; انتفاضة ضد محاولة الهند فرض الانتخابات في كشمير | مجلة المجتمع

العنوان انتفاضة ضد محاولة الهند فرض الانتخابات في كشمير

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 17-مارس-1970

مشاهدات 4283

نشر في العدد 1

نشر في الصفحة 39

الثلاثاء 17-مارس-1970

  • تمثيلية الانتخابات البرلمانية تتحول إلى يوم وطني مشهود في رفض الاحتلال الهندي للولاية. 

كشمير المحتلة: نور الدين سعيد

بعد فترة انقطاع دامت أكثر من ثماني سنوات هي عمر الانتفاضة الكشميرية، حاولت السلطات الهندية في الإقليم المحتل، إجراء الانتخابات البرلمانية هناك كجزء من الانتخابات العامة التي جرت في الهند الشهر الماضي، وذلك لتحقيق هدفين أساسيين: الأول: التأكيد على أن كشمير جزء من الأراضي الهندية، والثاني: صرف أنظار العالم عن حقيقة الانتفاضة الكشميرية التي تطالب بتطبيق قرارات الأمم المتحدة الصادرة منذ خمسين عامًا لتقرير مصيرهم، كيف مهدت الهند لهذه الانتخابات؟ وما هو الأسلوب الذي تمت به؟ وهل نجحت الهند في تحقيق أهدافها؟

قبل أن تقرر الحكومة الهندية إجراء الانتخابات في كشمير المحتلة، أوفدت لجنة خاصة يرأسها المسؤول العام عن الانتخابات في الهند، وقد خلصت اللجنة في ضوء الواقع الكشميري إلى أن الظروف العامة في الإقليم لا تسمح بإجراء انتخابات هناك، وعليه أوصى رئيس اللجنة الانتخابية الهندية في التقرير الذي أعده إلى ضرورة أن ترجئ الحكومة الفيدرالية الهندية الانتخابات في كشمير، ويكتفى بإجراء الانتخابات في الولايات الهندية الأخرى، إلا أن رئيس الوزراء الهندي نراسيما راو الذي كان يعاني تراجعًا كبيرًا في شعبيته، خاصة بعد سلسلة الفضائح المالية التي هزت حكومته، والتي على إثرها استقال أكثر من تسعة وزراء حاول توظيف ورقة كشمير التي تشكل حساسية بالغة، خاصة في الأوساط الهندوسية المتطرفة، لتعزيز مكانته في الانتخابات البرلمانية، وأكد على ضرورة إجراء الانتخابات في كشمير بصرف النظر عن توصيات لجنة الخبراء التي دعت لتأجيل الانتخابات، ولم يكن موقف نراسیما راو تجاه كشمير جديدًا، ففي مطلع هذا العام وقبل يوم واحد من الاحتفال باليوم الوطني الهندي سقط صاروخان هنديان على كشمير الحرة فدمرا أحد المساجد، وقتلا أكثر من ٢٠ مصليًا واعتبر نراسيما راو هذا السلوك العسكري جزءًا من سیاسته تجاه كشمير مهددًا بإجراءات أكثر عنفًا إذا لم تتوقف باكستان- على حد قوله عن التدخل في الشؤون الكشميرية.

سياسة القبضة الحديدية 

اعتقد نراسيما راو أن تبني سياسة القبضة الحديدية تجاه كشمير ربما يخفي فشله في سياساته الداخلية، ومن ثم تتعزز مكانته في الانتخابات، وبالتالي فقد اتجه نحو حشد المزيد من القوات العسكرية الهندية، إضافة إلى تلك المنتشرة هناك، والتي تبلغ أكثر من ٦٠٠ ألف جندي، ليتحول وادي كشمير إلى ثكنة عسكرية هائلة، ولمزيد من إحكام سيطرته على كشمير عمد إلى إجراء الانتخابات هناك على ثلاث مراحل.

كانت الأولى منها في منطقة جامو يوم السابع من مايو، ثم منطقة أناتنج يوم الثالث والعشرين، وأخيرًا العاصمة سرينجار وضواحيها يوم الثلاثين من الشهر نفسه، وكان الهدف الأساسي من هذا الأسلوب المرحلي هو المزيد من حشد قوات الأمن المناطق التي ستجرى بها انتخابات لبث الرعب في نفوس السكان وإجبارهم بالقوة إذا لزم الأمر للتصويت، وكان من أكثر وسائل التهديد بين الكشميريين أن كل مواطن لا توجد على إصبعه بصمة الحبر المستخدم في التصويت سوف يقطع.

 يوم الانتخابات

عشت يوم الانتخابات في العاصمة سرينجار وكنت شاهد عيان على تمثيلية الانتخابات في کشمیر، حرصت منذ الصباح الباكر على التجول في شوارع العاصمة وضواحيها، وقد كان أبرز مشاهد هذا اليوم الإضراب الواسع النطاق الذي لف العاصمة، فالشوارع الرئيسية بالمدينة خالية تمامًا من المارة، ومحلات العاصمة ونشاطها التجاري مشلولة تمامًا، وبالقرب من اللجان الانتخابية تحرك الكشميريون للتعبير عن موقفهم من الانتخابات ولكن بصورة درامية، فقد احتشد المئات من الكشميريين بالقرب من كل لجنة انتخابية، وهم يرددون شعارًا واحدًا: نريد الحرية، لا للانتخابات.. لا للاحتلال الهندي، ورغم قسوة القوات الهندية في تعاملها مع الكشميريين الذين لم يبالوا بطلقات الرصاص أو الدخان المسيل للدموع رغم ذلك واصل الكشميريون تظاهراتهم واحتجاجهم طوال اليوم، وقد تباينت أسباب، المقاطعة للعملية الانتخابية، لكن ظل القاسم المشترك بين الفصائل الكشميرية المختلفة هو الدعوة للاستقلال عن الهند، وقد كان الملفت للنظر في مسيرات الكشميريين واحتجاجاتهم أن جميع طوائف الشعب الكشميري من نساء ورجال وشباب، وأطفال يشاركون في المظاهرات على قدم وساق.

نتائج الانتخابات

كانت العملية الانتخابية بالنسبة لنا نحن الكشميريين فرصة هامة أكدنا من خلالها عن حقيقة موقفنا تجاه الاحتلال الهندي، فالأماني التي، كان يتطلع النظام الحاكم في الهند من تأكيد سيطرته على الإقليم المحتل لم تسفر سوى عن مزيد من تشبث الشعب بالأرض. 

وقد كانت فرصة مناسبة لنا أن وسائل الإعلام العالمية جاءت لترى بعينها حقيقة الواقع المأساوي الذي تعيشه كشمير، فقد سجلت وسائل الإعلام لحظة بلحظة عنف المحتل الهندي وتجبره في محاولته إرغامنا على التصويت بالقوة، وقد كان لذلك أثره الهام بالنسبة لنا حتى يسمع ضمير العالم مأساة الشعب الكشميري التي تجاوزت الخمسين عامًا، وقد لمسنا هذا الأثر في الأوساط الهندية التي أدركت حجم الخطأ الذي ارتكبته إدارة رئيس الوزراء السابق نراسـيمـا راو الذي فشل هو الآخر في الانتخابات، فرغم الأصوات العالمية التي نادت بضرورة تأجيل الانتخابات في کشمير، إلا أن رئيس الوزراء السابق لم ينصت لها وكانت النتيجة مزيدًا من النقاط لصالح الشعب الكشميري رغم كثافة القوات الهندية المحتلة.

استمرار الأزمة ومخاطرها 

في ظل التجاهل الدولي وربما الإسلامي لحقيقة الأزمة الكشميرية ومخاطرها فإن الأزمة الكشميرية ستظل قائمة بل وستزداد تدهورًا وسط المزيد من تضحيات الشعب الكشميري التي بلغت أكثر من ٥٠ ألف قتيل، فضلاً عن تشريد القطاع الأكبر من الشعب، ولعل أخطر ما في هذه الأزمة هو بعدها الإقليمي باعتبارها محور النزاع الهندي الباكستاني منذ برزت دولة باكستان لحيز الوجود، فالهند وباکستان مستمرتان في بناء ترساناتهما العسكرية التقليدية والنووية مع الفارق طبعًا، فالقدرات العسكرية الهندية تفوق باكستان بمراحل كبيرة ولكن أبرز هذه الفوارق هو التقدم العسكري الهندي الذي أحرزته في مجال الصواريخ التي تستطيع رؤوس نووية، فضلاً عن قدرتها النووية المتنامية بشكل خطير هذا التطور الذي تعتبر كشمير محوره من شأنه أن يعزز من فرص الصدام بين الهند وباكستان بما يمتلكانه من قدرات نووية وهو ما يعني ببساطة شديدة تحول المنطقة إلى أطلال.

الرابط المختصر :