; الحوار مع معتقلي السلفية الجهادية بالمغرب وآفاق المراجعات | مجلة المجتمع

العنوان الحوار مع معتقلي السلفية الجهادية بالمغرب وآفاق المراجعات

الكاتب سعيد مبشور

تاريخ النشر السبت 18-أغسطس-2007

مشاهدات 19

نشر في العدد 1765

نشر في الصفحة 28

السبت 18-أغسطس-2007

المعتقلون من التيار السلفي الجهادي هم أتباع المدرسة الفكرية التي انتشرت وتمددت في أعقاب الغزو السوفييتي لأفغانستان وترددت أصداؤها في العالم الإسلامي ثم تجاوزتها إلى ديار الغرب.

منذ منتصف الثمانينيات عرف المغرب تراجعًا كبيرًا على مستوى تأطير المساجد للشباب مع توقيف مجموعة مهمة من خطباء المنابر والعلماء الذين كانت تلتف حولهم جموع الشباب يسترشدون بتوجيهاتهم.. ناهيك عن تقهقر دور مؤسسات التربية والتعليم والتنشئة الاجتماعية.

 مع توالي سنوات التلاقح والاندماج بين تجارب شديدة الاختلاف والتعقيد تأسس تنظيم القاعدة الجامع لمختلف الفصائل العربية المحاربة في أفغانستان.

 المعتقلون أصحاب الرمزية العلمائية والقيادية داخل السجون محكومون أكثر من غيرهم بواقع جامد وبالتالي فهم مستعدون للجلوس على طاولة الحوار.

أثارت تصريحات وبيانات بعض المشايخ والرموز والعناصر التي اعتقلت منذ أحداث ١٦ مايو ٢٠٠٣ م الأليمة وإلى اليوم، الكثير من ردود الفعل والتصريحات والمواقف المضادة، التي كانت في غالبها متحفظة من الدخول في أي تعاط إيجابي مع الإشارات التي بعثها أكثر من معتقل من داخل زنزانته، وكان أبرز هذه الإشارات البيان المشهور الذي حرره الشيخ عبد الوهاب أبو حفص وأعقبته ردود فعل قيل إن أعنفها كان من داخل السجن نفسه من المعتقلين الأكثر تشددًا في مسألة المراجعة أو التعامل مع المؤسسات الرسمية تبعه بيان آخر للشيخ نفسه زاد فيه وأوضح على البيان الأول وفتح في نظر البعض- الباب مشرعًا أمام إمكانية الحوار الذي ظل بابه مقفلًا طيلة السنوات القليلة الماضية.

فيما بقي الكثيرون على تحفظهم من أي بادرة يقوم بها هؤلاء الشيوخ معللين ذلك يكون المواقف الجديدة المعلنة من داخل أسوار السجون ليست مواقف جذرية تعبر عن التعديل والمراجعة في الأصول، وإنما هي آراء ترتبط فقط بمواقف من هذا التفجير أو ذاك ومحاولة التملص من جريرة الانتماء إلى تيار يؤمن بهذا النوع من العمليات ومهما يكن موقفنا من بوادر التحول في عقليات ومواقف ومسلكيات بعض الشيوخ والرموز المعتقلين على ذمة الانتماء إلى تيار السلفية الجهادية، فإنه ينبغي هنا تسجيل ملاحظة في هذا المستوى وهي الرغبة في الحوار صارت الآن واقعًا ملموسًا وحاضرًا لدى عدة أطراف سيما وقد دخلت أن وزارة الداخلية على خط القبول بالحوار وقد انضمت بعض الأصوات الإسلامية من رموز حركية وحزبية مؤخرًا إلى الدعوة من أجل المراجعة والتقويم في أفق تعزيز فرص الحوار المؤدي في مداه الأبعد إلى تجنيب المغرب كارثة العنف المسلح وتفريخ خلايا التفجير والانتحار. 

معادلة الحوار والمراجعة: الطرفان الأبرز في معادلة الحوار والمراجعة حتى الآن هما السلطة والتيار المنتشر عبر المعتقلات والسجون، ومسمى التيار خير معبر عن الحالة التنظيمية التي دخل عليها معتقلو أحداث الدار البيضاء وما بعدها، إذ إنهم في معظمهم لا يشكلون وحدة تنظيمية أو عضوية منسجمة، اللهم إذا استثنينا بعض الخلايا التي سبق أن جمعتها ظروف العمل التنظيمي المؤسسي المشترك مثلما يتعلق الأمر به الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة الأفغانية التأسيس والدولية الانتشار والتي ينسب تأسيسها -حسب تقارير صحفية- إلى المغربي محمد الكربوزي الموجود حاليًا ببريطانيا، «وحركة المجاهدين المغاربة» التي يتزعمها محمد النكاوي المعتقل حاليًا بالمغرب أو المجموعة التي نسبت إليها تسمية الصراط المستقيم وانهم المعتقل الراحل «الميلودي زكريا» بتزعمها، ومسمى «جمعية أهل السنة والجماعة» التي يرجع تأسيسها والإشراف عليها إلى الشيخ محمد الفيزازي أحد نزلاء السجون المغربية في الوقت الحالي، وبعض الأسماء اللاحقة مثل «التوحيد والجهاد»، «وأنصار المهدي» وغيرها، وفيما عدا ذلك يبقى وصف باقي المعتقلين بالتيار وصفًا جائزًا على الرغم من التعويم الذي يطرأ كلما تعلق الأمر بذكر الانتماء التنظيمي لمجمل هذه المجموعات إلى ما يسمى بـ «السلفية الجهادية». 

والمعتقلون في السجون المغربية من التيار السلفي الجهادي هم في الغالب أتباع المدرسة الفكرية التي انتشرت وتمددت في أعقاب الغزو السوفييتي لأفغانستان، وسرى هشيمها في مختلف أصقاع العالم الإسلامي وتجاوزها إلى ديار الغرب وهو تيار انتعش بفعل التغاضي الرسمي الأمريكي والعربي إبان الحرب مع الروس واكتسب لحمته الفكرية والفقهية من التأثير الكبير لعملية التلاقح التي وقعت بين مكونات وعناصر استجابت بشكل عفوي لنداء «الجهاد» وأخرى وجدت في هذا النداء فرصة إعادة الانتشار وإعادة رسم خريطة الطريق العسكرية والتنظيمية المكونات الأولى كانت في غالبها من شباب الأمة الإسلامية ومن ضمنهم الكثير من المغاربة المستجيبين للدعوات الرسمية وتحت غطاءات حملات الإغاثة الدولية للدخول إلى أرض المعارك الدائرة رحاها بين «الشيوعية» والإسلام والمكونات الأخرى كانت تتكون خصوصًا من تنظيمات قطرية فقدت نضارتها بفعل الضربات المتتالية للأنظمة وفي مقدمتها تنظيمات مثل الجهاد المصري الذي أصبحت قياداته تقود العمل المسلح العالمي فيما بعد. وكذا الجماعة الإسلامية المصرية أيضًا. وتنظيمات شتى من مختلف البلدان الإسلامية والأمصار وهذه التنظيمات التي كانت قد بدأت بالخمول والتراجع وجدت في الحرب فرصة لاستجماع القوى وخصوصًا استقطاب المزيد من العناصر المؤهلة فكريًا وعسكريًا لتقوية مشاريعها وتنفيذ أجنداتها. واستطاعت هذه التنظيمات فعلًا أن تستثمر في قدرات الإطار البشري الجاهز في أفغانستان من أجل الدخول به في غمار مغامرات حربية وعسكرية جديدة تعتمد أساسًا على الولاء العقدي المطلق للأفراد دونما الحاجة هذه المرة للولاء التنظيمي أو الهيكلي ومع توالي سنوات التلاقح والاندماج بين تجارب شديدة الاختلاف والتعقيد تأسس تنظيم القاعدة الجامع لمختلف الفصائل العربية المحاربة في أفغانستان وجرى توزيع الأدوار بين مختلف مكونات هذا الإطار التنظيمي الجديد في الشكل وفي المضمون وأسس هذا التجمع الكبير من المقاتلين المستوى جديد من الصراع قوامه استهداف الغرب أساسًا، مع مناورة الأنظمة التي يرونها عميلة أو مماثلة للغرب حسب مقاييسهم.

 موجة العنف العالمي

 والشباب المغربي بالطبع لم يكن بمعزل عن هذه الموجة العالمية العارمة، بل إن كثيرًا من العناصر المغربية انخرطت مبكرًا في مرحلة الجهاد الأفغاني، ونال المغرب تصيبه من «العرب الأفغان» الذين حملوا معهم حصيلتهم الفكرية والمذهبية وعقيدتهم القتالية إلى بلدانهم الأصلية، بعدما أضحوا مجرد مقاتلين لا علم لهم في السياسة، ولا في فكر أو ثقافة، ولا في رؤية تنظيمية فلسفية مستقبلية شاملة هم فقط مجموعة من العساكر المسرحة من الخدمة والعاطلة عن العمل الفكري والتنظيمي.

هذه الفئة مع ما ذكرناه من غياب أي وعي فكري أو سياسي تنظيمي تميزت بالدوجماتية الشديدة والتشبث بمقولات فقهية هي أقرب إلى الخصام المعرفي مع المجتمع والواقع والتاريخ، وبالتالي أضحت مرجعياتهم المقتبسة من زعامات منبرية ووعظية خارجة عن الحدود المغربية أضحت مقدسة ومقرراتها شبه الفقهية غير قابلة للنقاش وهي المقولات التي بدأت تجد لها المريدين والأتباع والمتعاطفين والأشياع في مختلف مناطق البلاد، وساهمت في ذلك الحركة الدؤوبة التي كانت قائمة بين المغرب وأوروبا وهي حركة اكتست بطابع التمويل المالي وكذا المعرفي لتيار بدأ يغزو واجهات المساجد وحلق الدروس والمناسبات مستفيدًا من تأطيره الشرعي أساسًا أي المعتمد على نصوص الكتاب والسنة واجتهادات السلف الصالح فيهما، دونما الحاجة إلى اللجوء للمدارس الفقهية المرتبطة بحركات الإسلام السياسي والمحابي بعضها للأنظمة. 

التضييق الحكومي على المساجد

 زد على ذلك أن المغرب عرف منذ منتصف الثمانينيات تراجعًا كبيرًا في دور المساجد إزاء الشباب مع ما شهدته تلك السنوات من صراع مفتوح بين قوى إسلامية سابقة تمثلت أساسًا في حركة الشبيبة الإسلامية من جهة، والنظام المغربي من جهة ثانية هذا الصراع الذي كان من نتائجه توقيف مجموعة مهمة من خطباء المنابر والعلماء الذين كانت تلتف حولهم جموع الشباب يسترشدون بتوجيهاتهم في مجالات الدين والحياة، ناهيك عن تقهقر دور مؤسسات التربية والتعليم والتنشئة الاجتماعية، وكذا تردي مستوى الإعلام، ثم إن غياب مشاريع وحلول تنموية شاملة وملموسة وتفشي الشراء السريع للطبقة السياسية من الطبيعي أن ينتج عنه موقف شعبي مضاد مهما كانت غلواؤه أو أخطاؤه. 

وإذن فتيار ما يسمى به السلفية الجهادية، هو معطى غير ثابت في الدرس الفكري، بما أنه مزيج مدارس اختلطت فيها عقيدة المذهب بعقيدة القتال، وهو منتوج غير ثابت على المستوى التنظيمي، بما أنه حالة تعبئة مستمرة هلامية في الشكل وعسكرية في المضمون. 

النقد الذاتي والمراجعات

 ولقد دخلنا في عملية التوصيف الفكري والتنظيمي لحاجتنا الموضوعية إلى معرفة الطرف الرئيس في عمليتي المراجعة والحوار التي عادة ما تخوضها القوى التي يسقط أعضاؤها في السجون والمعتقلات وفي الغالب يكون السجن مدرسة لتعلم ممارسة النقد الذاتي ومراجعة خطوات الماضي بعثراتها ونجاحاتها، ففي السجن تتبدل الأحوال النفسية وتضطرب بفعل قساوة الحبس والحرمان من الحرية وسوء المعاملة في كثير من الأحيان، وفي السجن تتهيأ الفرصة من أجل المكاشفة والمصارحة بين أعضاء التنظيمات، وتنعدم في أغلب الأحيان تراتبية السبق العلمي أو الفكري أو التنظيمي ويصير العضو غير ملزم تماما بتوجيهات قائده أو شيخه أو رمزه الأسبق فتتفتح بذلك طاقته النقدية إن كان لبناء فلبناء وإن لهدم فلهدم وكل فرد واستعداداته النفسية والمعرفية لتقبل أو ممارسة النقد وهو شيء قد يصعب كثيرًا من عملية الاختراق الجماعي العقول وقناعات المعتقلين فضلًا على أن التباين في المشارب الفقهية والفكرية شديد الكثرة والتعقيد، خصوصًا وأن القناعات التي تنبت داخل الخلايا الصغيرة وفي حالات المطاردة أو الانفصال عن المجتمع عادة ما يصعب التخلي عنها، بل ويصبح أي اختلاف مع صاحبها مهما كان بسيطًا وجزئيًا مدعاة للتكفير والإخراج من صف المسلمين.

 إن المعتقلين أصحاب الرمزية العلمائية والقيادية داخل السجون هم اليوم محكومون أكثر من غيرهم بواقع الجمود ومضي الساعات والأيام والسنين الطوال دون حركة أو تدافع أو صعود، وبالتالي فإنهم مهيؤون بفعل واقعهم هذا للتحاور ومستعدون نتيجة أزمتهم للقبول بالجلوس على طاولة الحوار وممارسة الشد والجذب المؤديين إلى إطفاء شرارة اللهيب التي أشعلتها أحداث ١٦ مايو وما بعده من اعتقالات وانتحارات وتفجيرات ولن يفوت هؤلاء الرموز -وهم أهل علم وحكمة- أن يستثمروا الأجواء المهيأة أكثر من ذي قبل لدخولهم على مصاف المواطنين المغاربة الأحرار الرافضين لكل ما من شأنه أن يضر بالإنسان المغربي أو يفسد عليه واقعه ومستقبله.

الرابط المختصر :