العنوان روسيا والصين من المجابهة إلى الشراكة الاستراتيجية
الكاتب د. حمدي عبد الحافظ
تاريخ النشر الثلاثاء 02-ديسمبر-1997
مشاهدات 10
نشر في العدد 1278
نشر في الصفحة 43
الثلاثاء 02-ديسمبر-1997
استضافت العاصمة الصينية بكين الشهر الماضي اللقاء الخامس من نوعه بين الرئيسين الصيني تسيان زيمين والروسي بوريس يلتسين، والذي تم خلاله بحث ما يزيد على ١٦ قضية من القضايا ذات الاهتمام المشترك.
ووقع الرئيسان خلال الزيارة على مجموعة من الاتفاقيات والمشاريع الثنائية ذات الطابع الاقتصادي، من بينها اتفاقية لترسيم الجزء الجنوبي الشرقي من الحدود المشتركة، وثانية حول تصدير الطاقة الكهربائية من مقاطعة إيركوشك الروسية إلى الصين، وثالثة حول مشاركة الخبراء الروس في بناء محطة لتوليد الطاقة الكهربائية على نهر «يانستر»، بتكلفة إجمالية تصل إلى ثلاثة مليارات دولار، وتحدث الرئيس الروسي عن أمله في تطوير الشراكة الاستراتيجية، مع الصين، كما أكد عزمه على تطوير ودفع التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بين بلاده والصين، ليصل إلى عشرين مليار دولار سنويًا قبل حلول عام ٢٠٠٠م.
الجدير بالذكر أن حجم التبادل التجاري بين البلدين قد ارتفع من ملياري دولار عام ۱۹۹۲م إلى ما يقرب من ثمانية مليارات دولار عام ١٩٩٦م، إلا أنه عاود الانخفاض مجددًا ليتقلص بنسبة ١٣% خلال النصف الأول من العام الجاري.
من جانبه، أشاد الرئيس الصيني بما أسماه السلام الأبدي الذي عم المناطق الحدودية بعد التوقيع على الاتفاقية الأخيرة الخاصة بترسيم الجزء الجنوبي الشرقي من الحدود بين روسيا والصين، كما أشاد زيمين بالمستوى الذي بلغته العلاقات بين البلدين، استنادًا إلى مبادئ الثقة والاحترام والمساواة والنفع المشترك وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وعن دور البلدين على الساحة الدولية في القرن المقبل، أشار الرئيس الصيني إلى تطلع البشرية لنزعة التعددية القطبية في النظام العالمي الجديد بوصفها عملية حتمية لا رجعة فيها، تساعد على تحقيق أماني الشعوب في السلام والتنمية، وأضاف بأن الصين وروسيا تودان دخول القرن الحادي والعشرين سويًا ويدًا بيد من خلال التعاون الاستراتيجي بينها ومن خلال عضويتها الدائمة في مجلس الأمن الدولي.
ولاتفاقية ترسيم الحدود بين البلدين أهمية خاصة بعد أن استغرقت المباحثات بين موسكو وبكين حول قضايا الحدود ما يزيد على ثلاثين عامًا وأسفرت عن التوقيع على الاتفاقية الأولى بينهما في ١٦ مايو عام ۱۹۹۱م، لترسيم الجزء الأكبر من الحدود المشتركة بين الصين والاتحاد السوفييتي السابق، والتي كانت تقدر حينذاك بأكثر من سبعة آلاف كيلومتر.
وفي عام ١٩٩٤م، وقعت روسيا والصين على اتفاقية ثانية لترسيم الجزء الغربي من الحدود والذي يبلغ طوله ٥٥ كيلومترًا، إلى جانب اتفاقهما على عدم تصويب صواريخهما النووية- تجاه بعضهما البعض.
وعلى هامش أعمال القمة الرابعة التي استضافتها موسكو في أبريل الماضي، وقع رؤساء كل من الصين وروسيا وكازاخستان وطاجكستان وقيرقيزيا على اتفاقية ثالثة استهدفت تخفيف حدة التوتر في المناطق الحدودية وتقليص التواجد العسكري فيها تمهيدًا لإنشاء العديد من المناطق الاقتصادية الحرة.
وتأتي استجابة دول آسيا السوفييتية الوسطى المجاورة للصين «طاجيكستان وقيرقيزيا وكازاخستان» للتوقيع على اتفاقية خفض التسلح بالاشتراك مع روسيا، في إطار التنسيق الأمني داخل رابطة الكومنولث.
ورغم استقلال هذه الجمهوريات بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في ديسمبر عام ١٩٩١م، إلا أنها تدرك أهمية علاقاتها مع روسيا، إذ لا تستطيع بمفردها الإبحار في البحر الهائج من النزاعات العرقية والسياسية المتفجرة في ظل الصراع الضاري على النفوذ في المنطقة والذي ازداد اشتعالاً بعد انتهاء الحرب الباردة، على عكس ما كان متوقعًا، وكان من الطبيعي أن يؤثر مناخ التقارب بين روسيا والصين إيجابيًا على مواقف بلدان آسيا السوفييتية السابقة تجاه بكين فأعربت عن تطلعها لتطوير علاقاتها مع العملاق الصيني.
كان قصر الكرملين استضاف في أبريل الماضي القمة الرابعة التي شهدت ولادة الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، والتي لا تقل في أهميتها عن الشراكة من أجل السلام التي وقعتها روسيا مع حلف الناتو عام ١٩٩٤م، وذلك من خلال إعلان موسكو الذي دعا إلى إقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب ورفض بشكل قاطع النظام العالمي القائم على القطب الواحد، واستنكر هيمنة الولايات المتحدة وانفرادها بإعادة صياغة وتشكيل العلاقات الدولية بعد انتهاء المجابهة بين القطبين المتصارعين في النظام العالمي القديم.
ومثل «إعلان موسكو»، محاولة أولى وجادة لتصويب الخلل الذي أصاب العلاقات الدولية من جانب دولتين تمتعتا بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي وبمكانة ونفوذ دوليين لا بأس بهما، ولما كانت الرغبة في إقامة نظام عالمي جديد أكثر عدلاً وديمقراطية تراود دولاً وشعوبًا كثيرة، فمن المرجح أن يلعب إعلان موسكو، دورًا إيجابيًا في إعادة التوازن إلى العلاقات الدولية ودفع المتمردين على النظام العالمي السائد حاليًا إلى الثورة عليه واستبداله.
والسؤال الذي يطرح نفسه: ماذا يمكن أن تفعله روسيا والصين لوضع فكرة العالم المتعدد الأقطاب موضع التنفيذ العملي؟
كان يلتسين قد لوح مرارًا بإقامة حلف عسكري جديد يضم كلاً من موسكو وبكين ومينسك و«ربما نيودلهي»، ردًا على توسيع عضوية حلف الناتو، إلا أنه تراجع عن هذا بعد توقيع اتفاق باريس في ٢٧ مايو الماضي بين روسيا والحلف، كما أن القيادة الصينية لاذت بالصمت تجاه الدعوة لإقامة تحالف عسكري جديد في مواجهة الغرب، ربما لقناعتها بعدم جدية العرض الروسي بهذا الشأن.
وبالفعل أثبتت الأحداث صحة الموقف الصيني المتشكك في قدرة موسكو على تخطي «الخط الأحمر» في علاقتها مع الغرب.
وهكذا تخطو روسيا خطوة في اتجاه «الشرق»، وأخرى في اتجاه الغرب، تجسيدًا للسياسة البراجماتية لموسكو، وكل ما يمكن رؤيته من الشراكة الاستراتيجية بين موسكو وبكين أنها محاولة للاستقواء بأنصار التعددية القطبية في النظام العالمي ضد الهجمة الأمريكية على مكانتهما ومصالحهما دون أدنى رحمة غير أن هذا لن يحدث هزة عنيفة في العلاقات الدولية الحالية، نظرًا لأن النظام العالمي لا يأتي بحال بقرارات فوقية، بل هو نتاج مباشر لميزان القوى القائم ولتفاعلات سياسية اقتصادية وعسكرية في غاية التعقيد.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل«الأتـربـــة النـــادرة».. هل تصبح محور الصراع القادم بين كبـــــار العالـــــــم؟ ولمــــــــــاذا؟
نشر في العدد 2176
21
الأربعاء 01-فبراير-2023
ازدواجية معايير الغرب والأمم المتحدة تجاه القضايا العربية والإسلامية
نشر في العدد 2101
774
الثلاثاء 01-نوفمبر-2016