; البدلة الأوروبية لم تتناسب مع الإنسان التركي | مجلة المجتمع

العنوان البدلة الأوروبية لم تتناسب مع الإنسان التركي

الكاتب المحرر المحلي

تاريخ النشر الثلاثاء 02-ديسمبر-1975

مشاهدات 8

نشر في العدد 277

نشر في الصفحة 12

الثلاثاء 02-ديسمبر-1975

موضوع الغلاف لمجلة تايم- الأميركية هذا الأسبوع خصص للحديث عن تركيا.. ومن وجهة النظر الغربية فإن تركيا اليوم تستحق هذا الاهتمام لأنها تمثل ظاهرة المسلم الذي بدأ يعيد حساباته مع الغرب ويبحث مرة أخرى عن هويته الحقيقية: هل هو مسلم أم أوروبي؟ هل طريق المجد هو الالتزام بالأصالة أم التظاهر بالفرنجة؟ وإذا ما استردت تركيا انتمائها الإسلامي بعد نصف قرن من التيه في صحراء الغرب يكون ما بناه الاستعمار المسيحي طيلة هذه السنوات قد انهار في لحظات. إذًا تلك ظاهرة جديرة باهتمام الغرب وجديرة بالدراسة. فكم من تركيا أخرى سهر الفرنجة على تربيتها في الوطن الإسلامي..

ومن تحقيق المجلة المطول الذي اشتمل على الكثير من الحقائق الهامة نختار الفقرة التي عنيت بالحديث حول القوة الإسلامية المعاصرة في تركيا فالحديث عن تركيا الأمس الإسلامية ليس فيه جديد... وإنما الجديد هو تلك الصحوة الحالية التي فرضت نفسها على مجلة «تايم» كواقع حي لا يمكن إغفاله. 

مهدت المجلة للحديث بالإشارة إلى الرؤيا التركية الجديدة التي أعقبت نصف قرن من الموالاة المطلقة للغرب حضارة وسياسة. ولخصت القناعة التركية في كلمات النائب والدبلوماسي السابق قمران عنان: «إن أية دولة تضع أمنها في يد دولة كبرى ترتكب خطأ فادحًا.. لأن هذه الدول أصبحت تقرر سیاستها بالمساومة وليس بالمبادئ الثابتة. ان أميركا تساوم موسكو بأسهل مما تفعل مع أنقرة وأن أي شخص يضع نصب عينيه المصلحة الوطنية عليه أن يحذر واشنطن بقدر ما يحذر موسكو.» 

ويقول أحد المسؤولين «إننا نشترى احتياجاتنا من أميركا مثلما تفعل أي دولة أخرى وليس لنا أي امتياز كحلفاء ولسنا بأفضل حالًا من يوغسلافيا في المعسكر الشيوعي» 

وتحدثت المجلة عن تناقص الإحساس الشعبي بالانتماء للحضارة الأوروبية ولمبادئ أتاتورك وعن الحنين إلى المشرق العربي وضربت مثلًا بموقف تركيا الأخير في الأمم المتحدة حينما صوتت ضد الصهيونية باعتبارها حركة عنصرية وعن التعاون القائم مع العالم العربي وليبيا على وجه الخصوص. ثم كتبت تحت عنوان «القوة الإسلامية» قائلة:

من المهم الإشارة إلى أن الصراع الذي بدأه أتاتورك منذ ٥٢ عامًا لإدخال تركيا في القرن العشرين لم ينجح بعد، إن تمجيد شخصية أتاتورك لا يزال موقفًا رسميًّا يسنده الجيش والنخبة المثقفة. ولكن يقف ضده القوة الهائلة للإسلام الرجعي «!» لقد كان أتاتورك يرى أن تخلف تركيا ناتج عن تدينها ولذلك فقد حاول تمزيق جذور القوة التقليدية للإسلام بين الأتراك، وكان أول ما بدأ به هو سلطة الخلافة ورمزها السلطان «الخليفة: وارث النبي محمد- عليه الصلاة والسلام- المباشر». وقرر أن تركيا المستغربة وحدها هي التي يمكن أن تحظى بالاحترام. وقد منع لبس الطربوش لأنه يفرق بين الأتراك والزى الأوروبي ولأنه يظهرهم بشكل يدعو للسخرية أمام الغربيين وإن كان يساعدهم على السجود في الصلاة بعكس القبعة «!»... وحمل على حجاب المرأة وإن لم يقدر على منعه قانونيًّا وأهم من ذلك فقد أدخل القانون المدني السويسري في المؤسسات التركية القانونية والقضائية مكان القانون الإسلامي كذلك فقد بدل الكتابة العربية بالحروف اللاتينية- وليس سوى دیکتاتور قاهر يمكنه فرض هذه التغييرات الهائلة!! 

ومنذ أن أصبحت تركيا بلدًا ديمقراطيًّا متعدد الأحزاب تحت رئاسة عصمت أنينو عام ١٩٤٥، فإن الصراع حول الإسلام يتصاعد ويحتدم بتنافس السياسيين على أصوات المسلمين ذات الفاعلية الحاسمة في مصير الانتخابات. لقد ظلت حكومة عدنان مندريس تسيطر على مقاليد السياسة والحكم طيلة الخمسينات حتى أسقطها ضباط الجيش الكمالي الغاضب الذين شنقوا رئيس الوزراء قبل تعيين حكومة مدنية جديدة عام ١٩٦١. 

وقد لاحظ الضباط بكثير من عدم الرضا العدد المتزايد للحجاج الأتراك الذاهبين إلى مكة سنويًّا والعدد الضخم من المساجد الجديدة التي تبنى في طول البلاد وعرضها وعودة التعليم الديني في المحافظات. ولكن تدخلهم العاصف فشل في إنهاء الشوق المجنون إلى الإسلام. 

وفي السنين الأخيرة فان نداء الأذان خمس مرات يوميًّا من المآذن، والذي أصر أتاتورك على جعله باللغة التركية قد تحول إلى العربية من جديد. «كل مئذنة ما هي إلا ضريح ترقد تحته قرية تركية ميتة» ذلك ما قاله أحد مسؤولي الحكومة السابقين من «المستغربين». 

أما الظاهرة «المحافظة» الجديدة فهي «حزب الإنقاذ الوطني» الذي تأسس منذ 3 أعوام بقيادة نائب رئيس الوزراء ذو الاتجاهات الشرقية المتعلقة «نجم الدین أربکان» 

وهذا الحزب الذي حاز على ٤٨ مقعدًا في البرلمان يلعب دورًا خطيرًا في تحالف سليمان ديميريل الذي يحكم تركيا بأغلبية برلمانية ضئيلة... ويمارس فيتو مزعج في صنع القرارات القومية. 

وعلى سبيل المثال فقد رفض أربكان أن يوافق على أي تنازل في المسألة القبرصية يمكن أن يؤدي إلى التخلي عن بوصة واحدة من الأرض التي احتلتها تركيا. لقد برز كزعيم يضرب على وتر حساس ومؤثر في الضمير التركي وأصدق دليل على ذلك نسبة ١٠% من مجموع الأصوات التي حاز عليها في انتخابات ۱۹۷۳ العامة.

يقول هذا الزعيم: «إن تركيا ليست في حاجة إلى ارتداء أي مودیل أجنبي وأن القرون العشر الماضية قد علمتنا بما فيه الكفاية... لقد رأينا بوضوح أن عباءة الآخرين لا تناسبنا».

الرابط المختصر :