العنوان فاستخف قومه فأطاعوه.. الإعلام العربي فرعون هذه الأمة!
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 24-يناير-1978
مشاهدات 13
نشر في العدد 383
نشر في الصفحة 5
الثلاثاء 24-يناير-1978
«إنهم في نابلس يقذفوننا بالحجارة، وهنا يقبلوننا، إنني لم أعد أفهم شيئًا»
هذا ما قاله صحفي إسرائيلي ضمن الوفد الإعلامي اليهودي الذي زار القاهرة خلال مباحثات السلام، حينما رأى حشود المصريين، وهي تتدافع للمس أيدي أعضاء الوفد – الإسرائيلي – أو على الأقل أن ترسل له قبلة، على حد تعبير وكالة الأنباء الفرنسية التي نقلت هذا الخبر.
وحق لهذا اليهودي أن يعجب، وحق لنا أيضًا أن نبين جانبًا خطيرًا من الجوانب التي أدت إلى سحق الشعب العربي المسلم، وتحويله إلى شعب داجن، مريض، محطم فكريًا وعقائديًا، يقبل الأيادي التي باتت تدبر الخطط والمؤامرات؛ لإبادته وتفريق صفه وإماتة عقيدته وتذبيح أبنائه في حروب متواليات، ذلك الجانب هو الإعلام العربي من صحافة، وإذاعة، وتليفزيون، وسينما.
لقد لعب الإعلام دوره – الإجرامي – في هذه المجزرة من ناحيتين.
• الاستخفاف بالشعب العربي المسلم، وإغراقه في سيل بحر من اللاأخلاقيات المدمرة التي جعلت الشباب وهم أساس الأمة، ولبنات بنائها، أسرى كثير من الأمراض الاجتماعية الخطيرة: كالبغاء، والمسكرات والمخدرات، والجرائم، والتفنن في الغش، والخداع، وتدبير السرقات، فالصحافة مثلًا ترى أن من وسائل رواجها وانتشارها، وعظم العائد المادي لها، أن تستعين بالصورة العارية والخبر الجنسي المثير الذي يتفنن كاتبه في صياغته، صياغة مثيرة تفعل فعل الصورة بل أشد، ومما يثير العجب والضحك في نفس الوقت، أن ترى في نفس الجريدة أو المجلة صفحة الفكر الديني، ثم حينما تؤدى المجلة أو الجريدة دورها في تنمية الجوانب الروحية للقارئ، تدعوه في صفحة الفن أو ما شابه للعيش ساعة مع المتعة واللذة، فساعة لقلبك وساعة لربك، ولا من رقيب ولا من حسيب.
وقل في مثل ذلك وأشد عن السينما، وما جرته من مآس في ذبح قيم الشباب العربي المسلم، وجعله أسير الشهوة والرغبة الجنسية والمادية العارمة، فلا يجد سبيلًا إلى فك أسره إلا عن طريق الفواحش والسرقات، ثم حدث ولا حرج عن ذلك المجرم الصامت الذي يقبع في زاوية كل بيت، ويراه كل رجل وصبي وامرأة يبث برامجه التليفزيونية لتدمر ما بقي من أخلاق، لم تستطع الصحافة أو السينما تدميرها.
والمضحك المبكي في هذا العمل الإجرامي أن الإعلام نفسه قام يندب أخلاق الأمة، ويحذر من الضياع وتلف الشباب، وإنه والله ليبدو لنا أنه ندب فرح، لا ندب حزن، وإن كان لنا بقية عمر وهمة، فلنا عودة أخرى بالأرقام لنعطي القارئ صورة أوضح عن استخفاف الإعلام بأمة العرب والإسلام.
•بعد الاستخفاف جاء دور الإعلام العربي في – تطويع - الشعب العربي المسلم وجعله خاضع لإرادة ومخططات الأعداء، فإذا أراد الأعداء إخضاع الأمة لأي أمر سخروا الإعلام العربي ليقوم بهذه المهمة، وعلى الفور يعمل الإعلام عمله، إما تشويهًا للحقائق أو تزويرًا في التاريخ أو تحريفًا واضحًا لمعاني النصوص أو الأحداث، هذا في صف الإعلام المؤيد صراحة لما يريد العدو من مخططات، أما الإعلام الذي يأخذ صف المعارضة فهو يمارس دوره جيدًا في تحريض الشعب وإثارته، ولكنه في الوقت نفسه يأخذ صف التأييد حينما يشد الشعب إلى ممارسات لا أخلاقية جنسية أو مادية ساقطة فتخبت ثائرة الشعب لانشغاله بهذه الأشياء، ويطيع جميع الشعب إما عن إقناع بالتشويه والتحريف والتزوير وإما عن إكراه لأنه يرى نفسه غير قادر على مواجهة الأحداث، وفي جعبته كثير من الأمراض الاجتماعية والفكرية التي تعيق حركته وتشل قدراته، وإليكم مثال واحد فقط لما نقول:
•قبل زيارة السادات لإسرائيل في أعظم مخطط لإخضاع الأمة وإذلالها للعدو، قام الإعلام العربي وبصورة ملحوظة برسم صورة مضخمة لاستعدادات - إسرائيل - العسكرية.
يمكن أن تسفر عنه المواجهة العسكرية مع إسرائيل من مآس اقتصادية واجتماعية إضافة لما تردد في بعض الصحف العربية لاحتمالات تدخل الأمريكان لاحتلال منابع النفط، وكل ذلك ساهم في إرعاب الشعب العربي الذي استخفه الإعلام، وجعله أمة بلا روح، وبات الشعب يترقب الحرب، وهو خائف على ضياع ملذاته، وهنا كان الشعب مهيأ لمبادرة السلام
•خلال الزيارة المشؤومة قام الإعلام العربي بتصوير هذه الزيارة بأنها أكبر فتح للأمة العربية وبأنها وبأنها... حتى ضاع الشعب وتصور فعلًا أن هذه الزيارة هي العامل الذي خلصه من شبح الحرب، واستكان أغلب الشعب مرغمًا بفعل الدعاية والإعلام لهذه البادرة الساداتية.
•بعد المفاوضات يبدو أن الإعلام يلعب لعبته الآن في إخضاع وتطويع باقي الشعب لمبادرة السلام إذ أصبح الإعلام يركز الآن على الإسرائيليين، وكأننا لتونا الآننعرف الإسرائيليين ومراميهم، وبوادر الحرب التي تبدو على الأفق وقام الإعلام المنافق ليخيف الشعب مرة أخرى من الحرب وعواقبها لا بذكر ذلك صراحة، ولكن بإثارة كلمة الحرب بعدما استساغ الشعب كلمة السلام واطمأن لها، كل ذلك ليتم تمامًا تطويع الشعب وقتله نفسيًا، فما يعود يملك مثقال ذرة من حق تقرير مصيره أو كتابة تاريخه، بل يصبح نمرًا داجنًا يجرجره الإعلام العربي المجرم، حيثما يريد القادة والأعداء.
ولكن ختامًا نقول للإعلام العربي مهلًا فإن الذي تجرجرونه نمر داجن، والنمر مهما دجنته، فله يوم يعود إلى وحشيته الكاسرة، فإما أن تدبروا خططًا جديدة ومستمرة لبقائه داجنًا، والمخلصون من الأمة لكم بالمرصاد، وإما أن تتخلوا عن تدجينه، فتأمنوا شر عودته إلى وعيه.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
ناشطون روهنجيا لـ«المجتمع»: يقتلوننا بدوافع عرقية ودينية وسياسية.. ثم يتهموننا بالإرهاب!
نشر في العدد 2112
28
الأحد 01-أكتوبر-2017