; مسلمو أفريقيا الوسطى.. جراح لا تندمل وسط تواطؤ أممي | مجلة المجتمع

العنوان مسلمو أفريقيا الوسطى.. جراح لا تندمل وسط تواطؤ أممي

الكاتب رأفت صلاح الدين

تاريخ النشر الثلاثاء 01-نوفمبر-2016

مشاهدات 773

نشر في العدد 2101

نشر في الصفحة 28

الثلاثاء 01-نوفمبر-2016

مسلمو أفريقيا الوسطى..

جراح لا تندمل وسط تواطؤ أممي

 

رأفت صلاح الدين

 

لا يكاد المسلمون يحصون مآسيهم، فكلما تطفو على السطح مأساة تتبعها أختها، فلماذا المسلمون؟! ولماذا الإسلام السُّني وحده الذي يتعرض لكل هذه المآسي؟!

 

جمهورية أفريقيا الوسطى بلد غير ساحلي في وسط أفريقيا، جغرافياً تقع تشاد في شمالها، والسودان في الشمال الشرقي، وجنوب السودان في الشرق، وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية الكونغو في الجنوب، والكاميرون في الغرب، ومساحتها حوالي 620 ألف كيلومتر مربع، وسكانها حوالي 4.4 مليون نسمة.

نسبة المسلمين بها - حسب المصادر المحايدة - تقدر بحوالي من 20 - 25% من السكان، يتركزون في شمال البلاد في جهة حدود تشاد والسودان.

 

المأساة من البداية

ظهرت مأساة مسلمي أفريقيا الوسطى منذ عقود، لكنها طغت واشتد أوارها منذ عام 2013م، ولم تنطفئ حتى اليوم، مأساة عنوانها «التطهير العرقي والديني»، قادت انفجارها فرنسا التي تعتبر أفريقيا الوسطى جزءاً من التراب الفرنسي، ولم تنسَ ماضيها الاستعماري البغيض، حيث تدخلت بنفسها وأعطت إشارة البدء للمجازر ضد المسلمين.

أما أدوات هذه الحرب فكانت مليشيات مسيحية تدعى «أنتي بالاكا»، تحججت بوصول حركة «سيليكا» للحكم زعماً أنها إسلامية، مع أن فيها غير مسلمين بنسبة كبيرة، والمسلمون الذين بها ليسوا متدينين ومعظمهم علمانيون، وتولى زعيمها «ميشال دجوكوديا» الرئاسة كأول رئيس مسلم لهذا البلد، غير أنه استقال بعد دخول البلاد في حرب عرقية بين المسلمين والمسيحيين.

ظلت المجازر مشتعلة لمدة عام، كانت نتيجتها قتل وتهجير كل المسلمين بالعاصمة بانجي والمناطق الجنوبية تقريباً، إلا حياً واحداً في العاصمة وهو حي الـ «بي كا 5»، وبعض المناطق المحدودة الأخرى في الجنوب.

أما الشمال فكان أكثر أماناً لمتاخمته لحدود دولتي تشاد والسودان المسلمتين.

دمر المسيحيون المساجد والمتاجر، ونهبوا ما وقع تحت أيديهم من أموال وأراضي ومحلات المسلمين الذين كانوا يمثلوا القوة الاقتصادية الأولى في البلاد.

نتيجة لهذه الحرب ظهرت أكبر مأساة ما زال يعاني منها المسلمون حتى اليوم؛ ألا وهي مشكلة اللاجئين والنازحين؛ فما زالت عودتهم صعبة، فالوصول للعاصمة بانجي أمر شبه مستحيل للسيطرة الكاملة عليه من الحكومة الجديدة والمليشيات المسيحية.

هنالك عودة محدودة لبعض اللاجئين للمدن الشمالية الآمنة أصلاً، وإن كانت بطريقة غير رسمية.

 

متلازمات اللجوء

كانت أوضاع اللاجئين قد تأزمت بعد أن تقلّصت جهود مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) في بعض المناطق، أو تراجعت بصورةٍ كبيرة، وقد أعلنت عن عدم قدرتها على دعم اللاجئين من أفريقيا الوسطى في مخيمات جنوب تشاد بسبب قلّة الموارد.

كما عجزت المفوضية السامية، والاتحاد الأفريقيّ عن تقديم أرقام حقيقية لأعداد اللاجئين، وبذلك أخفقا بصورة كبيرة في تقديم المعونة والدعم الأساسيّ لهؤلاء اللاجئين.

وبتفاقم مشكلات اللاجئين تظهر متلازمات اللجوء؛ وهي التنصير والاستغلال والاتجار البشري عن طريق الهجرات غير الشرعية وغيرها.

فالمنظمات والمؤسسات الغربية المتواجدة في خيم اللاجئين والنازحين تسعى لتحقيق أهدافها، فالمنظمات المسيحية؛ كالإغاثة الكاثوليكية وغيرها، تبذل أقصى جهدها لاستغلال مآسي المسلمين والسعي إلى تنصيرهم.

ومن الوسائل الأخرى، وخصوصاً في توجيه الشباب، البرامج الثقافية الليلية التي تقدّم تحت عنوان «الاندماج الاجتماعي.. وتخفيف صدمات الحرب والأزمات النفسية للاجئين»، عبر برامج معدّة مسبقاً من قِبل المنظمات التنصيرية، وتجد قبولاً كبيراً لدى الشباب، وهي البرامج التي تركّز على نشر الفساد والعهر والخمر والاختلاط والعلاقات المحرمة بين الشباب والفتيات.

هنالك محاولات من الأمم المتحدة بدعوة اللاجئين للعودة إلى ديارهم، لكن الدول المستضيفة بعضها تطلب ضمانات وتوفير أبسط المقومات قبل الدعوة إلى العودة الطوعية.

 

سراب الانتخابات الرئاسية

في فبراير 2016م شهدت أفريقيا الوسطى إجراء الانتخابات الرئاسية التي انتهت بفوز «فوستان أركانج تواديرا» (آخر رئيس وزراء للرئيس السابق «فرانسوا بوزيزي» الذي أُطيح به عام 2013م) على منافسه «أنيسي جورج دولوجيليه» (رئيس الوزراء السابق في الفترة 1999 - 2001م إبّان حكم الرئيس «آنجي فيليكس باتاسي») في جولة الإعادة، حيث حصل على 62% من الأصوات، في حين أعلن المرشح الرئاسيّ الخاسر «دولوجيليه» قبوله بالنتائج، وعدم التقدّم بأي طعون.

ظن المسلمون أن الأزمة ستزول مع استقرار البلاد وانتهاء الانتخابات، لكن دون جدوى، فما زال الوضع يراوح مكانه، فلا حل للقضية، ولا أمان للمسلمين، منذ أيام حدثت مناوشات في حي المسلمين الرئيس في العاصمة بين بعض بقايا المليشيات النصرانية والمسلمين؛ مما أدى إلى مقتلة كبيرة، وفقد المسلمون أحد القيادات؛ مما أحرج القوات الدولية وأدى إلى تدخلها.

وفي شرق البلاد كانت هناك أيضاً بعض المناوشات بين القوات الدولية وبعض عناصر حركة «سيليكا»؛ حيث سقط بعض القتلى في وسط المسلمين أيضاً، بالإضافة إلى بعض النصارى من المقيمين في هذه المناطق.

حدث في يوم الإثنين 23 أكتوبر 2016م إضرابات ومظاهرات أمام مقر القوات الدولية التي ردت بإطلاق رصاص بشكل عشوائي أدى إلى مقتل عدد من المتظاهرين.

فما زالت القوات الدولية تتواطأ في الأحداث التي تعيق مسيرة الاستقرار، وتسهم بشكل سلبي في حفظ الأمن كما في الأحداث الأخيرة وما سبقها من أحداث وخاصة قتل المسلمين الرعاة.

كل هذه الأحداث وغيرها جعلت أطرافاً كثيرة تشك في أن للقوات الدولية دوراً فيها، وخاصة مقتل المسؤول المسلم.

هكذا تستمر مأساة المسلمين وجراحهم في أفريقيا الوسطى لا تندمل في ظل إغفال أممي عن مآسيهم، ونوم عميق وثبات يطغى على الحالة الإسلامية التي لا تنطفئ نيران الفتن فيها؛ حتى لا يستطيع أحد أن يرفع رأسه ليرى مصيبة أخيه.

الرابط المختصر :