; هل يقف نظام التعليم العالي وراء تفشي العنوسة | مجلة المجتمع

العنوان هل يقف نظام التعليم العالي وراء تفشي العنوسة

الكاتب منى عبدالفتاح

تاريخ النشر الخميس 01-يونيو-2023

مشاهدات 57

نشر في العدد 2180

نشر في الصفحة 12

الخميس 01-يونيو-2023

حدثتني قائلة: حصلت على الماجستير، وفي طريقي للسفر لأوروبا، والحصول على الدكتوراة، متسائلة: ماذا بعد؟!

تتابع: نعم، حققت ذاتي، ووصلت إلى موقع أكاديمي مرموق، لكني أستيقظ صباحاً فلا أجد من أنظر إليه، أو من ينظر إليَّ، وإذا مرضت فلا أجد من يقف إلى جواري، أو يحنو عليَّ.

هكذا تحدثت بعدما جرى العمر بها، واقتربت من سن الخمسين، وقد حققت أهدافها العلمية والأكاديمية، لكنها استفاقت على الحقيقة المرة، والتساؤلات الصعبة: أين أمومتي؟ أين الحب؟ أين الزوج؟ أين الولد؟!

هكذا حال كثير من الفتيات وبعض الشباب، ممن سعوا لإثبات الذات، بروح من التحدي للفطرة الإنسانية ممزوجة لدى بعض الفتيات تحديداً بأجواء ندية مع الرجل، وعناد ضد احتياجات المرأة كأنثى تبحث عن العفاف، والحب، والزواج، والذرية.

لسنا مع تصوير التعليم كعائق أمام الزواج، ولسنا ضد ارتقاء المرأة إلى مكانة علمية مرموقة، ولسنا ضد السفر إلى الخارج، وغيره من تحقيق أحلام وطموحات المرأة بما يتوافق مع ضوابط الشرع، لكننا ضد من تُهيل التراب على أنوثتها، وتغض الطرف عن فطرتها، وتتغافل عن حاجتها لرجل صالح يكون لها سكناً، ومنبعاً للمودة والرحمة.

كانت المرأة في عهد النبوة فقيهة وراوية للحديث وشاعرة وطبيبة ومجاهدة، دون أن يمنعها ذلك عن الزواج والإنجاب، فكانت شجرة مثمرة أنجبت خيرة الصحابة ممن حموا بيضة الإسلام، وحملوا راية الجهاد.

لقد زيَّفت وسائل الإعلام في العصر الحديث، وفق أجندات غربية فرضتها الحركات النسوية في العالم، صورة الزواج، بل بغَّضت المرأة فيه، فأظهرته عائقاً أمام التعليم، ومانعاً ضد الحلم، وسلاحاً قاتلاً يقضي على طموحات المرأة.

وزاد الطين بلة، إن صح التعبير، ما جاءت به من سِحْر عبر ما تقدمه من أعمال سينمائية ودرامية، جعلت من الرجل عدواً للمرأة، وسوراً منيعاً يقف ضد حريتها، بل وإنساناً غيوراً يكره لها أن تحصل على أعلى الدرجات، وأرقى المناصب!

 

سلم الأولويات

إن انتهاء المشوار الأكاديمي في الفترة من الـ35 إلى الـ40 من عمر المرأة يقلص إلى حد كبير من فرصها في الزواج، خاصة مع نظرة مجتمعية ترى المرأة في هذه السن باعتبارها «عانساً»، وأن فرص إنجابها في تضاؤل، وأن زهرة شبابها قد ولت وذبلت.

يفاقم المأزق، وفق دراسات متخصصة، ما يترتب على ذلك بالنسبة للمرأة من إعادة ترتيب سلم الأولويات، الذي يشمل الدراسة والولوج إلى سوق العمل، وأخيراً الزواج، شريطة العثور على شريك يتوافق مع خياراتها وطموحاتها، ويستسيغ أهدافها المهنية والعلمية.

يؤخذ في الاعتبار أيضاً ما يطرأ على نظرة المرأة إلى ذاتها، وقد حصلت على درجة علمية مرموقة، أو منصب رفيع، هنا قد تنتابها نظرة استعلاء، وشعور بـ«دونية» من يتقدم للزواج منها، فترفض هذا وذاك، وتردد: أريد أكاديمياً مثلي، أو طبيباً مشهوراً، أو رجل أعمال.

العديد من الدراسات الحديثة تفيد بأن شبح العنوسة يطارد صاحبات كليات القمة والحاصلات على درجتي الماجستير والدكتوراة، وأنه كلما ارتقت المرأة في سلم التعليم؛ قلَّت فرصتها في الزواج، وفق تقرير صادر عن مركز الأرض (مصري) لحقوق الإنسان.

بل إن مهناً بعينها صارت مأوى للعنوسة، مثل الطبيبة، والصحفية، والإعلامية، وغيرها، خاصة مع تنامي رواتبهن، وتزايد مساحة الاختلاط وفق ما تقتضيه وظائفهن؛ الأمر الذي يدفع إلى إحجام الرجال عن الارتباط بهن.

دراسة بعنوان «تأخر الشباب الجامعي في الزواج في دولة الإمارات العربية المتحدة.. المؤثرات والمعالجة»، أظهرت أن نسبة 36.70% ترى أن مواصلة التعليم عائق أمامهم عن الإقدام عن الزواج.

وتتوافق معها إلى حد كبير نتائج دراسة بعنوان «تأخر سن الزواج عند الشباب الذكور- دراسة ميدانية على عينة من الأسباب في مدينة الحص في الأردن»، تفيد بأن نسبة 35% من عينة البحث تعتقد أن ارتفاع المستوى التعليمي لدى الفتاة سبب في تأخر سن الزواج.

هنا يجب العمل على زيادة الوعي المجتمعي بأبعاد وجوانب المشكلة، وسبل حلها، دون التفريط في تعليم المرأة، مع إدراك أن تمتعها بحصيلة علمية ثرية سينعكس على تربية أطفالها، وذلك بالتزامن مع تعزيز برامج التعلم في المنزل، بما يمكن المرأة من الجمع بين الزواج والتعليم العالي.

كذلك من واجب الوقت، تصويب مسار وجهات النظر السلبية المفروضة من وسائل الإعلام تجاه الأمر، وإبراز نماذج نسائية ناجحة لمن جمعن بين الزواج والتعليم، أيضاً إظهار النماذج الموجودة فعلياً من الرجال الذين يقفون إلى جانب زوجاتهم.

الرابط المختصر :