; الانعكاسات السياسية للزلزال في تركيا | مجلة المجتمع

العنوان الانعكاسات السياسية للزلزال في تركيا

الكاتب د. سعيد الحاج

تاريخ النشر الأربعاء 01-مارس-2023

مشاهدات 17

نشر في العدد 2177

نشر في الصفحة 24

الأربعاء 01-مارس-2023

 

 

الانعكاسات السياسية للزلزال في تركيا

  

توقعات بأن تصل كلفة الزلزال نحو

 85 مليار دولار

 

سيناريوهات تأجيل الانتخابات تتأرجح بين العائق الدستوري والحسابات الحزبية للحكومة والمعارضة

رغم قوة دمار الزلزال وعد «أردوغان» بإعمار المحافظات المتضررة خلال عام واحد فقط

 

د. سعيـد الحـاج

                                                                                   

وقع الزلزال المدمر في وقت لم يكن الاقتصاد التركي قد تعافى تماماً من أزمته، وعلى مقربة من انتخابات رئاسية وبرلمانية مصيرية بذلت قبلها الحكومة الكثير من الأموال في إطار ما يسمى «اقتصاد الانتخابات» لمحاولة تخفيف الضغط الاقتصادي والمالي على المواطن في حياته اليومية، ولا سيما ما يتعلق بالحد الأدنى للأجور وغلاء الأسعار والقروض وما إلى ذلك.

أعلن الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان»، فور وقوع الزلزال، الحداد لمدة أسبوع في عموم البلاد وحالة الطوارئ في المحافظات المنكوبة لتسهيل أعمال الإنقاذ وضبط الأمن فيها، فضلاً عن تعليق الدراسة بمختلف المستويات لعدة أسابيع، وبسبب القوة التدميرية الكبيرة للزلزال (قدرها البعض بقوة 500 قنبلة نووية) وسعة انتشاره جغرافياً، فقد أعلنت السلطات التركية منذ الساعات الأولى إنذاراً من المستوى الرابع، طالبة العون الدولي، وقد مدت لها يد العون عشرات الدول والمنظمات الدولية بما شمل أكثر من 11 ألف عامل إنقاذ.

وبتقدير الدمار الذي تسبب به الزلزال، وعد الرئيس التركي بإتمام عملية إعادة الإعمار في المحافظات المتضررة خلال عام واحد فقط، حيث قدر عدد المباني التي تحتاج إعادة إعمار بما يناهز 200 ألف مبنى، بين مبانٍ سقطت بالكامل، وأخرى تضررت بشكل كبير أو متوسط ولم تعد بالتالي صالحة للسكن.

وإذا ما كانت الخسائر البشرية هي الأهم والأكثر إيلاماً في الزلزال، فإن التبعات الاقتصادية مهمة كذلك، إذ تدخل في تكلفته الخسائر المادية المباشرة لقطاعات الاقتصاد المعروفة وخصوصاً الصناعة، وأعمال الإنقاذ والإغاثة، ودعم الأسر المتضررة لمدة طويلة، فضلاً عن عملية إعادة الإعمار وكذلك إعادة تقديم الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها، وقد تفاوتت تقديرات مختلف المؤسسات المالية المحلية والدولية لكلفة الزلزال على تركيا مالياً، حتى أوصلها البعض لما يقرب من 85 مليار دولار.

ومن المتوقع أن يكون للزلزال آثار سلبية مباشرة على نسبة التضخم وسعر صرف الليرة مقابل العملات الأجنبية، إضافة لتراجع نسبة نمو الاقتصاد في عام 2023م على أقل تقدير، لكن عملية إعادة الإعمار قد تنشط الاقتصاد على المدى المتوسط، وفق خبراء اقتصاديين.

 

التضامن والتكافل

وقد سادت منذ اللحظات الأولى مشاعر التضامن والتكافل ومدّ يد العون أرجاء البلاد، وتوحد الجميع لنصرة المتضررين من الزلزال، لكن ذلك لم يمنع تحول الزلزال لمادة استقطاب سياسية كذلك.

كان ذلك متوقعاً نظراً لتبعات الزلزال وكذلك قرب الانتخابات، إلا أن تسييس الأمر ونقله للنقاش السياسي العام بدأ مبكراً جداً، خصوصاً من قبل حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، حيث حمّل رئيسه «كمال كليتشدار أوغلو» الحكومة مسؤولية ما حصل معلناً رفضه مقابلة أي مسؤول حكومي.

في حين عمّق الزلزال حالة الاستقطاب الموجودة في البلاد أصلاً بدرجة ملحوظة، وسادت النبرة الحادة في تصريحات السياسيين من مختلف الأحزاب والتوجهات، وبات واضحاً أن الزلزال صبغ الحياة السياسية في البلاد بصبغته وتحول للمادة الأهم في التداول السياسي والإعلامي، خصوصاً ما يلي الانتخابات، كما أن التحالف الحاكم والمعارضة تبادلا علناً الاتهامات بالمسؤولية عن تأخر مشروع «التطوير المدني» الذي يشمل هدم المباني غير المتماسكة وإنشاء أبنية ملتزمة بمعايير مقاومة الزلازل.

ولعل التبعات السياسية الأهم ارتبطت بشكل مباشر بالعملية الانتخابية؛ حيث دعا «بولند أرينتش» إلى تأجيل الانتخابات متسبباً بجدل كبير؛ حيث يعد أحد قيادات الصف الأول سابقاً في حزب العدالة والتنمية، فقد شغل مناصب نائب رئيس الحزب ونائب رئيس الحكومة ورئيس البرلمان وعضو اللجنة الاستشارية العليا في الرئاسة.

قال «أرينتش»: من غير الممكن ولا المناسب إجراء الانتخابات وأكثر من 15 مليون مواطن تركي متضررون من الزلزال، والبنية التحتية ومؤسسات الدولة لن تستطيع إجراءها بالشكل المطلوب بسبب الزلزال، والحكومة ينبغي أن تركز على مساعدة هؤلاء وتضميد جراحهم لا طلب أصواتهم.

وقد جاء الرد الأول من «كليتشدار أوغلو» الذي رفض فكرة تأجيل الانتخابات قائلاً: «لا داعي لذلك، والمواطن من حقه أن يحاسِب المسؤولين عن مأساته في صندوق الانتخابات»، وتبعه في التصريحات الرافضة لتأجيل الانتخابات وتفنيد كلام «أرينتش» كل من «ميرال أكشنار»، و«أحمد داود أوغلو»، و«علي باباجان»، رؤساء أحزاب الجيد والمستقبل والديمقراطية والتقدم على التوالي.

 

عائق دستوري

ثمة عائق دستوري أمام تأجيل الانتخابات، وهو أن المادة (78) من الدستور تحصر إمكانية تأجيل الانتخابات بحالة تعذر إجرائها بسبب الحرب، وعبر قرار من البرلمان؛ ما يعني استحالة تأجيلها بسبب الزلزال، لكن بعض المحسوبين على الحزب الحاكم والحكومة يراهنون على إمكانية حصول توافق بين التحالف الحاكم والمعارضة على تعديل المادة لتشمل كذلك الكوارث الطبيعية كالزلزال.

لكن العائق الأساسي أمام إمكانية التأجيل هو الحسابات الانتخابية؛ فالمعارضة تدرك أن إجراء الانتخابات قريباً قد يساهم في تحويل بعض الغضب الشعبي من تبعات الزلزال إلى تصويت عقابي للرئيس التركي وحزبه، بينما التأجيل يمكن أن يخفف من هذا؛ إذ ستكون الحكومة قطعت شوطاً مهماً في إجراءات الدعم وبدأت عملية إعادة الإعمار.

من جهة ثانية، فإن التأجيل طويلاً لا يخدم العدالة والتنمية كثيراً، إذ من شأنه أن يفاقم من الأوضاع الاقتصادية والمالية بسبب الكلفة الاقتصادية المتوقعة للزلزال، ولذلك فقد نسب للرئيس «أردوغان» أنه يعارض بشدة تأجيل الانتخابات بل يصر على تبكيرها للرابع عشر من مايو المقبل كما وعد قبل ذلك، ولعل من رسائل «أردوغان» من هذا الإصرار أنه غير قلق من الزلزال، ولا يحتاج التأجيل بالضرورة، وهي رسالة تشمل احتمال المناورة السياسية مع المعارضة بطبيعة الحال.

 

فرص «أردوغان»

أما من حيث تأثير الزلزال على فرص «أردوغان» في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فمن البديهي أن كارثة بهذا الحجم تحصل في عهده ستضر بفرصه بنسبة أو بأخرى، وهذا ما تستشرفه المعارضة، إلا أنه من السابق لأوانه تقدير مدى التأثير الحقيقي للزلزال على نتائج الانتخابات؛ إذ سيعتمد ذلك بشكل كبير على تفاعل عدة عوامل؛ في مقدمتها مدى جهوزية المعارضة (إذ لا تبدو جاهزة)، وإجراءات الحكومة لدعم المتضررين، والإجراءات القضائية بحق المتسببين بالكارثة، ولا سيما الأبنية المخالفة للمعايير، وكذلك الأوضاع الاقتصادية.

وعليه، ستكون الأسابيع المقبلة ذات أهمية قصوى في مدى استكشاف التأثيرات المباشرة وغير المباشرة للزلزال على العملية الانتخابية، لكن من المسلَّم به أنه تحول للملف الأهم في البلاد، وكذلك على أجندة الحملات الانتخابية لجميع الأحزاب. 

الرابط المختصر :