; رسائل الإخاء: ميزان تفاضل الناس | مجلة المجتمع

العنوان رسائل الإخاء: ميزان تفاضل الناس

الكاتب الشيخ نادر النوري

تاريخ النشر الثلاثاء 28-يونيو-1988

مشاهدات 25

نشر في العدد 872

نشر في الصفحة 42

الثلاثاء 28-يونيو-1988

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات: ۱۳). 

فالآية تبين أن أفضل الخلق عند الله النبيون، ثم الصديقون، ثم الشهداء ثم الصالحون، وأكرمهم عند الله من كل صنف أتقاهم، ولا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى هذا في الأصناف العامة للخلق.

وخير القرون الذي بعث فيه النبي صلى الله عليه وسلم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، أما الأشخاص فأفضلهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم إبراهيم عليه السلام، وأفضل الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم وأفضل الصحابة السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، ﴿لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ﴾ (الحديد:١٠).

 والإمامة في قريش ما بقي فيهم اثنان، والناس تبع لقريش في هذا الأمر؛ لما القريش من مزية على سائر الخلق « إنَّ اللَّهَ اصطفى مِن ولدِ إبراهيمَ ، إسماعيلَ ، واصطَفى من ولدِ إسماعيلَ بَني كنانةَ ، واصطَفى من بَني كنانةَ قُرَيْشًا ، واصطفى من قُرَيْشٍ بَني هاشمٍ ، واصطَفاني من بَني هاشمٍ » (الترمذي: 3605) وهذه الخصائص كلها لا توجب أن يكون الرجل بنفسه أفضل من غيره لمجرد نسبه، بل التفاضل عند الله بالتقوى والعمل الصالح. كما قال صلى الله عليه وسلم « ألا إنَّ آلَ أبي فلانٍ ليسوا لي بأولياءَ ، إنما ولييَ اللهُ و صالحُ المؤمنِين »(البخاري: 5990) رواه مسلم.

فمن كان في الإيمان والتقوى أفضل كان عند الله أفضل ممن هو دونه في ذلك، وأولاهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان غيره أقرب نسبًا منه، فلا شك أن الولاية الإيمانية الدينية أعظم وأوثق صلة من القرابة النسبية قال تعالى ﴿إِنَّهُۥ لَيۡسَ مِنۡ أَهۡلِكَۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَيۡرُ صَٰلِحٖۖ﴾ (هود:46) وقال ﴿كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا﴾... .(التحريم:10)

والإسلام دعا إلى الاعتناء بالأنساب، للتعارف وصلة الأرحام لا للتفاخر. قال صلى الله عليه وسلم: « لينتهيَنَّ أقوامٌ يفتخرونَ بِآبائِهِمُ الذينَ ماتُوا إِنَّما هُمْ فَحْمُ جهنمَ أوْ ليكونُنَّ أَهْوَنَ على اللهِ مِنَ الجُعَلِ الذي يُدَهْدِهُ الخِرَاءَ بِأنْفِهِ إِنَّ اللهَ قد أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الجاهليةِ وفَخْرَها بِالآباءِ إِنَّما هو مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ أوْ فَاجِرٌ شَقِيٌّ الناسُ كلُّهُمْ بَنُو آدمَ وآدَمُ خُلِقَ من تُرَابٍ » (الترمذي: 3955). رواه الترمذي وأبو داود. 

ولعلي رضي الله عنه في هذا المعنى: 

الناس من جهة التمثيل أكفاء ***   أبوهم آدم والأم حواء

 نفس كنفس وأرواح مشاكلة ***  وأعظم خلقت فيهم وأعضاء 

فإن يكن لهم من أصلهم حسب *** يفاخرون به فالطين والماء 

ما الفضل إلا لأهل العلم إنهم ***   على الهدى لمن استهدى أدلاء

وقدر كل أمرئ ما كان يحسنه  ***   وللرجال على الأفعال سيماء

وضد كل أمرئ ما كان يجهله ***  والجاهلون لأهل العلم أعداء، 

والتفاخر بالأحساب والأنساب مذموم قال صلى الله عليه وسلم: «وإنَّ اللَّهَ أَوْحَى إلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حتَّى لا يَفْخَرَ أَحَدٌ علَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ علَى أَحَدٍ،» (رواه مسلم: 2865) وقال: « ليسَ منَّا مَنْ دعا إلى عصبِيَّةٍ وليس مِنَّا مَنْ قاتَلَ علَى عصَبِيَّةٍ وليس مِنَّا مَنْ ماتَ علَى عصبِيَّةٍ » (الألباني: 304) أبو داود.

وسئل:. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمِنْ الْعَصَبِيَّةِ أَنْ يُحِبَّ الرَّجُلُ قَوْمَهُ؟ قَالَ: «لَا، وَلَكِنْ مِنْ الْعَصَبِيَّةِ أَنْ يُعِينَ الرَّجُلُ قَوْمَهُ عَلَى الظُّلْمِ» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه « مَن نصَرَ قومَه على غيرِ الحقِ فهو كالبعيرِ الذي ردَّي ، فهو يُنْزَعُ بذنبِه. » (رواه أبو داود:5117).

وروى عن مالك: أن المولى يتزوج العربية محتجًا بالآية، وقد تواترت الأخبار بذلك، فسالم مولى أبي حذيفة أنكحه هندًا بنت الوليد بن عتبة، وضباغة بنت الزبير كانت تحت المقداد بن الأسود، وأخت عبد الرحمن بن عوف كانت تحت بلال، وزينب بنت جحش كانت تحت زيد بن حارثه. فالكفاءة إنما هي في الدين « إذا خَطَب إليكم مَن تَرْضَوْنَ دِينَه وخُلُقَه ، فزَوِّجُوه . إلا تفعلوا تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأرضِ وفسادٌ عريضٌ »(الترمذي:1084) وقد يعتبر النسب في الكفاءة في النكاح كالاتصال بشجرة النبوة مع التقوى أو بالعلماء الذين هم ورثة الأنبياء أو بالمرموقين في الزهد والصلاح والتقى المؤمن أفضل من الفاجر النسيب، فإن استويا في التقوى قدم النسيب عليهما.

المراجع: الفتاوى المصرية، القرطبي جـ ١٦ ونصيحة المسلمين لمحمد بن عبد الوهاب.

الرابط المختصر :