العنوان الدول الخليجية وسياسة الاحتواء المزدوج
الكاتب د. محمد البصيري
تاريخ النشر الثلاثاء 21-ديسمبر-1993
مشاهدات 20
نشر في العدد 1080
نشر في الصفحة 66
الثلاثاء 21-ديسمبر-1993
- اتفاقية «فرساي» بعد الحرب العالمية الأولى استبعدت ألمانيا والاتحاد السوفياتي من التسوية فلم تصمد لأكثر من عشرين عامًا
يبدو أن النظام العراقي يحقق نجاحات في كسر عزلته الدولية، ومحاولة الخروج من مأزق الحصار الاقتصادي المفروض عليه، والمتتبع لتحركات عراب السياسة الخارجية للنظام العراقي ومفتاحه لدى الدول الغربية طارق عزيز حنا- يلحظ -بدون أدنى شك- أن هذه التحركات والزيارات المتكررة للدول الأوروبية الرئيسية ومقر الأمم المتحدة بنيويورك قد بدأت تؤتي ثمارها، وتظهر بعض ملامح نجاحاتها، فهذه الشركات الغربية وبالذات الفرنسية تتهافت للقاء طارق عزيز، وممثلي النظام العراقي في فرنسا، وفي سويسرا، وتتسابق محاولة الفوز بنصيب من العقود والصفقات في العراق بعد رفع الحصار، بل إن أحد الدبلوماسيين الخليجيين في العاصمة الأمريكية واشنطن يذكر بأن الخبراء القانونيين الفرنسيين أوحوا للنظام العراقي من خلال ممثليه بقبول نظام المراقبة طويلة المدى لفرق التفتيش التابعة للأمم المتحدة، وبذلك تنتفى مبررات استمرار الحصار الاقتصادي من الناحية القانونية، ويمكن للعراق من بعدها المطالبة بفك الحصار، وهذا هو ما حصل بالفعل.
والحقيقة المرة التي يجب أن نعيها ونستعد لمواجهتها نحن الكويتيين خاصة، والخليجيين على وجه العموم- هو أن الحصار سيرفع عن النظام العراقي عاجلًا أم آجلًا، ولا يزال هذا النظام بقيادة الطاغية صدام يعيش في أحلام وأوهام العظمة، ويعيث في الأرض الفساد، ويردد شعاراته وخزعبلاته، ويجد من يصدقه ويصفق له.
إنه لمن الضرورة بمكان أن تبدأ الدول الخليجية في رسم إستراتيجيتها الأمنية الإقليمية في ظل المستجدات والمتغيرات السياسية المتلاحقة في منطقة الخليج، ولا بد من التفكير الجدي في كيفية التعامل مع القوة الإقليمية في المنطقة، وسياسة التجاهل والحرب الباردة لن تجلب الأمن والاستقرار للمنطقة، بل على العكس من ذلك ستظل المنطقة بؤرة توتر واضطراب وقلاقل تستنزف الثروات، وتعيق فرص التنمية والازدهار.
إن سياسة الاحتواء المزدوج التي تنتهجها الولايات المتحدة يجب أن لا تلقي بظلالها على سياسات الدول الخليجية وخططها الأمنية؛ فالاحتواء المزودج وضعت من قبل «مارتن انديك» المدير السابق لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ويشغل حاليًا مسئولية شئون الشرق الأدنى وجنوب آسيا في مجلس الأمن القومي، وهي سياسة تحقق مصالح الولايات المتحدة من خلال العزل التام للعراق وإيران، إلا أن هذه السياسة تواجه معارضة شديدة من بعض الدول الأوروبية الرئيسية، فقد ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» في الحادي عشر من يونيو الماضي أن كريستوفر واجه معارضة قوية لسياسة الاحتواء من فرنسا وألمانيا وإيطاليا، بل إن بعض وسائل إعلام المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة تميل إلى تأييد الرأي الأوروبي، وترى أوروبا واليابان وكندا، أن السياسة الأمريكية تجبر إيران والعراق على دخول مواجهة منسقة ومتعاونة ضد الغرب.
فإذا كان هذا هو حال الدول الغربية في سياساتها الأمنية المبنية على مصالحهم الاقتصادية في المنطقة، فمن باب أولى أن تكون للدول الخليجية سياسة موحدة ومنسقة مع هاتين الدولتين، ومبنية على المصالح المشتركة في حفظ أمن واستقرار دول المنطقة، واحترام مبدأ السيادة والاستقلالية، وعدم التدخل في الشئون الداخلية.
إن الوضع الحالي باستبعاد هاتين الدولتين من أي ترتيبات أمنية وضع غير صحيح ومحفوف بالمخاطر، فالتاريخ يذكر أن اتفاقية «فرساي»، بعد الحرب العالمية الأولى استبعدت ألمانيا والاتحاد السوفيتي من التسوية فلم تصمد هذه الاتفاقية لأكثر من عشرين عامًا منها بضع سنوات كانت مقدمة للحرب العالمية الثانية.
وأخيرًا أرجو أن لا يفهم مما فات أن تتبع الدول الخليجية وخاصة الكويت مقولة عفا الله عما سلف، فلقد أوریقت دماء بريئة، وانتهكت أعراض شريفة، وسلبت وسرقت أموال طائلة، ولا يزال هناك أكثر من (٦٢٨) أسيرًا كويتيًا في سجون طاغية العراق، فلا بد من رد الحقوق إلى أهلها، ورفع الظلم، وإيقاع القصاص بالقتلة والمجرمين المسؤولين وأتباعهم من الغوغاء المنفذين.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل