العنوان يا حكام الخليج اتحدوا
الكاتب نبيه عبد ربه
تاريخ النشر الثلاثاء 11-فبراير-1975
مشاهدات 12
نشر في العدد 236
نشر في الصفحة 23

الثلاثاء 11-فبراير-1975
عمل المستعمرون وعملاؤهم منذ القديم على الإبقاء على العالم الإسلامي في حالة تفكك واضطراب، وحاربوا كل دولة أو حركة أو زعامة تعمل على إقامة دولة قوية فيه، ولما كانت منطقة الجزيرة العربية والخليج العربي جزء من العالم الإسلامي، فقد شملتها خطط الهدم والتفكك والاضطراب الذي حرص المستعمرون أن يبقى العرب ضمن دوامتها، ولهذا بقيت منطقة الخليج العربي مجزأة إلى دويلات وإمارات وأجزاء شتى؛ ذلك لأن هؤلاء المستعمرين يعلمون أهمية هذه المنطقة بالنسبة للعالم كله، كما يدركون ضخامة الأخطار التي تحيق بمصالحهم إذا قامت في هذه المنطقة دولة قوية تجمع شمل شعوبها وتوجه طاقاتها وخيراتها إلى ما فيه مصلحة سكانها قبل غيرهم، أما المستعمرون فيريدون أن تتحقق مصالحهم أولا، ولا بأس بعد ذلك إذا بقي شيء يمكن أن يستفيد منه سكان البلاد الأصليون، ذكر الكولونيل- لورنس- في تقريره الذي رفعه إلى المخابرات البريطانية في كانون ثاني ١٩١٦: «بأن أهدافنا الرئيسية تفتيت الوحدة الإسلامية بدحر الإمبراطورية العثمانية وتدميرها وإذا عرفنا كيف نعامل العرب فسيبقون في دوامة الفوضى السياسية داخل دويلات صغيرة حاقدة متنافرة غير قابلة للتماسك» «۱».
فالوحدة أو الاتحاد ضرورة حياتية لشعوب وحكام هذه المنطقة، ليس فقط حفاظًا على ثروات بلادهم، ولكن أيضًا حفاظًا على حريتهم واستقلالهم وحفاظًا على حرية واستقلال الوطن العربي كله،
فالجزيرة العربية والخليج العربي من أهم المواقع الاستراتيجية في العالم؛ لأنها بحكم موقعها الجغرافي تتحكم في البحر الأحمر ومدخله، كما تتحكم في مدخل الخليج العربي، كما تشرف على المحيط الهندي، وهذه المنطقة مهمة بالنسبة للاستراتيجية العسكرية الغربية التي ترى أن الخطر يكمن- على المدى البعيد- في الصين الشعبية أكثر مما يكمن في روسيا الشيوعية، وأنه إذا قامت حرب عالمية ثالثة فإن طرفها الآخر سيكون الصين وليس الاتحاد السوفياتي.
ومنطقة الجزيرة العربية تعتبر أهم منطقة في العالم من حيث احتوائها على المواد الاستراتيجية وخاصة البترول، فالبترول يعتبر المادة الاستراتيجية الأولى في العالم، كما أنه المصدر الأول للطاقة الذي يمد الدول الصناعية بشريان الحياة، وفي حالة انقطاع هذا الشريان فإن الحضارة الغربية تكون مهددة بالزوال والاضمحلال، فالخليج العربي يحوي تحت رماله حوالي ٦٠ % من احتياطي البترول العالمي، وتقدر قيمة ذلك ألف مليون بثلاثة آلاف بليون- ألف مليون- دولار تقريبًا.
ومنطقة الخليج العربي والسعودية تعتبر خط الدفاع الخلفي لدول المواجهة مع إسرائيل ومن ورائها أميركا، ولولا الإمدادات المادية والمعنوية واستعمال سلاح النفط ، لما استطاعت دول المواجهة الصمود أمام الإمدادات الأميركية الضخمة لإسرائيل من عسكرية واقتصادية وسياسية والتي تقدر ببلايين الدولارات سنويًا، إذا عرفنا هذا، وعرفنا معه أن الدول الغربية قد شنت غارتها الاستعمارية على الوطن العربي واستعمرته يوم كانت أهمية المادية والاستراتيجية أقل بكثير مما هي عليه اليوم، فإننا لا نستغرب أن تحاول أميركا من جديد استعمار الوطن العربي باسم العالم الغربي لتأمين الطاقة للدول الصناعية- كما تدعي أميركا-، وهذا الأمر ليس بعيدا عن التفكير الأميركي؛ لأن أميركا تمثل قمة الحضارة الرأسمالية المادية والتي يهمها أن تعيش هي على دماء الشعوب ولو منيت جميع شعوب الأرض؛ ولأن أميركا تمثلها اليوم الصهيونية العنصرية والتي ترى أن «شعب الله المختار» هو الذي يستحق العيش الكريم على هذه الأرض، أما بقية الشعوب فيجب أن تموت أو تعيش لخدمة الشعب المختار.
ليس بمستبعد- إذن - أن تقوم أميركا بعملية غزو عسكرية للخليج العربي، بل إن الأحداث تؤكد أن هذه العملية أصبحت مؤكدة، وأن فكرة التنفيذ آخذة بالتبلور يوما بعد يوم، أدى إلى المجلة الفرنسية «لانوفيل الوزر فاتور» أن خطة التدخل العسكري خطة أميركية/ بريطانية، ليست من نسج الخيال، بل لقد نوقشت بجدية كبيرة منذ بضعة أسابيع في اجتماع سري للغاية عقد في إحدى ضواحي لندن بين مسؤولين حكوميين يمثلون الحكومتين الأميركية والبريطانية على أعلى المستويات، وإن هؤلاء الممثلين قد وضعوا الخطوط العريضة لخطة التدخل العسكري وتم الاتفاق بينهم على تنفيذها إذا ما تحولت عملية التصعيد الحالية في المطالب المالية للدول المنتجة للبترول إلى عملية ضغط سياسي.
«وقد أعلن مصدر بريطاني مسؤول أمس أنه تجري حاليًا مشاورات بين بريطانيا وسلطنة عمان والولايات المتحدة بشأن طلب الولايات المتحدة استخدام القاعدة الجوية في جزيرة «مصيدة» العمانية، وقد ذكرت وزارة الخارجية البريطانية أن الحكومة البريطانية لا تعترض من حيث المبدأ على طلب الولايات المتحدة» «۲»
ليس بمستبعد- إذن- أن تقوم أميركا منفردة أو بالاشتراك مع إنجلترا بغزو منابع البترول، بل إن أميركا قد وضعت خطة لذلك إذ إنها تعتبر منطقة الخليج العربي ضرورة من ضرورات الأمن القومي الأميركي، فبالإضافة إلى المركز الاستراتيجي الهام لهذه المنطقة، فإن أميركا ستصبح دولة من الدرجة الثانية في الثمانينات إذا لم تستطع تأمين ما يكفيها من البترول، فقد ذكرت صحيفة- الإنترناشيونال هيرالدتربيون- في ٣٠ أيلول الماضي «أن الولايات المتحدة قد دفعت عام ۱۹۷۲ «٤٩٠٠» مليون دولار ثمنًا لمستورداتها من النفط الخام ودفعت عام ۱۹۷۳ «۸٥۰۰» مليون للغرض نفسه، ۲٥۲۰۰ مليون دولار عام ١٩٧٤ ويمكن أن تصل قيمة واردات أميركا من النفط إلى مئة ألف مليون دولار سنويًا في عام ۱۹۸۰» وقد ذكر- جيمس ليكنز- مدير مكتب الوقود والطاقة في وزارة الخارجية الأميركية أن أميرکا سوف تستورد عام ۱۹۸۰ حوالي ١٥ مليون برميل يوميًا وهذا يعادل ٥٠ % من احتياجات أميركا النفطية، وقد نشرت مجلة «نيوزويك إنترناشيونال» في ۷- ۱۱- ١٩٧٤- خطة التدخل العسكري الأميركي وهي تتضمن إنزال الفرقة الأميركية ۸۲ المحمولة جوًا في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية ثم تتخذ من هذه المنطقة نقطة انطلاق عند توسيع عملياتها في السعودية والخليج، وقد وضعت خطط إنزال أخرى تشمل كل من ليبيا والجزائر.
وتقول الأوساط المطلعة إن عملية الإنزال هذه ستقوم بها القوات الإسرائيلية، ومهمة القوات الأميركية الموجودة في البحر العربي والمحيط الهندي تنحصر في مساندة القوات الإسرائيلية والتدخل إذا لم تستطع القوات الإسرائيلية تحقيق أهدافها.
ومما يؤكد نوايا أميركا العدوانية على منابع البترول العربي، أنها أنهت الحرب الفيتنامية بشكل غير مشرف- حينما وقعت اتفاقية السلام الفيتنامية- لكي تتفرغ لمنطقة الخليج والشرق الأوسط كله، ومما يؤكد هذا أن الولايات المتحدة قد عينت- ريتشارد هيلمز- مدير المخابرات المركزية الأميركية السابق سفيرًا لها في إيران؛ ليكون قريبًا من مسرح الأحداث ووضعت تحت قيادته أبرز رجال المخابرات الأميركيين، وقد أدرك الاتحاد السوفياتي هذه الخطة فصعد الحرب في فيتنام من جديد لكي يخفف الضغط الأميركي عن الشرق الأوسط.
يقال إن قائد الفرقة ۸۲ الأميركية سئل مرة عما إذا كانت الولايات المتحدة قد سحبت قواتها من فيتنام لتزج بهم في حرب جديدة مع العرب؟
فأجاب أن قواتنا ذاهبة في هذه المرة في رحلة ممتعة في الخليج العربي، إذ ليس حال أهل هذه المنطقة كحال أهل فيتنام، فنحن لا نتوقع حربًا ولكن نتوقع استقبالا؟!
وكلام هذا الضابط الأميركي خطير، إذ إن الفرق شاسع بين الفيتناميين الذين أعدوا أنفسهم لحرب طويلة مع أميركا؛ دفاعًا عن استقلالهم وحرياتهم وبين العرب، إذ إن هؤلاء في واد والاستعداد للدفاع عن استقلالهم وثرواتهم في واد آخر؛ لأن الدلائل تشير إلى أن مقومات الأمة التي تصمم على الدفاع عن نفسها في وجه الغزاة غير موجودة إن لم نقل مفقودة، فالترف والظلم الاجتماعي، والظلم في توزيع الثروة، والتفكك وإنفاق عائدات النفط في غير الوجوه التي تعد الأمة لتكون على مستوى المعركة التي تتهدد كيانها واستقلالها كل هذا موجود ويحتاج إلى علاج سريع من قبل الحكام والشعوب على السواء، وقبل فوات الأوان حتى لا يأتي على هذه الأمة يوم تندم فيه حيث لا ينفع الندم.
وليس لحكام هذه المنطقة إلا العودة بشعوبهم إلى الإسلام؛ لأن قواعد التربية الإسلامية كفيلة بأن توجد من هذه الأمة أمة على مستوى المعركة وأن تشفيها من الأمراض الاجتماعية التي تعاني منها، فالأيدي المتوضئة هي الأيدي النظيفة التي يمكن أن تنظف كل عمل تقوم به، أما الأيدي الملوثة فلا تزيد ما تلمسه إلا تلوثًا، والقلوب العامرة بالإيمان هي التي تفهم معنى الحرية والكرامة، أما القلوب الخاوية والتي لا هم لها إلا إشباع شهواتها فما أسهل ما تشترى وما أسهل ما تنهزم أمام أول ضربة.
وصدق الله العظيم ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ (النحل:112)
نبيه عبد ربه
قطر- الدوحة
١- عن كتاب «الحياة السرية للورانس العرب».
۲- عن جريدة «الرأي» الأردنية ٢٠ كانون ثاني ١٩٧٥.
الرابط المختصر :
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

