; الشيخ ناصر العمر يتحدث عن: فقه الاستشارة | مجلة المجتمع

العنوان الشيخ ناصر العمر يتحدث عن: فقه الاستشارة

الكاتب مراسلو المجتمع

تاريخ النشر الأحد 31-مايو-1992

مشاهدات 703

نشر في العدد 1003

نشر في الصفحة 34

الأحد 31-مايو-1992

جدة- خلف السليمان

ألقى الشيخ ناصر العمر محاضرة في مسجد الجفالي بجدة عن فقه الاستشارة وبين أهمية هذا الفقه للدعاة وطلبة العلم، وشباب الصحوة الإسلامية وسرد لذلك أمثلة مما جاء من أدلة قولية وفعلية من كتاب الله وسنة نبيه- صلى الله عليه وسلم، وحياة الصحابة- رضوان الله عليهم أجمعين، وبين بعد ذلك أهداف الاستشارة ودواعيها، ثم عرج على الأسباب الداعية لعدم الاستشارة فعالجها ووضحها وأخيرًا تطرق لأركان الاستشارة الثلاثة: المستشير، والمستشار، وموضوع الشورى، وبين ضوابط كل ركن على حدة. وسنوجز في هذه العجالة تلخيصًا لهذه المحاضرة لتعم الفائدة منها لجميع قراء مجلتنا «المجتمع».

أهمية الشورى

وتأتي أهمية طرح هذا الموضوع حاليًّا لانتشار الآثار السلبية للامتناع عن تطبيق الشورى والاستبداد بالرأي والتفرد به في عالمنا الإسلامي، وخص الشيخ ناصر العمر ضعف شباب الصحوة الإسلامية في فهم الشورى وممارستها في واقعهم العملي، والمتأمل لواقع الأمة خلال العقود الخمسة الماضية يجد أن الأمة قد أصيبت بنكبات ومصائب نجمت- في كثير منها- بسبب تجاهل بعض المنتسبين للدعوة استشارة العلماء في بلدهم، وفي عصرهم حول بعض القضايا الساخنة والمهمة قبل اتخاذ موقف تجاهها.

وللشورى أهمية بالغة في حياة المجتمع المسلم والأدلة من الكتاب والسنة واضحة في هذا الموضوع، فالأدلة القولية في القرآن الكريم واضحة حيث يقول الله- سبحانه وتعالى- في سورة آل عمران ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ﴾ (آل عمران: 159) وفي سورة الشورى يقول تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ﴾ (الشورى:38).

أما بالنسبة للأدلة الفعلية فيقول الشيخ: «أما أعجب ما رأيت من الشورى في القرآن أن فرعون رغم جبروته وكفره وادعائه للألوهية كان يستشير قومه، وهذا من أعجب العجب، وقد ورد هذا في سورة الأعراف، وورد أيضًا في سورة الشعراء مع اختلاف يسير في بعض ألفاظ الآيات.. فقد قال للملأ حوله: ﴿إِنَّ هَٰذَا لَسَٰحِرٌ عَلِيم. يُرِيدُ أَن يُخرِجَكُم مِّن أَرضِكُم فَمَاذَا تَأمُرُونَ. قَالُواْ أَرجِه وَأَخَاهُ وَأَرسِل فِي ٱلمَدَائِنِ حَٰشِرِينَ﴾ (الأعراف:109-111) والمقصود أن فرعون استشار لإدراكه لأهمية الشورى وفوائدها، ولو أنه في الحقيقة صدق في استشارته لوصل إلى طريق الهداية، تمامًا كملكة سبأ عندما استشارت قومها، ولكنه عندما رأى النتيجة وجمع الملأ أصدر قراره، الذي لم يشاور فيه أحدًا في حكمه على السحرة ﴿ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ  (الأعراف:124) فكانت الكارثة عندما تفرد برأيه ولم يستشر أحد وهذا بسبب التكبر والغطرسة. 

أما الأدلة من السنة فالقولية منها أن أبا هريرة- رضي الله عنه- قال- كما روى الترمذي: «ما رأيت أحدًا أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه» والأدلة الفعلية كثيرة، فقد استشار عليه السلام خديجة عندما نزل عليه الوحي، واستشار الحباب من المنذر رضي الله عنه يوم بدر، واستشار في أحد في القصة المعروفة بالخروج من المدينة أو البقاء فيها، واستشار السعدين في ثمار المدينة يوم الخندق، وكذلك كان حال صحابة رسول الله- رضوان الله عليهم. 

أهداف الشورى

من أعظم أهداف الشورى أنها عبادة نتقرب إلى الله بها عندما نطبقها لأنه أمرنا بها وهذا وحده يكفي لتطبيقها والحرص عليها، غير أن هناك أهدافًا أخرى منها:

  • البحث عن الحقيقة
  • تأليف القلوب، وفي هذا الأمر يقول ابن تيمية: إن الله أمر بالشورى نبيه- صلى الله عليه وسلم- لتأليف قلوب أصحابه وليقتدي به من بعده، وليستخرج منهم الرأي فيما لم ينزل به الوحي من أمر الحروب والأمور الجزئية وغيرها.
  • تنسيق الجهود وتجميعها والاستفادة من الطاقات وعدم تبديدها، والقضاء على الازدواجية والارتجال، والتدريب والإعداد واكتشاف المواهب والطاقات.
  • القضاء على الفردية وتجنيب الأمة الانسياق في قضايا لم تحسب حسابها.. وخير دليل على ذلك الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر التي استطاعت في أغلب الأحيان أن تحافظ على تماسكها أمام الاستفزازات الكثيرة لجرها إلى مواضع ضربها والإجهاز عليها، والسبب يعود في ذلك بعد توفيق الله إلى الشورى، فمجلس الشورى ينعقد عندهم قبل اتخاذ أي رأي تجاه أي قضية من القضايا.
  • تحقيق أكبر قدر ممكن من الثبات والنضج وبعد النظر من خلال الاطلاع على إرادة الآخرين.

* تعتبر الفردية والإعجاب بالرأي من أخطر الأمراض السياسية التي تصاب بها الشعوب

أسباب الفردية

تعتبر الفردية والإعجاب بالرأي من أخطر الأمراض السياسية التي تصاب بها الأمم والشعوب، ويؤدي هذا إلى الحكم الاستبدادي الدكتاتوري، أو ما يعرف بالزعيم الأوحد أو الحزب الحاكم، وكذلك إلى انتشار الروح الحزبية المقيتة عند التنظيمات والأحزاب المختلفة، ومن أهم الأسباب المباشرة للفردية والحزبية وتقليص مجال الشورى ما يلي:

  • الكبر والإعجاب بالنفس.
  • حب السيطرة والتفرد.
  • الشعور بأن الاستشارة تعكس ضعف الثقة بالرأي الشخصي، وعدم القدرة على اتخاذ القرار.
  • عدم إدراك فوائد الاستشارة.
  • عدم إدراك خطورة عدم الاستشارة والتفرد بالرأي.
  • ضعف الثقة في الآخرين.
  • الاستهتار والاستخفاف بالآخرين.
  • التساهل والتأجيل حتى يمضي الوقت ويضيق بحيث لا يتسع المجال للمشاورة قبل اتخاذ القرار.
  • الاتصاف بالاستعجال والخفة وفقدان رباطة الجأش.
  • تقديم المصالح الخاصة على المصالح العامة.

أركان الشورى

للشورى أركان ثلاثة هي: المستشير، المستشار، موضوع الشورى.

ولكل واحد منها ضوابط، سنحاول إجمالها فيما يلي:

أولًا: المستشير: وله ضوابط وعليه واجبات:

  • أن يكون صادقًا في استشارته، ويبحث عن الرأي الصائب.
  • ألا يكون قد اتخذ قراره فضلًا عن البدء به قبل الاستشارة، والله تعالى يقول: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ﴾ (آل عمران:159)
  • ألا تكون الاستشارة لأشخاص يختارهم المستشير ليقولوا له ما يحب لا ما يجب أن يقال.
  • أن يختار لكل أمر ما يناسبه من الأشخاص مع عدم حصر الاستشارة في أشخاص محددين بأعينهم.
  • وجوب اطلاع المستشار على جميع جوانب الموضوع حتى يقدم الرأي السديد فلا تطلعه على جانب واحد فقط ليقدم لك الرأي الذي تريده.
  • الحذر من التردد بعد الاستشارة وأن يطبق قوله تعالى: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ (آل عمران: 159).

ثانيًا: المستشار: عند البحث عن الاستشارة يجب أن نحرص على توافر الصفات التالية في الأشخاص الذين نستشيرهم:

  • التقوى والورع.
  • العلم.
  • التجربة «فلا حكيم إلا ذو تجربة» كما قال البخاري- رحمه الله.
  • الأمانة والكتمان «المستشار مؤتمن».
  • العقل والرزانة وسداد الرأي.
  • توافر المعايشة في القضية المطروحة وعدم الاستهتار بها.
  • توافر التخصص في موضوع الاستشارة.

ولا تجتمع هذه الصفات في الإنسان إلا نادًرا، لذا يمكن استدراك الأمر باستشارة مجموعة من الأشخاص تتوافر في مجموعهم المواصفات المطلوبة ويتحقق الغرض المنشود.

واختتم الشيخ محاضرته بواجبات يجب على المستشار أن يتحلى بها فقال:

ويجب على المستشار أن يتحلى بالصفات التالية عند تقديم الرأي والشورى إذا طلب منه ذلك، ومنها:

  • الصدق في الرأي ومحض النصح للمستشير والتجرد لله- عز وجل.
  • التأني وعدم التسرع.
الرابط المختصر :