العنوان الإسلام والكونجرس الحلقة (26) أرصدة الإسلاميين في حسابات السياسة الأمريكي
الكاتب أحمد إبراهيم خضر
تاريخ النشر الثلاثاء 21-نوفمبر-1989
مشاهدات 747
نشر في العدد 942
نشر في الصفحة 39

الثلاثاء 21-نوفمبر-1989
- الشباب المسلم الذي استوعب الثقافة الأمريكية أقل قلقًا من غيره
حول التهديد الأمريكي.
- الأمريكيون يصعب عليهم تأييد حكومة تجلد شارب الخمر أو تقطع يد
السارق أو ترجم الزاني!
انتهينا في الحلقتين السابقتين من عرض وتحليل المذكرة الملحقة باجتماعات لجنة أوروبا والشرق الأوسط التي أعدها الدكتور جون سبوسيتو، وقد قسمنا هذه المذكرة إلى قسمين تناولنا في القسم الأول الرصد الأمريكي لما يسمونه بحركات النشطين الإسلاميين من مصر إلى ماليزيا وتناولنا في القسم الثاني ما أطلقنا عليه بالأسلمة المعلقة على شرط أمريكي.
أما هذه الحلقة فإننا سنخصصها للمذكرة رقم (١٤) التي أعدها للجنة «دانييل باييز» الزميل الزائر بمركز جامعة هارفارد لدراسات الشرق الأوسط والتي تحمل عنوان المسلمون «الأصوليون وسياسة الولايات المتحدة».
بالرغم من أن «دانيل باييز» ليس بشخصية عادية فقد لاحظنا أنه لم يستدع كشاهد أمام اللجنة ولم يذكر مطلقًا في مذكرته أنه كان مستشارًا سابقًا بالخارجية الأمريكية. وقد وقفنا على ذلك في ثنايا مقالة للصحفي الأمريكي «دافيد سبانير» عن الاتجاهات الإسلامية وما أسماه «بالمؤمنين والمناطق العمياء» ذكر فيها في ط ۳۳ «أن السيد باييز خدم لفترة من الوقت كمستشار للخارجية الأمريكية». وفي مقالة أخرى لباييز بعنوان «الأصوليون الإسلاميون بين أمريكا وروسيا» تبين أنه مديرًا لمؤسسة بحوث السياسة الخارجية في فيلاديلفيا ورئيس تحرير المجلة اليهودية الشهيرة «ORBIS». كما تبين لنا أيضًا من مقاله لباييز بعنوان «سياسة المسلمين المعادية للسامية» في المجلة اليهودية المعروفة «COMMENTARY» أنه مرتبط بجامعة شيكاغو وأنه مؤلف كتاب «الإسلام والجنود العبيد» الذي طبعته جامعة بيل.
مذكرة هامة
وتعتبر المذكرة التي سنعرض لها اليوم مذكرة هامة للغاية ليس بسبب أهمية شخصية كاتبها فقط وإنما لخطورة الموضوعات والقضايا التي تناولتها وهي على النحو التالي:
(1) حددت المذكرة التعامل مع الإسلاميين وفقًا لموقف حكوماتهم من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. فالتعامل مع الأصوليين في دول تحميها الولايات المتحدة يختلف عن التعامل مع تلك التي يحميها الاتحاد السوفيتي وتلك التي تسمى بالدول المحايدة.
(2) تحدث باييز في المذكرة عما يسميه بالإسلام التقليدي وكيف أن علماء الدين يصدرون الفتاوى التي تلتف حول الشريعة الإسلامية وخاصة فيا يتعلق بمسألة الربا «ولعل ما حدث أخيرًا من مفتي مصر في 7/9/1989حول فوائد شهادات الديون تدخل تحت تحليلات باييز». أثنى باييز بشدة على هذا الإسلام التقليدي ووصف رجاله بأنهم عمليون يعترفون بالضعف الإنساني ولا يطلبون الكمال وقال: إنهم نجحوا في صياغة طريقة ميسرة للحياة ظلت لمئات من السنين دون أي تغيير أساسي.
(3) قسم باييز المسلمين إلى ثلاث فئات: علمانيون وإصلاحيون وأصوليون وبين أن المشكلة الأساسية للولايات المتحدة هي مع الفئة الثالثة لأن للفئتين الأوليين لا ترفضان الولايات المتحدة ولا الثقافة الغربية بالرغم من أنه قد وضع يده بدقة على مصادر التهديد التي تمثلها الثقافة الغربية على الإسلام والمسلمين.
(4) كشف باييز كيف أن قادة الحكومات الإسلامية الذين يطلبون المساعدة الأمريكية لمحاربة الأصوليين قد أصابهم العمى عن ردود فعل الأصوليين لهذه المساعدة، ونبه صانعي السياسة الأمريكية إلى أن تحديد علاقة هؤلاء القادة بالولايات المتحدة يجب ألا يترك لهم- أي القادة- وأن يكون في هذا الصدد أمريكيا بحتًا مهما ارتموا في الأحضان الأمريكية.
(5) أشار باييز إلى ضرورة أن تكون علاقات الولايات المتحدة مع الأنظمة الإسلامية الصديقة لها علاقات مكتومة وغير ظاهرة.
(6) بين لماذا تعارض الولايات المتحدة قضية تطبيق الشريعة..
(7) كشف باييز عن تقسيمات وضعت لفئات المجاهدين في أفغانستان. المجاهدون عنده إما أصوليون أو غير أصوليين ورأى أن المساعدات الأمريكية يجب أن تعطى لما يسميهم بالمجاهدين من غير الأصوليين.
(8) كشف عن الحالات التي يجب على الولايات المتحدة أن تقدم فيها مساعداتها للإخوان المسلمين (وهذه مسألة مهمة تحتاج إلى مزيد من التمعن).
(9) کشف باییز دون تفصيل واف عن هذه البلد الإسلامية التي انتقل إليها أعضاء وهيئة أكبر سفارة أمريكية في العالم.
الرؤية التي طرحها باييز:
وسنعرض هنا مذكرة «باييز» بترتيب ما جاء فيها.
أولًا: الأصوليون كقوة عظمى:
برز الأصوليون الإسلاميون في السنوات الأخيرة كقوة سياسية عظمى في الشرق الأوسط وفي إفريقيا وفي آسيا.
ثانيًا: المكاسب والخسائر التي تجنيها أمريكا من أنشطة الأصوليين:
«وبالرغم من أن أنشطتهم تحقق مزايا للولايات المتحدة -كما هو الحال في الحرب الأهلية الأفغانية- فإنها غالبًا ما تعرض المصالح الأمريكية للخطر. إنهم الأصوليون الذين أطاحوا بالأنظمة الموالية للغرب وهم الذين اغتالوا السادات. وظهور قوة الأصوليين بالإضافة إلى عدائهم الدفين للولايات المتحدة يجبر الحكومة الأمريكية على اتخاذ الخطوات الموجهة لطريقة التعامل معهم».
ثالثًا: الخطوط العامة الموجهة للتعامل مع الأصوليين:
1- بالنسبة للحكومات الإسلامية الصديقة للولايات المتحدة كمصر والسودان والمغرب وباکستان وغيرها.
أ- يجب ألا تقدم أي مساعدة للأصوليين في جبهة المعارضة.
إن اتصال الولايات المتحدة بهم يساعد بالطبع على تفهم وجهات نظرهم وتحجيم تأثيرهم ولكن يجب ألا تقدم أي مساعدة لهم.
ب- يجب أن نثني الحكومات الإسلامية التي تتعامل معهم عن إشراكهم في الحكومة أو تطبيق برامجهم لأن هذا يؤدي إلى عدم استقرار وإلى ظهور سیاسات معادية للأمريكيين.
ج- يجب التقليل من ظهور صلة الولايات المتحدة بالحكومات الإسلامية التي توجد بها حركة أصولية قوية وأن تعتمد على التعاون الكتوم والعلاقات غير ظاهرة.
2- بالنسبة للحكومات التي يحميها السوفييت بما فيها ليبيا وسوريا وأفغانستان.
أ- تساعد الجماعات الأصولية ولكن مع حذر كبير وكملاذ أخير.
ب- لا نساعد إنشاء جماعات أصولية كبديل أساسي معارض للسوفييت.
ج- تقدم المساعدة الجماعات المعارضة- غير الأصولية- تلك الجماعات التي تنتظم في أنشطة معادية للأنظمة التي يحميها السوفييت.
3- بالنسبة للحكومات المحايدة (ويقصد بها إيران): يجب أن نقنع هذه الحكومات أن الولايات المتحدة أقل خطرًا عليها من الاتحاد السوفيتي.
الحركات في ١٣ دولة:
رابعًا: الحركات الأصولية في ثلاث عشرة دولة إسلامية:
أسس الأصوليون الإسلاميون حركات سياسية قوية في العديد من البلاد الإسلامية من الشرق إلى الغرب وهذه بعض الأمثلة:
1- السنغال: نجحت التنظيمات الأصولية المختلفة بما فيها الاتحاد الإسلامي وجمعية الخلاص القومي والحزب الإسلامي من هز التوفيق الرصين الذي أقامه القادة السنغاليون.
2- المغرب: واجهت الحكومة المغربية في منتصف السبعينيات معارضة متزايدة من قبل الجماعات الأصولية التي كانت تدعو إلى التطبيق الكامل للشريعة الإسلامية إلا أن الحكومة قد وضعت سياسة مزدوجة كقرن الوعل تقوم على التزامل مع الأصوليين باستخدام النغمات الإسلامية على مستوى الدولة ثم عزل الأصوليين باتخاذ إجراءات صارمة ضد تنظيماتهم».
3- الجزائر: تحولت الجزائر إلى مجتمع علماني في فترة الاحتلال الفرنسي الطويل (1830-1962) ومنذ عام ۱۹۷۳ طلبت الجماعات الأصولية تطبيق الشريعة الإسلامية لكن الأصوليين الإسلاميين الجزائريين قد واجهوا تحديًا مميزا، بحيث لم يعد أحد هناك يتحدث عن تطبيق الشريعة.
4- تونس: نشأت الحركة الإسلامية في تونس في يونيو ۱۹۸۱ وتمكنت من أن يكون لها صوت موحد بعد عشر سنوات من الوجود المتزايد في الحياة السياسية التونسية، ويحتمل أن يكون للأصوليين تأثير متزايد في البلاد بعد أن يترك بورقيبة منصبه الذي تقلده منذ عام ١٩٥٦ (كتب التقرير قبل عزل بورقيبة).
5- مصر: الإخوان المسلمون في مصر هم الحركة القائدة في القرن العشرين منذ عام ۱۹۲۸، وقد لعبوا دورًا سياسيًا بارزًا قبل أن يصبحوا جماعة خارجة عن القانون في الخمسينيات إلا أن الإخوان قد أصبحوا أكثر اعتدالا في السنوات الأخيرة تاركين العنف لجماعات أخرى ومنها تلك التي اغتالت أنور السادات.
6- السودان: تمثل الجماعات الأصولية في السودان تحديًا قويًا للحكومة المركزية منذ سنوات عديدة. وقد ضربتهم القوات الجوية في مارس ۱۹۷۰ في هجوم على مدينة العاصمة راح ضحيته عشرة آلاف نفس.. تضم التنظيمات الأصولية القائدة الإخوان المسلمين واثنين من التنظيمات الصوفية «الأنصار» و«الختمية». قائد الإخوان هناك هو «حسن الترابي» مستشار للرئيس «في فترة حكم نميري» ومدافع مؤثر عن قوانين تطبيق الشريعة، فرض نميري الشريعة الإسلامية في سبتمبر ۱۹۸۳ وجعلها المصدر الأول للتشريع.
8- تركيا: كانت تركيا بعد وفاة أتاتورك في عام ۱۹۳۸ البلد المسلم الوحيد الذي يسير على النهج العلماني في الحياة العامة، لكنها ومنذ هذا التاريخ بدأت تتعرض لهزات عنيفة. وقد بلغ تأثير الأصوليين ذروته في السبعينيات حينما شارك حزبهم في التحالف الحكومي.
9- أفغانستان: فرض الحكم الماركسي في أفغانستان في أبريل ۱۹۷۸ مما أدى إلى ثورة واسعة ضد الحكومة المركزية.. أربعة من التنظيمات الستة التي تحارب الحكومة تنظيمات أصولية، ولقد حارب الأصوليون من بين (المتمردين) الأفغان (المجاهدين) الآخرين لحكم البلاد في فترة ما بعد السوفييت.
10- باکستان: استولى «الأصولي» ضياء الحق على السلطة في انقلاب ضد بوتو في يوليو ١٩٧٧ وأعلن برنامجًا طموحًا لأسلمة البلاد في فبراير ۱۹۷۹. وقد وضع هذا البرنامج في حيز التطبيق الفعلي جزئيًا، وقد استخدم ضياء الحق الإسلام لضمان الشرعية والتأييد الحكمة.
11- بنجلاديش: اتجهت بنجلاديش إلى العلمانية في فترة ما بعد الاستقلال وذلك في عام ۱۹۷۱ لكنها اتخذت منحى أصوليًا منذ عام ١٩٧٥، وتتعهد الحكومة اليوم بأن تجعل الدولة إسلامية.
12- ماليزيا: تضغط التنظيمات الأصولية مثل الحزب الإسلامي والأبيم على الحكومة لزيادة مسيرتها الأصولية وهم يهددون هذا التوازن القائم بين المسلمين الماليزيين والهنود والصينيين من غير المسلمين، وينتمي عدد من الأصوليين إلى الحزب الحاكم ويشغلون مناصب عالية في الحكومة مما يزيد من حدة التوتر العرقي والديني الداخلي.
13- إندونيسيا: أحبط الأصوليون مرارًا في الانتخابات القومية وقد لجأوا إلى وسائل لا ديموقراطية من مظاهرات وتمرد في المقاطعات واستخدام للإرهاب وذلك لشق الطريق لأنفسهم ووضع برنامجهم في حيز العمل.
الأهداف:
خامسًا: أهداف الأصوليين الإسلاميين:
يسعى الأصوليون الإسلاميون في كل قطر من هذه الأقطار إلى تطبيق برنامج متحمس اشتقوه من فهمهم للشريعة الإسلامية وهم يرون أن كتابهم المقدس يحتوي على تفاصيل هذا التطبيق الذي هو مفتاح السياسة بالنسبة لهم.. الشريعة الإسلامية كيان ضخم من الإجراءات المرتكزة على المبادئ التي يتضمنها القرآن والكتب المقدسة الأخرى في الإسلام التي تغطي أدق المسائل في الحياة حتى مستوى العلاقات الشخصية والعلاقات الجنسية.
وكذلك على مستوى الأمور العامة «كالضرائب والحرب». لم يتغير قانون الإسلام هذا في الألف سنة الأخيرة إلا القليل.
سادسًا: أهداف الشريعة عند الأمريكيين عالية المقام ولا يمكن تطبيقها:
تضع الشريعة أهدافًا عالية المقام لم يكن المسلمون بقادرين على تحقيقها وكانت هناك خلافات مستمرة حول التطبيق فلم تتبع الإجراءات التشريعية أبدًا ولم تطبق الجزاءات العقابية أبدًا لأن متطلباتها تزيد على حدود القدرة الإنسانية، وكانت هناك مراوغة مستمرة في التطبيق الكامل للشريعة.
تسمية أمريكية:
سابعًا: ما يسميه الأمريكيون بالإسلام التقليدي وفهمهم لدور علماء الدين مع الحكومة وخاصة في مسائل مثل تحليل الربا:
تكيف المسلمون الأتقياء في القرون الماضية مع مشكلة عدم قدرتهم على تحقيق أهدافهم الدينية بالتقليل مما يطمحون إليه. وقد افترضوا أن التطبيق الكامل للشريعة سيحدث يومًا ما في المستقبل القريب وتفرغوا لعملية مواجهة متطلبات الحياة اليومية مطبقين فقط هذه الأمور ذات الطابع العمل، أما تلك التي لم يتمكنوا من تطبيقها فقد داروا حولها. وقد أوجد القادة الدينيون مخارج ومناهج دقيقة لتطبيق حرفية الشريعة لكنهم كانوا في حقيقة الأمر يدورون حول روحها، ومن ذلك على سبيل المثال هذه الطرق المبتكرة لتجاهل مشكلة الربا وأقنعوا بذلك المسلمين الأنقياء بأن يحصلوا على فوائد على القروض. هذا المنهج العملي للدين الذي استمر لمئات من السنين يعرف بالإسلام التقليدي.
ثامنًا: أخبار العالم الإسلامي وتطلع المسلمين إلى الغرب..
إلا أن الإسلام التقليدي بدأ يفقد أرضيته منذ أواخر القرن الثامن عشر. ومع نجاح الغرب في جهوده المكثفة لانهيار قوة وثروة العالم الإسلامي استجاب الكثير من المسلمين لهذا الانهيار فنظروا إلى أوروبا بحثًا عن أفكار ومناهج أوروبية وتخلوا أثناء بحثهم عن هذه الأفكار والمناهج عن ممارساتهم الإسلامية المؤسسة جيدًا.
تاسعًا: تفسير الشريعة الإسلامية بأطر غربية:
ولهذا فقد المنهج التقليدي للإسلام أرضيته مع زيادة احتكاك المسلمين بالغرب وزيادة خبرتهم في تفسير شريعتهم تفسيرًا متأثرًا بالغرب.
- الشباب المسلم الذي استوعب الثقافة الأمريكية أقل قلقًا من غيره
حول التهديد الأمريكي.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

