; شعب فطاني المسلم بين فكي الترحيل والإذابة | مجلة المجتمع

العنوان شعب فطاني المسلم بين فكي الترحيل والإذابة

الكاتب أبو الحسن المغربي

تاريخ النشر الثلاثاء 22-يونيو-1976

مشاهدات 12

نشر في العدد 306

نشر في الصفحة 37

الثلاثاء 22-يونيو-1976

لا يزال الحديث عن الاستعمار بشتى صوره وألوانه يشغل حيزًا من وسائل الإعلام ويستأثر باهتمام المؤرخين والباحثين ويشار إليه في توصيات المؤتمرات الدولية التي تبحث في قضايا الإنسان من شتى النواحي.

لقد ابتلي العالم الإسلامي بجميع أنواع الاستعمار العسكري والفكري وما زالت قضايا العالم الإسلامي التي خلفها الاستعمار شغله الشاغل وقد تنقضي فترة طويلة يدفع فيها العالم الإسلامي مزيدًا من الأرواح والأموال حتى تجد هذه القضايا الطريق إلى الحل ويعود الحق إلى نصابه.

فالصراع الدائر في لبنان هو من مخلفات الصليبية التي يعد الاستعمار من أفتك أسلحتها.

 فقضية جزر تيمور خلفها الاستعمار البرتغالي.

 وقضية الفلبين خلفها الاستعمار الإسباني والأمريكي ويمثلها في هذا العصر الطاغية ماركوس وقرينته.

وقضية فلسطين وكشمير وقبرص خلفها الاستعمار الإنجليزي وقضية إرتيريا خلفها الاستعمار الإيطالي والإنجليزي.

 لقد كثر الحديث عن هؤلاء المستعمرين الذين قدموا من الغرب تدفعهم روح صليبية عاتية للقضاء على المسلمين وانتهاب أرض الإسلام وما فيها من خيرات وما تتمتع به من مواقع استراتيجية ولكن العالم ما زال يجهل الكثير عن استعمار شرقي خبيث هو الاستعمار السيامي وسيام هو الاسم القديم لتايلاند.

ففطاني بإقليمها الخصب الذي يمثل الجزء الشمالي لشبه جزيرة الملايو والتي تطل بمينائها الشهير على بحر الصين الجنوبي كانت هدفًا للتوسع السيامي مما عرضها للهجوم السيامي أكثر من مرة إلى أن استطاع السياميون -التايلانديون- الاستيلاء عليها في حملتهم عام ١٧٨٦م.

 ولكي يتحقق لهم الاحتفاظ بهذه الدرة الغالية فقد خططوا لبقائهم بأبشع صورة مجردة من الإنسانية ففضلًا عن النهب والسلب وامتصاص خيرات هذه الإمارة رأوا أن خير وسيلة تفرض وجودهم في فطاني أن تتم عمليات ترحيل كبيرة لسكانها وخاصة الذين تتوفر فيهم صلاحية الجندية والدفاع.

 وتمت الدفعة الأولى من الترحيل حيث تراوح عددها بين أربعة إلى خمسة آلاف نسمة غادرت وطنها الحبيب في عام ۱۷۸۹ متجهة إلى الشمال إلى أرض المستعمر الغاصب ليحال بينها وبين الدفاع عن أرضها ورغم ذلك فقد تمكنت فطاني من إلحاق هزيمة بالمستعمرين وطردتهم فبيتوا لها حملة تتحدث عنها المصادر التاريخية بأنها من أقوى وأكبر الحملات التي تعرضت لها فطاني كان ذلك عام ۱۸۳۱م وفي الحملة تم ترحيل الدفعة الثانية ويبلغ عددها حوالي أربعين ألف نسمة تصور كيف تمت عملية النقل أو التهجير أو الترحيل، لقد تمت بأبشع صورة فقد ربطت الأغلال في أرجلهم وأعناقهم وألقي بهم كسقط المتاع في مراكب بدائية سلكت طريقها بمحاذاة الشاطئ متجهة إلى الشمال فلما وصلت إلى غايتها وزعت هذه الأعداد على جهات متفرقة في أراض خالية حول بانكوك وفي الولايات القريبة منها.

 من غير شك أن هدف الاستعمار السيامي من وراء عمليات التهجير هو إبعاد هذه القوى البشرية عن مجتمعها الحقيقي ثم لتهيئة مناخ جديد لها يفقدها شيئًا فشيئًا روحها الإسلامية ويجعلها تتأثر بصور لا تمت إلى الإسلام بصلة في مجتمعها الجديد الذي يحيا وسط خضم بوذي رغم أن المسلمين في بانكوك والمنطقة الوسطى من تايلاند هم من أحفاد الأسرى الفطانيين إلا أن التنشئة الجديدة فرضت عليهم سلوكًا معينًا وقل منهم من يدرك أبعاد المخطط التايلاندي ضد إخوانهم وأجدادهم المسلمين بفطاني.

ولهذا فحكومة تايلاند تجد من السهل - عليها تنفيذ سياسة أضرب المسلم بالمسلم، ومن هنا كان الخطر الذي تواجهه قضايا التحرير والدعوة والثقافة الإسلامية الأصيلة ينبعث من داخل المجتمع المسلم من أشخاص يحملون أسماء إسلامية بل يتشدقون بأنهم من الدعاة والزعماء وهذا جانب خطير لا يدركه سوى الرجال الذين آثروا الآجلة على العاجلة.

وما دمنا بصدد الحديث عن عمليات التهجير هذه فإن أحد الكتاب الغربيين تكلم عن الرفيق أو البعيد في سيام فذكر من بينهم أسرى الملايو ويقصد بذلك الأسرى الذين قدموا من فطاني.

 ولیست عمليات التهجير هي كل المخطط التايلاندي للقضاء على فطاني وأهلها ففي الوقت الذي كانت تتم فيه عمليات الترحيل للفطانيين كانت هناك عروض مغرية بين البوذيين في المناطق الفقيرة بالشمال الشرقي من تايلاند للهجرة إلى الجنوب أي أن المخطط هو لا تترك الفطاني سعيدًا أو حرًا بل نغص عليه حياته.

 لقد كانت فطاني إسلامية وقل من كان يدين بغير الإسلام من غير أهلها اللهم إلا نسبة ضئيلة لا تتجاوز ۲۰ % فأصبحت الآن لا تقل عن %۱۷ وامتداد لهذه السياسة الخبيثة تفننت تايلاند في وسائل إبعاد المسلمين عن دينهم وتفريق كلمتهم وإشغالهم بالتافه من الأمور، ولهذا فلا غرابة في أن يجهل العالم الإسلامي الكثير عن طبيعة السياسة التايلاندية ومرد هذا كله إلى أسباب كثيرة قد نتعرض لها بالتحليل في أحاديثنا المقبلة.

الرابط المختصر :