العنوان الحاجة إلى التفاهم -نقوش على جدار الدعوة
الكاتب جاسم بن محمد مهلهل
تاريخ النشر الثلاثاء 20-أبريل-1999
مشاهدات 37
نشر في العدد 1346
نشر في الصفحة 60
الثلاثاء 20-أبريل-1999
«إذا كنت ترغب في إيجاد تواصل مثمر وجيد، يعود عليك وعلى الآخرين بالنفع، فيجب أن يأتي فهمك للآخرين قبل كل شيء..»
ونحن - الإسلاميين - نود أن تتصل حبال الود بيننا وبين كل الناس في المجتمع الإسلامي أولًا، وفي المجتمع الإنساني ثانيًا، بحيث يفهمون فهمًا صحيحًا واضحًا ما تحمله إليهم من رسالة الإسلام، الَّتي جاء بها محمد بن عبد الله ﷺ للناس كافة، ولهم بعد ذلك أن يختاروا ما يريدون.
ولن يكون هذا التواصل - إن تم وتحقق. مثمرًا إلا إذا بني على أساس من الفهم للآخرين، فهم النفسيات بعد معرفة الأهداف والبواعث الَّتي تحرك هذه النفسيات، وفهم علاقات الترابط بين بعضها البعض، ومدى متانة هذا الترابط أو وهانته وفهم العوامل المادية المؤثرة في حياة فرد أو حزب أو جماعة أو مؤسسة، وفهم العوائق الَّتي تقف أمام الناس مانعة إياهم من قبول الانخراط في سلك الحركة الإسلامية، خوفًا من مكتسباتهم المالية وعوائدهم المادية من أن نمس أو تتوقف أو تتأثر.
إن المجتمعات الإسلامية فيها تيارات متضاربة متناقضة أحيانًا، وفيها تيارات متوازية لا تتناقض ولكنها لا تتلاقى أحيانًا أخرى، وفهم المحركات لهذا التيار أو ذاك بكل ما يتصل به ويدور حوله أمر ضروري، إن أردنا الوصول معه إلى أرضية مشتركة يقف الجميع فوقها، دون تراشق بالتهم أو بالسباب والتشهير.
إن الفهم الصحيح الواضح المواقف الآخرين هو الأساس الأول لكل تحرك دعوي، تنتظر منه ثمرة صحيحة ناضجة، وإن سوء التقدير المواقف الآخرين قد يجر على الدعوة بلاء هي في غنى عنه. وهنا لتوضيح الصورة تذكر قصة اجتماعية يذكرها أخصائي غربي في علاجه المشكلة بين زوجين فيقول ما خلاصته: إنه عالج قصة زوجين قضيا معًا عشر السنوات الأولى من زواجهما في حالة من الإحباط والخلاف بشأن حالتهما المادية، فلم يكن الزوج يدري سر احتفاظ زوجته بأي مبلغ زهيد يصل إلى يدها، ولم تكن الزوجة تدري سبب الحرص على إنفاق كل مبلغ يصل إلى يد الزوج، وقَدْ ضاع أي تفكير عقلاني بينهما في غمار شعورهما بالإحباط ولم يكن أي من الزوجين يشعر بتفهم الطرف الآخر له، لأن كليهما كان يتصرف على هواه من غير أن ينصت باهتمام إلى الطرف الآخر، فانقطع التفاهم بينهما بخصوص هذه المشكلة، فلما حاول إقامة تفاهم بينهما تبين أن الزوجة تخشى من الإفلاس الَّذي وقع فيه أبوها من قبل، وهي تدخر كل ما يصل إلى يدها حتى تجنب زوجها المشكلات، وتبين أن الزوج يريد أن يعوض زوجته بعض الشيء عن الفترة الَّتي قضتها في بيت أبيها بعد إفلاسه، فلما مدت جسور التفاهم والتواصل بينهما عاشا سعيدين، وأظن أن هذا التفاهم بين الحركة الإسلامية والمؤسسات الأخرى أمر مطلوب، بل هو أمر لا مفر منه إن أردنا إنهاء حالة الصراع أو حالة التحفز للصراع الموجودة الآن.
وليس السعي للفهم باباً لمعرفة أخطاء الآخرين والتنديد بهم ونشر ما وقعوا فيه من أخطاء بين الناس، فذلك ليس مقصودًا ولا يؤدي إلى نتيجة طيبة، بل قد يؤدي إلى تفاقم الاختلاف، وزيادة شقة البعد والانفصال، وبالتالي استمرار التمزقات الَّتي لا تنتهي إلا حين يأكل بعضها بعضًا. وإنما السعي للفهم الصحيح يؤدي إلى إقامة تواصل فعال مبني على الاستعداد لسماع حجة الآخرين وإنصافهم، وتقدير مواقفهم وتصرفاتهم، والاتفاق على الوصول إلى أحسن الطرق المؤدية لصالح الفرد والجماعة.
لقد كان الفهم الصحيح للأفراد والجماعات داب رسول الله ﷺ عامل أبا سفيان يوم الفتح معاملة من يفهم نفسية الآخرين ويحقق لهم ما يرغبون بدون أن يكون في ذلك شيء على حساب الدين فقال: «من دخل دار أبي سفيان فهو أمن» وعامل عبد الله بن أبي رأس النفاق معاملة حسنة رغم مواقفه السيئة من الدعوة والداعية، وأبى أن يقبل رأياً بقتله وقال: «لا يتحدث أن محمدًا يقتل أصحابه»، وعاش مع المنافقين في المدينة دون أن يفضحهم بأسمائهم، أو يسيء معاملتهم رغم كيدهم المستمر له ولدعوته. وسالم وحارب وعاهد وعاقد بناء على فهمه لطبائع الأفراد والجماعة، والمعرفة الدوافع والأهداف لديهم. دائمًا على استعداد لتوقع ما يحدث منهم بناء على فهمه لهم ومعرفته بهم، وكان دائمًا مستعدًا للتصرف معهم بناء على تصرفاتهم الَّتي يتوقعها منهم فلا يفاجأ بها عند حدوثها، ولا يستغربها في وقتها.
من واجب الحركة الإسلامية أن تفهم الأفراد من حولها وأن تفهم الأحزاب والمؤسسات غير الرسمية وتمد جسورًا للتفاهم معها لعلها تحقق بذلك بعض ما تريد.