العنوان تقارير استخبارتية وأمنية صهيونية تؤكد: عرفات.. المفضل رقم (١) عند الصهاينة
الكاتب عاطف الجولاني
تاريخ النشر الثلاثاء 05-ديسمبر-2000
مشاهدات 15
نشر في العدد 1429
نشر في الصفحة 24
الثلاثاء 05-ديسمبر-2000
هل يسيطر ياسر عرفات بصورة فعلية على الأوضاع داخل مناطق السلطة الفلسطينية؟ وماذا سيحدث إذا انهارت هذه السلطة بفعل الأوضاع القائمة؟ لماذا تلاحق السلطات الصهيونية رموز حركة فتح العسكريين وتقوم بتصفيتهم، وتتجنب في الوقت ذاته المس بعرفات مسؤول الحركة بل وتسمح له بالتحرك بكل حرية خارج الحدود، فيما هي تغلق الضفة والقطاع، بل كل مدينة فلسطينية؟ هل لدى الكيان الصهيوني بديل عن عرفات؟ وكيف يتوقع أن تتطور الأوضاع حال غيابه بصورة مفاجئة في ظل الظروف المتصاعدة؟
هذه الأسئلة كانت مطروحة بقوة على أجندة المسؤولين الصهاينة، ومراكز صنع القرار، ولم يبق النقاش حول هذه التساؤلات مقتصرًا على الأوساط السياسية في الغرف المغلقة، بل خرج إلى العلن.
وقد أظهرت المواقف الصهيونية المعلنة حتى الآن أن أقلية محدودة جدًا تتمنى غياب عرفات في هذه المرحلة الحساسة والدقيقة، فيما تبدي الأوساط الرسمية والمثقفين والسياسيين، قلقًا كبيرًا إزاء احتمالات غياب عرفات وتضعضع سلطته بفعل الأحداث، وهذا القلق ليس منبعه حبهم لعرفات، أو احترامهم له، وإنما خشيتهم من أن يؤدي اختفاؤه عن الساحة إلى تفجر الأوضاع بصورة غير مرغوبة صهيونيًا، كما يخشون أن ينسف غيابه فرصة فرض تصفية القضية الفلسطينية وفق الشروط الصهيونية.
وقد عبرت تقديرات الأوساط السياسية اليهودية عن ذلك صراحة: «ليس ثمة بديل عن عرفات على المدى المنظور، ومن يأتي مكانه سيجد صعوبة في أن يجعل من دولة تمتد على ربع أرض فلسطين حلًا جذابًا ومقبولًا للفلسطينيين، عرفات هو شريك إذن.. عرفات ليس مجرد رقم، إنه رمز يعمل في الواقع المتقلب والذي لا مجال فيه الفرصة ثانية أو ليد لطيفة ورحيمة. ومن أجل الحفاظ على مكانته، فإنه غارق في نشاط متواصل يهدف إلى إعادة تحديد المصالح وتعريفها لتتلاءم مع ظروف الواقع المتغيرة».
المحلل السياسي لصحيفة هاآرتس «عكيفا الدار»، تحدث بأسف عن الخيارات الصهيونية تجاه عرفات، ورأى أن «الاضطرابات الأخيرة زادت من كراهية القيادة الإسرائيلية لعرفات ورغبتها في الخلاص منه، إلا أنها تعلم أنه الوحيد القادر على تمرير التسوية على الشعب الفلسطيني، ولذلك لا بديل عنه».
ويدرك الصهاينة بوضوح أن التوصل لحل سياسي للصراع مع الفلسطينيين لن يكون سهلًا في ظل قيادة أخرى لا تملك رمزية عرفات وقدرته على تمرير التنازلات، وقد استعرض بعضهم الأسماء البديلة المرشحة لخلافة ياسر عرفات وأبرزها محمود عباس «أبو مازن» الرجل الثاني في المنظمة والسلطة، وأحمد قريع «أبو العلاء» رئيس المجلس التشريعي، وتوصل إلى نتيجة مفادها أن كلا الشخصين ليس مؤهلًا ليكون بديلًا عن عرفات، لا من حيث القوة والقدرة على اتخاذ القرارات ومواجهة الشعب، ولا من حيث الوضع الصحي فكلاهما أكثر مرضًا من عرفات، فأبو مازن أصيب بسرطان البروستاتا واضطر للاختفاء ببيته بعد أن قذفت نساء فلسطينيات منزله بالحجارة قبل نحو عامين حينما فشل في إطلاق سراح المعتقلين في جولات المفاوضات التي قادها، أما أبو العلاء فهو - وفق المصادر اليهودية - مصاب بمرض صعب في القلب.
ماذا لو انهارت السلطة؟
يطرح الصهاينة احتمالات صعبة للأوضاع التي يمكن أن تترتب على انهيار سلطة عرفات.
«إذا انهارت السلطة الفلسطينية جراء الضغط العسكري والاقتصادي الإسرائيلي، سيضطر ياسر عرفات وكبار السلطة للهرب إلى الدول العربية، وستسيطر على الشارع الفلسطيني مليشيات مسلحة تقاتل ضد بعضها، وتتنافس فيما بينها على المس بالصهاينة من أجل الفوز بالقيادة، ولن تستطيع أي من المنظمات السياسية الكبيرة - فتح وحماس - إدارة المفاوضات مع إسرائيل أو مع أي جهة أخرى، وذلك لأن العصابات والمليشيات المسلحة لن توافق على ما اتفقت عليه هذه المنظمة أو تلك. وباختصار، وضع يشبه الوضع الذي ساد في لبنان أثناء الحرب الأهلية في سنوات السبعين، ويسود الآن في أفغانستان، ولن يكون في نهاية الأمر للكيان الصهيوني أي خيار، فهو إما أن يوافق على قوة شرطية متعددة الجنسية تدخل إلى المناطق وتسيطر عليها، أو أن يضطر الجيش إلى إعادة السيطرة على مناطق السلطة.
وقد حذرت أجهزة المخابرات الصهيونية والأمريكية من مغبة الوصول إلى مثل هذا الوضع الخطير، وانطلاقًا من ذلك نصحوا بعدم تقويض سلطة عرفات، ولا سيما أن التقديرات لدى هذه الأجهزة أن قبضة عرفات وسيطرته على الشارع الفلسطيني تراجعت كثيرًا في ظل الانتفاضة الحالية.
وانطلاقًا من ذلك، طرحت هذه الأجهزة تساؤلًا: هل يستطيع عرفات وقف الانتفاضة وضبط الشارع إذا أراد ذلك؟
مصدر صهيوني كبير قال الشارع الفلسطيني: يقود الانتفاضة الحالية، وعرفات يضطر إلى الالتحاق بركبها.. في بعض الأحيان يبدو أن القيادة الفلسطينية الرسمية توقفت عن القيادة، حيث لا نكاد نسمع الشخصيات الكبيرة التي كانت تترأس المفاوضات السياسية في السنوات الأخيرة، حيث حي أخلى أبو مازن وأبو العلاء وباقي الناطقين باسم عرفات الساحة للأبطال الجدد الذين يسمون برجال الميدان»، ويخلص هذا المصدر إلى استنتاج أن الطابع الشعبي للانتفاضة الحالية يعد باستمرارها لوقت طويل، ومن الصعب إيجاد حل لها، كان من الممكن أن يكون الوضع أفضل لو أن عرفات ورجاله يسيطرون على الأمور حيث من الممكن في هذه الحالة التعلق بأمل أن الضغط عليهم يؤدي إلى اتخاذ قرارات ملائمة، ولكن ليس لعرفات ورجاله الآن الكثير من الخيارات، وهم يلتحقون بركب الانتفاضة التي يقودها الشارع». ويستشهد هذا المصدر السياسي في تأكيد استنتاجاته بالجهود التي بذلها عرفات والبيانات الرسمية التي أصدرتها السلطة، حيث أعلنت منع حمل الأسلحة وإطلاق الرصاص في المظاهرات أو من داخل مناطق السلطة، وكذلك حاول أفراد الشرطة منع المتظاهرين من الوصول إلى نقاط التماس، ولكن هذا المصدر يقول: «لم يمتثل المتظاهرون للأوامر، وفي نهاية الأمر يتنازل أفراد الشرطة، ليس هذا تمثيلًا مسرحيًا ولا خدعة من عرفات، وحين يتأكد هو «عرفات» ورجاله من أنهم لا يستطيعون تهدئة الأوضاع، فإنهم ينضمون إلى الاضطرابات».
وتشير تقديرات المخابرات الصهيونية إلى أن صعوبة الأوضاع التي يواجهها عرفات في التعامل مع الانتفاضة، مردها إلى أمرين:
الأول: الخشية من ردة فعل الشارع الفلسطيني الغاضب، وما سيجره ذلك من آثار سلبية على شعبية عرفات.
والثاني: خشية عرفات من ردة فعل التنظيم وهي التسمية التي يطلقها الصهاينة على حركة فتح.
ووفق المخابرات الصهيونية، فإن عرفات يدرك أن الشارع و«التنظيم»، وقبل ذلك القوى السياسية المعارضة وفي مقدمتها حماس، لا يريدون وقف الانتفاضة، ولذلك توصل إلى استنتاج مفاده، أنه لا يمكن اليوم أن يسمح لنفسه بمثل هذه الخطوة، وتضيف الأوساط الأمنية الصهيونية: «عندما يقال إن عرفات هو فنان البقاء، فإن هذا يشمل من ناحيته تحقيق شرعية داخلية لزعامته من الشارع وبشكل عام، ويحتمل أن يكون عرفات يخشى رد فعل التنظيم إذا ما أمر بوقف الصدام دون إنجاز حقيقي...
ولكن حتى لو انصاع التنظيم لأمر عرفات بوقف النار، فإن التقدير لدى حركة فتح هو أن حماس ستحتل مكانه...»
وتشير تقارير المخابرات الصهيونية إلى أن صراعًا يحتدم هذه الأيام بين معسكرين داخل السلطة، الأول يمثله القادة الميدانيون من جيل الانتفاضة الأول، والثاني من يسميهم الصهاينة وبعض رموز فتح الميدانيين ب «جماعة تونس»، الذين حضروا مع عرفات إلى الداخل قبل ست سنوات، واحتلوا المناصب داخل السلطة، وتقول المصادر الصهيونية نفسها: إن قادة فتح الميدانيين يشعرون بأنهم دفعوا ثمنًا باهظًا بما فيه حياة رفاقهم وأقاربهم لسنوات طويلة، وأنهم هم الذين شقوا الطريق لدخول عرفات ورجاله للأراضي الفلسطينية، و«الآن يعيد رجال الداخل زمام المبادرة إلى أيديهم، حيث إن مجموعات - مسلحة أعضاء مليشيات، يتلقون بصعوبة الأوامر من الغير ثمة أيضًا ما يشبه القطيعة بين المؤسسات الرسمية للسلطة، وبين القيادة المؤقتة للانتفاضة، ومن الواضح أن السلطة الفلسطينية فقدت الكثير من صلاحيتها»..
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل