الرحمن لم يعرفك، فقال العامل: بلى معرفته بي فعلت ما رأيت قال: فمضى، وهو ساكت لا يقول لي شيئًا، فلما دخلت المنزل قال: أي لكع، بينما أنت زعمت تريد أن تخرج عليهم بسيفك، لم تستطع أن تحبس عنه لسانك[1]» (سير أعلام النبلاء 5/41)إنه من الأهمية بمكان ألا يغتر الآباء والمربون والقادة بحماسة الأبناء والطلبة والأتباع، فيحمِّلونهم أكثر مما يطيقون قبل أن تشتد سواعدهم وأعوادهم، حيث يعرضونهم بذلك إلى فتنة أكبر منهم، وقد تكون سببًا في انتكاسهم ونكوصهم، بل الواجب تجربتهم بأمور تتناسب مع قدراتهم بين فترة وأخرى، والتدرج معهم خطوة خطوة، دون ضجر وضيق صدر لنمو بعضهم البطيء، فإنهم ما داموا على الطريق فسيصلون إن شاء الله.

أبو خلاد

 


 

سير أعلام النبلاء ٤١/٥. (1)

الرابط المختصر :