العنوان شاعر الأقصى يوسف العظم.. منهجية أصيلة في النظر لقضايا الأمة
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر السبت 25-أغسطس-2007
مشاهدات 16
نشر في العدد 1766
نشر في الصفحة 45
السبت 25-أغسطس-2007
فقدتْ الأمة الإسلامية يوم ٢٩ يوليو الماضي عَلمًا من أعلام الدعوة والفكر والشعر والسّياسة والتربية، وهو الفارس الذي اشتقَّ اسمه وسيرته من العظمة «يوسف العظم».
وقد قابلتُ هذا المفكر العظيم والشاعر المبدع والداعية الشّهم الغيور على الأمة لأوَّل مرة من خلال كتابه «المنهزمون»، ووجدتُ فكرًا ناضجًا، وعقلًا مفتوحًا، وأصالةً في التفكير والتعبير، ولا أُخفِي عليكم أنِّي فوجئت به وهو يتكلم عن القضية الكردية في العراق في هذا الكتاب بطريقةٍ مغايرةٍ لما اعتدنا عليه من المفكرين المسلمين العرب، وفي وقتٍ مبكر قياسًا بملابسات القضية وتعقيدها وتداخلها، وقياسًا لحجم الدعاية التي كانتْ ترافق تحرُّكات الحكومات العراقية بخصوص هذه القضية وإجراءاتها ضدَّها، ووصمهم الكرد دومًا بأنَّهم متمردون على الدين والوطن معًا؛ كونهم اعتنقوا الشيوعية والإلحاد في الوقت الذي يطالبون باستقلالهم، وانفصالهم عن العراق.
وجدتُ أنَّ الشيخ الجليل والسِّياسي النَّابه يتفطَّن للحقيقة ويعرض القضية كما هي دون تأثر بالتدليس والدعاية الرسمية.
بقيَتْ هذه المسألة عندي لُغزًا دون تفسير كامل لتعذُّر لقاء الرجل وسؤاله، حتى وفقني الله لزيارة الأردن لأول مرة في شتاء عام ١٩٩٤م، وقدَّر الله لي أن أسعد بمقابلته.
وزاد إعجابي به حين قال: القضيَّة الكردية قضيَّة شعبٍ مسلمٍ وهي عادلة عندي، ودافعتُ عنها في كتابي «المنهزمون»، وقلتُ: إنَّ الكرد شعب من خيار الشعوب الإسلامية، وقد ساهم مساهمة مشهودة على جميع المستويات في نهضة الأمة الإسلامية، وأنَّه ليس مرتدًا ولا انفصاليًا، ولا يستحقُّ هذا الظلم والتقتيل والتشريد والحرمان، وأنَّ المسؤولين عن تفجير هذه القضية هم من يفكرون بعقليةٍ جاهليةٍ عربية وعصبية مرفوضة في المنهج الإسلامي، ولا ينبغي أن نجعل من الضحيّة جانيًا وجلادًا.
وأضاف: «ولكن هذا الموقف عندي تابع من منهجية أتبعها في دراستي للقضايا والأحداث ما استطعتُ، وتتلخص في الاحتكاك والتَّواصل المباشر مع القضية دون السَّماع عنها من الآخرين، وهذا ما قمتُ به عن القضية الكردية، وذلك أنِّي في الستينيات لما كانتْ الثورة الكردية قائمة على أشُدِّها، وكانتْ الثورة تسيطر على معظم المنطقة الشمالية الكردية، ذهبتُ إلى هناك مع زوجتي في رحلة سياحةٍ واستطلاع، مستغلًا فترة هدنة كانتْ قائمة، وكان همي الأول في هذه الرحلة التعرف على هذا الشعب وقضيته ومحاورة أهله ومعايشتهم من قُرب».
وأضاف: حذَّرني الكثيرون من هذه الرحلة، وخوّفوني من هذا الشعب وتلك الثورة، وأرادوا منعي، وقالوا: إنَّ الكرد لن يسمحوا لك وأنتَ عربي، وربما اعتقلوك بحجةٍ أو بأخرى، وتتعرُّض للمتاعب، ولكنّي كنتُ مصممًا ومطمئنًا، وأخذتُ سيارةً ووصلتُ تلك المناطق، ووجدت- على العكس- ترحيبًا وضيافة وأمنًا.
واستطرد قائلًا: وجدتُ الكثير من الشواهد والأدلة الكافية الدالة على أصالة هذا الشعب وكرمه، وتديُّنه القوي، وحرصه على الأخوة الإسلامية وبساطته وقربه من الفطرة، وحبه للمسلمين.
كما وجدتُ- أيضًا- شواهد عدَّة، وأدلة على ما يتعرض له من ويلات ومظالم بشعة تمارَس ضده من جميع الحكومات التي تفتقد النظرة الإسلامية الصـحيحة والعدالة الإنسانية، فكان لزامًا عليّ أن أكون صادقًا في نقل هذه الرؤية للمسلمين من خلال تلك الكتابة المتواضعة.
تواضع وأخلاق عالية: كنتُ أحبُّ الرجل من خلال معرفتي ببعض عطائه وسيرته، وازداد حبي له عندما قابلته وتعرفتُ عليه من قرب، وكنتُ أظنُّ أنَّ هذا الرجل وأمثاله من الرجال أصحاب العلم والمكانة السياسية والاجتماعية، لا يستطيعون الإيفاء بمتطلبات الضيافة، وخصوصًا في منازلهم لكثرة انشغالهم- وضيق وقتهم، لكنّي فوجئتُ بالشيخ يتَّصل بالبيت ويقول: معي ضيف عزيز، ماذا عندنا لكي أصطحبه معي؟ وشرَّفني بدعوتي لبيته، وأخذني بسيارته، وكان- يرحمه الله- أثناء الطريق يصف لي معالم من عمان نمرُّ عليها، وأطال المكوث معي، وكأنَّه كان- من خلال تكريمه لي- يريد أن يكرِّم شعبًا ودعوة وقضية.
هدية قيمة: ولم يكتفِ بذلك، وإنّما بادر إلى خزانة ملابسه الخاصة، وقال لي: «يا فلان، أنا لا أملك وقتًا كافيًا لأنزل معك للتسوُّق وأشتري لك هدية، ولكن هذه بدلة لي فصلتها قريبًا، وأظنُّ أنها جميلةٌ وتناسيك، ومن خير ما عندي، ولم ألبسها سوى مرة واحدة أرجو أن تقبلها مني هدية». وقبلتُها وإعجابي بأخلاقه يزيد مع هذه اللمسات الإنسانية التي كنتُ أراها، وذوقه، وكرمه مع شاب لم يكن أكمل البكالوريوس، ولم يتجاوز عمره في ذلك الوقت ٢٤ سنة، وليس معروفًا ولا يحمل حتّى رسالةً أو توصيةً من أحدٍ، ومع ذلك وجد كل هذه الحفاوة والتكريم والترحيب من يوسف العظم العالم والشاعر والسياسي والذي دخل عضوًا في البرلمان في الخمسينيات «أي قبل ولادتي بما يقرب من عشرين سنة» ثم في الثمانينيات، ثم أصبح وزيرًا في بلده وكانتْ شهرته كانت تملأ الآفاق!
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
الشيخ المجاهد محمد محمود الصواف (1) قصة قائد الجماعة العراقية
نشر في العدد 2111
54
الجمعة 01-سبتمبر-2017