العنوان ماذا يريد اليسار من العمل الفدائي؟ (1)
الكاتب جمال النهري
تاريخ النشر الثلاثاء 17-مارس-1970
مشاهدات 833
نشر في العدد 1
نشر في الصفحة 16

الثلاثاء 17-مارس-1970
كل امرئ يعرف اليوم كيف الحرب شاملة لكل مظاهر الحياة البشرية، وكيف تجري في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية، حتى إن الحرب الباردة التي كنت أدعوها في عام ۱۹۳۹ «سلام – حرب» أصبحت حربا شاملة تتصف «بالعنف والسعة».
وهكذا نستطيع أن نقول: ألا استراتيجية اليوم سوى الاستراتيجية الشاملة الأمر الذي يظهر بكل وضوح وشدة مشكلة العلاقات بين السياسة والاستراتيجية، ويسمح بفهم المجال الخاص لكل منهما بشكل أفضل.
وينتج عن ذلك أيضا أن الاستراتيجية لم تعد وقفا على العسكريين.. بل أصبحت «فناً» يزاوله الجميع!!
الاستراتيجية جسم تتجمع فيه المعلومات:
وإنني أحبذ هذا الأمر وأرى فيه كل المزايا لأن تغدو كما كان يجب أن تكون دائما وتصبح جسما تتجمع فيه المعلومات ويتزايد مع الأجيال غنى وثروة، بدلا من أن تكون اكتشافا مسـتمرا صدفيا للتجارب الجارية أمامنا.
وإن عصرنا عصر بالغ التعقيد، ويسيطر الإنسان المعاصر المتمدن سيطرة كبيرة علـى الطبيعة لدرجة تجعله يحجم متابعة سيره بناء على التجربة الفردية والتجسس المستمر للطريق كما فعلنا ذلك أمدا طويلا.
لقد كانت الحرب في الماضي «لعبة الملوك والأمراء»، ولكنها اليوم عمل كبير يحمل في طياته الكثير من الأخطار الجسيمة.
وحضارتنا كما قال ريمون آرون، بحاجة إلى علم الممارسة «الفعل» الذي يمكنها ويدفعها إلى أن تلعب دورا رئيسيا في حساب القرارات اللازمة وإنتاجها لتقييم سياسة ما، وهذا هو الهدف الذي يجب أن تسعى إليه كل دراسة استراتيجية».
هذه كلمات «أندريه بوفر» الجنرال الفرنسي الذي يعتبره «ليدل هارت» الضابط الوحيد القادر في عصرنا، الحاضر، على كتابة مؤلف ثمين عن الاستراتيجية.
هذا ويعنيني فيما كتب بوفر ما تعنيه الاستراتيجية
أولاً: باعتبارها جسما تتجمع فيه المعلومات.
وثانياً: عزوفها عن الاكتشاف الصدفي للأمور وتحسس السير ومتابعته على أساس التجربة الفردية.
وثالثاً: أن تصبح «فناً» يزاوله الجميع.
وكما قيل بحق تجتذب معضلات الدفاع الهامة عددا متزايدا من الدراسات الهامة والتحليلات التي تسعى إلى جمع كل المعلومات اللازمة في المستقبل..
ولن تستطيع حركة ما أن تتخذ مسارا ناجحا لها على أرض العمل إلا إذا استطاعت أن تتعرف على النظم الفكرية والأساليب التي تعمل بها سائر الحركات الأخرى على نفس الأرض.. وأن امتلاك تلك المخططات الرامية أولا إلى الاستيلاء على عقلية النخبة المثقفة في أنحاء بلادنا يجعلنا قادرين على كشف التفسيرات المختلفة للأحداث الجارية بواسطة هذه المخططات المضادة.
ثم إنه يمكننا بعد ذلك من كسر قيود ذلك «الأسر العقلي» لمثقفينا بغرض تمكينهم مرة أخرى من استعادة مواقعهم الأصلية من خلال حركة شاملة تتبع من العقيدة الأصلية لهذه البلاد.
وإن محاولة الإجابة عن السؤال ماذا يريد اليسار في مصر؟ بخصوص قضية محددة بالذات هي قضية الحركة الفدائية في فلسطين هي مجرد محاولة متواضعة لجذب الانتباه المنظم من أجل «التخصص والشمول» في دراسة وتتبع التيار الساري من الأحداث ليس من أجل المعرفة المجردة فقط، ولكن لترشيد الرؤيا ومن ثم الحركة الأصيلة التي ينبغي أن يتمخض عنها عالمنا في ظل المشاكل الدولية المعاصرة.
وترصد اليوم في كل القوى الكبرى العالمية «أجهزة فكرية» الغرض منها تجميع وتصنيف وتحليل الحوادث التي تقع يوما بيوم داخل هذه القوى.
وعلى عاتق هذه الأجهزة أو مراكز البحوث تقع مهمة ترشيد وتحديد المسار الواجب والسياسات اللازمة لكل قوة تجاه الأخرى.
وفقدان هذه القوى الراصدة ليس له معنى سوى السير حسب اتجاه الرياح الذي تمليه القوى المعادية.
كما أنه يعني أن الأعداء يمتلكون من الوسائل ما يجعلهم قادرين بواسطة المناورات المزيفة من فتح «ميادين مزيفة» للاشتباك بينما تتجه قواتهم الأساسية للالتفاف بطريقة أو بأخرى لتحطيم قواتنا الأساسية ومن الخلف.
وإن نشوء قوة عالمية جديدة في الخضم العالمي الهائل ليس بالأمر الذي ينبت بين يوم وليلة، ولكنه يحتاج إلى تكاتف أرادت عملاقة.. وعقائد عميقة لا تعرف التزييف.
والمهم أن «تولد بذور الأشياء» ميلادا صحيحا...!
ثم يهبها الله «الزمن والأرض».. والرجال..
ومنذ أعلن الحزب الشيوعي المصري حل نفسه حلا رسمياً في غضون عام ١٩٦٥ أخذ أعضاؤه بالقيام بزحف شامل على مواقع الإعلام المختلفة من صحافة وإذاعة ومسرح وتلفزيون وفي أجهزة وزارة الثقافة الأساسية في إداراتها المختلفة وفي فروع الثقافة الجماهيرية.. هذه الأجهزة التي تعتبر خدمة الفرد فيها من وجهة نظر الحركة الشيوعية كخدمة فرقة جيش بأكملها.
وليس هذا في مجال التعرض «للوسائل والظروف» التي تم بها إخلاء هذه المواقع والاستيلاء عليها من الجانب الشيوعي وان لم يمنع أن تكون محلا لدراسة مقبلة «لخريطة بلشفة الوظائف» الإعلامية في الجهاز الحكومي المصري.
وإنما المجال هنا لتتبع مجموعة مقالات عالجت موضوع الحركة الفدائية في فلسطين بأسلوب معين يهدف للوصول إلى أهداف محددة ساعدت في علاجه بهذا الأسلوب المفضوح التي يمتطيها هؤلاء.
ولا شك أن جانبا من هذه المأساة التي تبتغي معالجة العقلية المصرية المثقفة لحساب اليسار المصري تمثله هذه الظروف التي تحيط بالمثقف المصري في جوانب حياته المختلفة والتي تحاول أن تمنعه من محاولات التتبع والربط في «حركة الكرة» المتبادلة بين فريق القمصان الحمراء تبعا لخطة مرسومة.
وإنني أؤمن..
أنه في ظل هذه الظروف المعقدة المتشابكة ستولد حتما الحركة الإسلامية التي ستكتسب شمولها ودقتها وصدقها.. مما يموج به باطن هذا العالم من ثروات في العقيدة وفي المادة.. ستولد هذه الحركة رغم الضراوة التي ستقابل بها، وستنمو لأن الإيمان والعقل سيمدانها بأسباب التفوق..
وسوف تمثل الحركة الشاملة «حزام الأمن الإسلامي» للشعوب وللحكام الواعين.. هذا أو الطوفان..
فالأخطار والأخطاء تحدق من كل جانب كذئاب ضارية..
أن الكلمات الواعية ستغزو الطرقات الواجب ارتيادها وسيكون الغزو فريدا شأنه شأن الأيام التي سيبزغ فيها فجر عالمنا..
وستلقى الكلمات البراقة المزيفة مصيرها المؤكد!!
مهما استحثت الجموع بإغراءات متعاقبة على تناولها والتلهي بها وستطأها الأقدام.
ملايين الأقدام المحاصرة بأغلال متشابكة...؟
وسيحكم العقل على تفاهات الأعلام المختلفة بالإعدام.. وستكون الكلمة في النهاية أداة الانتصار..
وأخذت ترتفع أصوات شريفة ليهود شرفاء..
تدين الوجود الإسرائيلي، وتبشر مع الثورة الفلسطينية بدولة عربية فلسطينية ديمقراطية تضم المسلمين والمسيحيين واليهود بغير تمييز عنصري وهذه نقطة ثانية.. محمود العالم
في اليوم الثامن من شهر فبراير عام 1969 ظهرت مقالة تحت عنوان «أيام حاسمة تواجهنا» بقلم محمود العالم السكرتير العام للحزب الشيوعي المصري وكان يعمل رئيسا لمجلس إدارة أخبار اليوم.
وقد تلخصت مقالته في ثلاث نقاط جوهرية.
1- الرأي العام العالمي
2- تصفية الوجود الفلسطيني
3- الوضع الثوروي في الجمهورية
وتتلخص النقطة الأولى
في أن تحولا عالميا خطيرا في الرأي العام العالمي قد تحقق ومضمونة أن «اليسار الأوروبي» بعد أن كان يقف معنا سياسيا فحسب.. «يدين» العدوان ولا يغوص فكريا في أعماقه.. فإن الكاتب قد لمح فجر التحول الفكري الصادق ينتشر على الأفق العالمي في جهاته الأربع.. وانه يكاد يلمح.. بداية لتشكيل «حركة ديمقراطية عالمية معادية للصهيونية والعنصرية».
والنقطة الثانية:
أنه مع انتخاب اللجنة التنفيذية لمنظمة تحرير فلسطين ومع انتخاب رئيس لها هو ياسر عرفات المتحدث الرسمي باسم منظمة فتح وهذا يعنى قيام «الوجه السياسي الثوري».. فلم تعد الحركة الفدائية أمام الرأي العام العالمي، حركة إرهابية، كما راحت تسميها إسرائيل.. بل برزت كحركة وطنية تحررية..
تعترف «قوى التقدم» بمشروعيتها..
وتدعو إلى دعمها «داخل إسرائيل» وخارجها.. وأخذت ترتفع «أصوات شريفة ليهود شرفاء» تدين الوجود الإسرائيلي، وتبشر مع الثورة الفلسطينية بدولة عربية فلسطينية ديموقراطية تضم المسلمين والمسيحيين واليهود بغير تمييز عنصري..»
والنقطة الثالثة
ليست إلا تكرارا للأحاديث «الثوروية» حيث أصبحت القاهرة مقرا وملتقى للعمل الثوري العربي، ملتقى العمل الثوري العالمي ضد الاستعمار والصهيونية.. فأين يقع الجوهر الحقيقي لهذه الكلمات؟
هل يختبئ خلف الكلمات الجديدة المزجاة للشعب المصري والعربي بفضل النكسة. بأن تنضم إلى قاموسنا السياسي الحديث كلمات أمثال «تدين» و «تشجب» و«الردع والصمود».
هذه الكلمات التي تذوب كما يذوب الزبد في الصيف إذا خضعت لتفكير قارئ متوسط الذكاء..
أن الجديد هنا فيما يقدمه الكاتب هو محاولة المزاوجة المقصودة بين ظهور الوجه السياسي الثوري ممثلا في انتخاب اللجنة التنفيذية لمنظمة تحرير فلسطين وبين القوى «التقدمية» «داخل إسرائيل» وخارجها.. حيث أخذت ترتفع أصوات شريفة ليهود شرفاء تدين الوجود الإسرائيلي..
وإذن يتقدم الكاتب اليساري الموقر بتقديم أصوات يهودية شريفة لم يفصح عن كنهها للجنة التنفيذية الوليدة كنموذج تقدمي يمكن التعاون معه في داخل "إسرائيل" ذاتها.
هذه الأصوات التي «تدين» الوجود الإسرائيلي!!
وباعتبار هذه الكلمة من الكلمات الجديدة.. فإنها يسمح لها بالمرور كما يسمح لكل مودة جديدة في بلادنا..
ونحن لا نعرف من هذا الذي يدينه اليسار؟ ولا كيف يدينه؟ ولكنها أصوات وأصوات شريفة ليهود شرفاء..
وإذا كانت المنظمة قد انتقلت بلجنتها التنفيذية من مجال الأعمال الفدائية لتمارس لجانب ذلك الخوض في خضم السياسة العربية والدولية فليلق إليها اليسار أول ما يلقى بالصداقات اليهودية داخل إسرائيل.. بل وخارجها.. أيضا.
هذه «الأصوات».. التي تبشر – في عرف الكاتب – مع الثورة الفلسطينية بدولة عربية.. فلسطينية.. الخ..
جدول أعمال اللجنة التنفيذية
فهل تدرج «قضية الأصوات اليهودية الشريفة» في جدول أعمال اللجنة التنفيذية باعتبارها من القضايا الأولية الجوهرية؟
وهل ينبغي أن تستخدم طاقة اللجنة التنفيذية في هذا الاتجاه؟ كأحد البنود الهامة في سياستها المقترحة.
يسعى اليسار جادا لتمهيد الطريق «لمهابط مزيفة».. فيجعل للرأي العالمي من القوة ما ليس له على أرض الواقع.. وإنما كما يزين للضعفاء..
قيمة الرأي العام العالمي:
«والرأي العام العالمي» و«الضمير العالمي».. وكل هذه المسميات إنما هي ألوان سراب ولغة ضعفاء قصد بها تلهية الشعوب عن أن تتخذ المسارات الحقيقية للدفاع عن نفسها وأرضها والتي تتلخص في كلمة واحدة.. «القتال».
إن الذين قادوا إسرائيل حين كانت مجرد عصابات قد أدركوا بعض الحقائق العالمية التي تحمي القتال وتؤكده.. باعتباره الطريق الوحيد لنيل ما يريدون، وعلينا نحن أن نؤمن بدورنا ما أخذ بالقوة في عالمنا لا يسترد إلا بها..
العالم لا يشفق على المذبوحين:
1- يقول مناحيم بيجين قائد «الأرجون»: العالم لم يتحرك، فقد تعود على المجازر. إن العالم لا يشفق على المذبوحين، إنه يحترم الذين يحاربون فقط. هذه الحقيقة ويقول في موقع آخر «لقد بعث الدم في ثورتنا الحياة.. لقد بدأنا عملا لم نكن نستطيع أن نرى نهايته.. لقد كان علينا فقط أن نؤمن أن عملنا وتضحياتنا ودماءنا وآلامنا هي التي ستضمن لنا النصر».
ما الفائدة من كتابة البيانات؟ ما قيمة الخطابات؟
إذا هاجمك ذئب في غابة، فهل تحاول أن تقنعه بالخطب ألا يمزقك؟ هل ترفع إليه بيانا؟
لا لم يكن هناك إلا طريق واحد.. إذا لم نناضل فسنتحطم فطريق الخلاص «الوحيدة هو النضال».
هذه هي كلمات مناحيم.. هذه هي الكلمات اليهودية لزعيم العصابة اليهودي.. ووزير الدولة الحالي في حكومة «جولدا مائير» التي تحكم الرقعة الجديدة من الأرض العربية، وبرغم ما في هذه الكلمات من مغالطة للحقائق.. فإنها تكشف عن تصميم المغتصب على القتال. فهل تسترد هذه الأرض بالتفاوض مع الأصوات «الشريفة» - في إسرائيل؟ وبمقابلة هذا المنطق. يطالب الكاتب اليساري.. اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بأن تضع في حسابها أن هناك أصواتا شريفة ليهود شرفاء.. يمكن التفاهم.. بل والتعاون معها. ترى كيف كان يمكن أن تواجه قوى العصابات اليهودية التي جاءت لتغتصب الأرض كاتبا من صفوفنا يطالبها بالتفاهم مع أصوات شريفة لعرب شرفاء؟
أو هل كان يمكن أن يقع ذلك من أحد كتاب الحركة اليهودية؟
حادثة التلينا وقرارات هيئة الأمم:
وفي حادثة «التلينا».. الباخرة التي جاءت تحمل السلاح للعصابات اليهودية أثناء الهدنة في عام ١٩٤٨.. يقول مناحيم: «كنا بحاجة ملحة إلى ما تحمل «التلينا»، أما من ناحية قرارات هيئة الأمم فكنا نستطيع أن ندير ذلك؟؟؟؟
ففي مثل هذه الحالات لا وجود للأخلاق والمثل العليا.. لقد كنا في «حالة حرب».. وكانت المشكلة مشكلة حياة أو موت، ولم يكن أحد ليساعدنا» والذي يقرأ كلمات مناحيم في كتابه الثورة يلاحظ على الفور أن روحا معينة موحدة كانت تسري في جسم هذا الجيش السري الذي يقوده.. ملخصة في كلمة واحدة «القتال»
معنى الحديث عن المفاوضة
إن الحديث عن المفاوضة.. أو التخاطب مع قوة أخرى تنتمي في صميمها للعدو.. هو نوع من الخيانة «لحالة الحرب» تتنافى معها وتدخل روح الوهن إلى جسم المقاومة الذي ينبغي أن تشبع ذراته بروح القتال والقتال وحده..
حركة إرهابية:
وهنا.. يلوح محمود العالم بمكسب مزيف فيقول: «الحركة الفدائية لم تعد أمام الرأي العام العالمي مجرد حركة إرهابيه، كما راحت تسميها إسرائيل، وتسميها الصهيونية العالمية.. بل برزت كحركة وطنية تحررية».. فكأن اكتساب المقاتلين لصفة «الإرهاب» مما يشين حتى يسارع الكتاب اليساريين إما غباء أو أتباعا لخطة.. إلى التقاط ما تلقي به إسرائيل.. كل ما تلقي به.. فإذا ما اتهمت إسرائيل الفدائيين بالإرهاب.. فوجب أن ندفع عنهم هذه التهمة وكأنما ينبغي لكي تنجح الحركة الفدائية أن تتكئ على الأصوات اليهودية المخلصة داخل إسرائيل.. وأن تنفي عن نفسها تهمة الإرهاب.. فهل حقا ينبغي أن نحترم وأن تحترم المنظمات الفدائية الرأي العام العالمي.. كما يحترمه.. السيد محمود العالم؟ وإذا ما أفرغت المنظمات من مضمونها الإرهابي فماذا يتبقى فيها «المفاوضة».. «التصريحات».. «المقالات الجوفاء»!!
فوارق بين القوات العربية والقوات اليهودية في ١٩٤٨..
وهل تسترد فلسطين.. أو يعود أهلها - حين يعودون - كمقاتلين «يرهبون» أعداءهم.. أم يعودون «كلاجئين» باسم الهيئات الدولية...؟؟
وفي ١٥ مايو ١٩٤٨ كان من الواضح أن ثمة فارقا أساسيا وهاما بين قوات الجيوش العربية النظامية وقوات المتطوعين التي كانت تخضع بطريقة أو بأخرى لحكومات هذه الدول.. من جهة.. وبين القوات اليهودية المتمثلة في قوات عصابات «الهاجاناه» و«شترون» و«الأرجون».. من جهة أخرى!!
لقد كان الفريق الأول يخضع للأوضاع الدولية أو هو قابل للخضوع لها على مراحل وبالأساليب المناسبة في ذلك الوقت وكان هذا الوضع ينسحب بالتالي على قوات المتطوعين التي خرجت من صميم الأيمان الشعبي في ذلك الحين..
أما الفريق الثاني فقد كان يتخذ من الأوضاع الدولية «مجرد ساتر» يسمح له بحرية الحركة مادا إياه بالمهاجرين والسلاح لقد كان من الممكن وببساطة تامة بعد مناقشة قصيرة للأوضاع الرسمية في الدول العربية أن نتلقى مجموعة من النتائج الأكيدة المترتبة على التسليم بحقيقة أولية وهي استجابة هذه الأوضاع للضغوط الدولية.
ألم يكن من الممكن سلفا الإجابة عن الأسئلة الخاصة بالمدى الذي سيحكم مدى تقدم القوات الرسمية للدول العربية؟
ألم يكن من الممكن التنبؤ بالمصير المنتظر لقوات المتطوعين الخاضعة بشكل ما للسلطات الرسمية في هذه الدول؟
إن القتال والفكر الذي يحمي القتال يبدوان كوجهين متلاحمين لصدور عملة النصر في أي هدف.
وأقصد بالفكر الذي يحمي القتال تلك المقدرة على «التنبؤ» بالأحداث المقبلة والتي تجعل في إمكان المقاتلين ألا يتوجهوا إلى طرق مسدودة. كما يجعل في الإمكان التفكير بالخطط البديلة ليس وقت المعركة ذاتها، ولكن قبل نشوبها بوقت كاف...!!
الفكر المقاتل:
أحيانا أتساءل: هل لدينا «فكر مقاتل»؟ هل يحمل كتابنا تلك المقدرة التي تمثل الرمز «أ. ت» بالنسبة للقوات المقاتلة.. هل يحملون مقدرة الإمداد والتموين لعصاباتنا المقاتلة...؟ كذلك تتبدى الأهمية الفائقة «لمجموعة الأفكار» التي تحكم المقاتلين والطريقة المنظمة التي يتداولون بها هذه الأفكار.
وان الخلوص إلى الفكر المناسب لمرحلة معينة يبدو خطرا لدرجة الموت ذاتها.. إن بلوغ هذا الفكر يعني على الوجه الآخر تهديد أمن الخصم.. ولذا يبرز القتل كحل نهائي يفرضه الخصوم.
إن اهتداء حسن البنا إلى السلوك الواجب إزاء مشكلة فلسطين ووجوب الاعتماد المطلق على حرب العصابات بأن تبقى القضية والمعركة في أيدي أبنائها ورجالها، وأن نكون لهم العون والظهير.. وتحذيره من تدخل الحكومات حتى لا تقع تحت الضغط الدولي، خاصة وجيوش الاحتلال رابضة في جميع الأرض العربية.. والحكومات هشة لا قبل لها بتحمل الضغط..
أقول إن هذا الوعي هو من أول الأسباب التي دفعت إلى قتل هذا الرأس المفكر والمدبر في آن واحد.. وما زال القتلة العموميون يقفون على نواصي السلطة على استعداد لأداء هذه الخدمة في مواجهة الفكر الذي يحمي الفعل الصائب..
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
