العنوان الأصولية والتطرف: حملة لتشويه صورة الإسلام والمسلمين
الكاتب مانع حماد الجهنى
تاريخ النشر الثلاثاء 20-يوليو-1993
مشاهدات 748
نشر في العدد 1058
نشر في الصفحة 38

الثلاثاء 20-يوليو-1993
يلاحظ المتابع كثرة تردد مصطلحات «الأصولية- الإرهاب- التطرف» في وسائل الإعلام العالمية؛ وحتى الإسلامية وربطها في غالب الأحيان بالإسلام والمسلمين والحركات الإسلامية، وقد بدأ هذا النهج في العالم الغربي منذ زمن وارتبط بنهاية الحرب الباردة، ثم ازداد مؤخرًا بشكل ملفت للنظر، ومن الملاحظ أن ذلك كله قد رددته وسائل الإعلام الإسلامية في تبعية مؤسفة.
ولخطورة هذه القضية وما يترتب عليها من آثار كان لابد من طرحها على المهتمين وصانعي القرار في العالم الإسلامي وعلى المفكرين والدعاة؛ حتى لا تنجرف وسائل إعلام الدول الإسلامية مع هذا التيار، وحتى يتمكن عقلاء الأمة الإسلامية من توعية المسلمين بهذا الخطر، ومحاولة منع تحقيق الأهداف التي يراد تحقيقها من هذه الهجمة.
لقد بدأ استخدام مصطلح الأصولية في الغرب في بداية القرن العشرين؛ حيث أطلق من الأمريكيين البروتستانت، والتي كانت تعارض الليبرالية، وتعتقد بضرورة الاحتكام إلى مصدر ديني للسلطة.
كما أطلق أيضًا على مجموعة من الأمريكيين الكاثوليك، «انظر كتاب الأصولية منظور مقارن ۱۹۹۲ باللغة الإنجليزية» ثم انحسر استعمال هذا المصطلح وكاد أن يقتصر على المسلمين فقط، وقد استغل الإعلام أخطاء بعض المسلمين. واستطاع أن يربط بين الأصولية الإسلامية والتطرف والإرهاب، واستمر هذا المنحنى بطريقة مبرمجة؛ كي لا ينظر العالم إلى المسلمين كمسلمين، بل كإرهابين ومتطرفين؛ لأنهم أصوليين، وقد أشار الكاتب الأمريكي إدوارد سعيد في كتاب «الثقافة والإمبريالية»، إلى أن إصرار الإعلام الغربي على الإشارة للمسلمين بالأصولية ومشابهها يقصد منه تشويه صورتهم؛ لأن الأصولية مرتبطة بالإرهاب في العقل الغربي، ومن ثم يرتبط الإسلام بالإرهاب تبعًا لذلك.
وأوضح من أن هذا كله أن هذه الحملة الإعلامية هي في مصلحة الغرب وبالذات اليهود الذين يسيطرون على الإعلام العالمي «ذكر كثير من الكتاب دور الاستخبارات الإسرائيلية في هذه الحملة، ومنهم فهمي هويدي «المجلة (141) وعرفان نظام الدين الحياة (١١٠١٨) وآخرين»
ومن البديهي أن هذه الحملة ليست من مصلحة العالم الإسلامي الذي يحاول أن يكون له وجود سياسي فعال، كما أن هذا التشويه لا يقتصر على المتطرفين فعلًا، بل يربط كل عربي ومسلم في ذهن الفرد الغربي. فعلى سبيل المثال ربطت صورة العربي في أفلام مشهورة بهذه الصفات مثل فیلم «علاء الدين»، وفيلم «كأجني ولايسي» وفيلم «ماكلاود»، التي تظهر العربي بصورة الغليظ المتوحش الهمجي، بل إن بعض التعليقات الغربية لتصرح بهذا فقد صرح هنري كيسنجر في يونيو «حزيران» ١٩٩٢ «لا يمكن في الحقيقة تصديق أي كلمة يقولها عربي» وغير هذا كثير؛ ولهذا كان من الخطأ الفادح أن يقع الإعلام العربي والإسلامي في هذا الفخ دون وعي ونظر أعمق لرؤية من هم خلف هذه الحملة.
إن الموقف الصحي هو أن الاعتراف بأن وجود متطرفين أو إرهابيين في العالم الإسلامي والعربي ولكن هذا ليس دائمًا مربوطًا بإسلامهم فقد ينتج الإرهاب عن النار الذي لا يزال معتبرًا في كثير من البلدان الإسلامية، وقد يكون من فعل فاعل له مصلحة من إثارة البلبلة كالاستخبارات المعادية أو بعض من ينتسبون للإسلام، ولكنهم غالوا فيه فوقعوا في الخطأ، ويجب أن يتبين أن هؤلاء ليسوا غالبية في المجتمعات الإسلامية؛ بل ولا في الحركات الإسلامية التي أدانت حوادث قتل الأبرياء والمعاهدين، ولا يصح أن يربط اسمعهم بالإسلام؛ لأن هذا اتهام للإسلام والمسلمين في كل مكان، ويعلم الجميع أن الإسلام يرفض كثيرًا ما يحدث الآن في البلاد الإسلامية من قتل الأبرياء وسفك الدماء، وأن من أهم أسس الدعوة في الإسلام قوله تعالى: ﴿وجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (النحل: ١٢٥).
ولذلك من الواضح جدًّا أن سقوط هؤلاء في العمل الإرهابي ليس نتيجة لتمسكهم بالإسلام، ولكنه بسب عوامل أخرى متعددة يطول سردها: نتيجة الظلم الواقع عليهم وعلى المجتمعات الإسلامية من الخارج والداخل والإحباط الناتج عن غياب التطبيق الصحيح للشريعة، هذا بالإضافة إلى ضعف العلم الشرعي، وغياب الفهم الواعي لمقاصد الإسلام،
ومن الواضح أن الجهات التي تقف وراء حملة الأصولية والتطرف تمارس إهمالًا كاملًا لكل صور التطرف غير الإسلامية مثل تطرف الصرب في البوسنة وإرهابهم وقتلهم الآلاف فقلما يشار إلى أنهم إرهابيين أو أصوليين أرثوذكس.
تطرف السيخ والهندوس في الهند، وهذا يشار إليه على أنه نزاع ديني ولا يوصف بالتطرف أو الإرهاب
تطرف وإرهاب الجيش الإيرلندي الذي دائمًا ما يشار إليه بأنه عمل «الانفصاليين الإيرانيين» فقط، دون وصفهم بالأصوليين والإرهاب، رغم أنهم كاثوليك متعصبون
تطرف اليهود وإرهابهم للعرب في فلسطين المحتلة، ومساعي متعصبي اليهود إلى هدم المسجد الأقصى، ورفض كل ما هو غير يهودي وهذا يوحي بأن المسألة عداء لكل ما هو مسلم وإسلامي سواء تطرف أم أعتدل
وهنا لابد من الإشارة إلى أن حل مشكلة التطرف إن صحت التسمية تبدأ بدراسة شاملة لهذه المشكلة وتوضيح وأسبابها كي يتم القضاء عليها من جذورها بالقضاء على أسبابها لا لإخمادها في فترة لتظهر في فترة أخرى.
وأخيرًا نود أن نشير إلى أن هناك خطوات عملية يمكن أن تسهم في مكافحة هذه الظاهرة الخطيرة التي يقصد بها تشويه صورة المسلمين ومنها:
١-فتح المجال أمام بث مفهوم الإسلام الصحيح بين المسلمين وغيرهم.
٢-توظيف الإذاعات وأجهزة التلفزيون الناطقة باللغات الغربية في تصحيح صورة الدين الإسلامي والأفراد المسلمين من خلال برامج مدعومة من الدول الإسلامية.
3-عدم الانسياق وراء الدعاية الإعلامية الغربية. والتمييز بين المتطرفين وغيرهم.
4-الحرص على وجود العمل حتى مع هؤلاء المخالفين لأن هذا يزيد من ثقة المسلمين في حكامهم ويقلل من زيادة تيار العنف.
5- أن تتبني الدول الإسلامية منهجًا متكاملًا للحياة وتعطي فرصة للمفكرين الواعين والجمعيات الإسلامية المعتدلة لعرض الإسلام بشموله وسماحته وعدم تبني المنهج الذي يمنع تأسيس الأحزاب الإسلامية بحج علا يمكن قبولها في بلاد المسلمين.
٦-أن تفهم الدول الغربية ومؤسساتها أن ما يظهر من عداء ضد بعض الدول من قبل بعض أفراد المسلمين هو نتيجة لسياسة تلك الدول المنحازة تجاه إسرائيل والتعامل غير العادل مع القضايا الإسلامية.
7-يجب أن تدرك الدول الإسلامية أن هذه الحملة موجهة في نهاية المطاف إلى كل من التزم قليلًا أو كثيرًا وبالتالي ينبغي التصدي لها قبل استعمال الأمر وتشمل الجميع ممن يقن أنه الآن يظن أنه الآن يمحني هذا الوصف.
---------------------------
* قدمت هذه الورقة إلى مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية الذي عقد في كراتشي في 25-4-1993.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

«الإرهاب» في القانون الدولي والشريعة الإسلامية.. إشكالية المفهوم
نشر في العدد 2110
95
الثلاثاء 01-أغسطس-2017
