العنوان الإجابة للشيخ عبدالعزيز بن باز يرحمه الله.. العناية بالتراث الإسلامي
الكاتب د. أحمد ناجي
تاريخ النشر الأحد 01-أكتوبر-2023
مشاهدات 765
نشر في العدد 2184
نشر في الصفحة 30

الأحد 01-أكتوبر-2023
• ما المراد بالتراث الإسلامي وما حكم الاعتناء به؟
- لا شك أن التراث الإسلامي أمره مهم والعناية به واجبة، وعلى رأس هذا التراث كتاب الله عز وجل، وسُنة رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، فهما أعظم تراث وأفضل تراث وأنفع تراث، وهما أصل دين الإسلام وأساسه، خلفهما لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله يقول في كتابه العظيم: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) (فاطر: 32)، وعلى رأس المصطفين رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، ثم صحابته الكرام، ثم مَنْ تبعهم بإحسان.
فكتاب الله فيه الهدى والنور، وهو أعظم التراث وأفضل التراث وأصدقه، فيه الهدى والنور، فيه الدلالة على كل خير والتحذير من كل شر، فيه الدعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال والتحذير من سيئ الأخلاق وسيئ الأعمال.
فالاعتصام بكتاب الله وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم السبيل الوحيد للنجاة، وهو الصراط المستقيم، فالواجب على أهل الإسلام أن يعتصموا بهذا الكتاب العظيم والسُّنَّة المطهرة، وذلك فرض على جميع المكلفين من الجن والإنس، من العرب والعجم، من الذكور والإناث، والأغنياء والفقراء والحكام والمحكومين، فرض عليهم جميعاً أن يدخلوا في دين الله، وهو الإسلام، كما قال الله سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ) (البقرة: 21)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ) (النساء: 1)، فرض عليهم أن يدخلوا في دين الله، وأن يعتصموا بكتابه وهو القرآن، وبسُنة الرسول الصحيحة الثابتة عنه عليه الصلاة والسلام، وليس لهم أن يحيدوا عن ذلك.
فالواجب على اليهود والنصارى وعلى جميع المشركين وعلى جميع أصناف الكفرة، الواجب على الجميع أن يدخلوا في دين الله، وأن يلتزموا به، وهذا هو التراث الذي فيه سعادتهم إذا عقلوا.
وهذا التراث هو أعظم تراث، ولا نجاة للعالم ولا سعادة للعالم إلا بحفظ هذا التراث والتفقه فيه، والاستقامة عليه، والدعوة إليه علماً وعملاً وعقيدة، خلقاً وسيرة.
فكتاب الله فيه الهدى والنور، وفي سُنة رسوله صلى الله عليه وسلم بيان ما قد يخفى، مع بيان أحكام جاءت بها السُّنَّة لم تُذكر في كتاب الله تعالى، وأحكام فصلتها السُّنَّة لم تُفصل في كتاب الله، قال تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل: 44) وقال جل وعلا: (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (النحل: 64).
فالله تعالى أنزل الكتاب عليه تبياناً لكل شيء، وأمره سبحانه أن يبين للناس وأن يشرح لهم ما قد يخفى عليهم، وأن يوضح لهم ما قد يختلفون فيه، حتى يرجعوا إلى الصواب، وحتى يستقيموا على الهدى، وقد بلَّغ البلاغ المبين عليه الصلاة والسلام، وأدى الأمانة ونصح الأمة، حتى قال لهم يوم عرفة بعدما خطبهم وبيَّن لهم ما يجب عليهم في حجهم: «وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون»، قالوا: نشهد إنك قد بلغت وأديت ونصحت، فرفع أصبعه إلى السماء فقال: «اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد».
فعلى الجميع أن يُعظموا هذا التراث العظيم، وأن يحببوه إلى الناس ويذكروهم بهذا التراث ويتمسكوا به ويعضوا عليه بالنواجذ، ويعملوا به مع سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنها الوحي الثاني الموضح لكتاب الله تعالى، والدال على أحكام أخرى أوحاها الله لنبيه عليه الصلاة والسلام.
وهذا التراث العظيم؛ كتاب الله عز وجل، وسُنة رسوله عليه الصلاة والسلام؛ هما أعظم التراث، وهما أهم التراث، والواجب العناية بهما، والوصية بهما والتمسك بهما قولاً وعملاً وعقيدة، في السر والجهر، في الشدة والرخاء، في الصحة والمرض، في السفر والإقامة، من الذكور والإناث، من العرب والعجم، من الجن والإنس، من الحكام والمحكومين، من الأغنياء والفقراء، على هؤلاء جميعاً أن يعملوا بهذا القرآن وسُنة رسول الله المطهرة، وأن يحفظوا هذا التراث حفظاً يتضمن العمل والنصيحة، والدعوة إلى هذا التراث والاستقامة على معناه، والحرص على تبليغه لجميع العالم.
يقول سبحانه وتعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت: 33)، ويقول عز وجل: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل: 125)، ويقول جلّ وعلا: (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي)(يوسف: 108)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله»، ويقول: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً».
فسيرته صلى الله عليه وسلم وأقواله وأعماله وتقريراته كلها من التراث وكلها من السُّنَّة، فالواجب العناية بذلك والحرص على كتب السُّنَّة، فكتب السُّنَّة من أعظم التراث، وإن السُّنَّة التي جاءت عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قوله وعمله وتقريراته وغزواته وغير ذلك يجب على أهل الإسلام والعلماء على الوجه الأخص والحكام وطلبة العلم العناية بها تفسيراً، ومن ذلك الكتب الإسلامية المشتملة على تفسير كتاب الله وبيان معناه، والمشتملة على أحاديث الرسول وسيرته ومغازيه وغير ذلك؛ كالصحيحين والسنن الأربع وموطأ مالك ومسند أحمد وكتب الحديث، فإنها أعظم التراث وأفضل التراث وأهم التراث بعد كتاب الله، وإنها الحافظة للسُّنَّة والمبلغة لها، وهي الوحي الثاني، فالواجب على أهل الإسلام العناية بها وبأصولها ومخطوطاتها الصحيحة؛ لأنها مرجع يرجع إليها عند الحاجة، وعند الاختلاف.
ومن أعظم العناية بالتراث العناية بالمخطوطات الحديثية والمخطوطات التفسيرية والمخطوطات الفقهية لأئمة الإسلام المعروفين المحتج بهم والمعمول بأقوالهم، فالعناية بها من أهم العناية، وهكذا كتب اللغة العربية وقواعدها، وكتب التاريخ الإسلامي، والسيرة النبوية، كلها تجب العناية بها حتى تُنقل سليمة صافية، سليمة من عبث العابثين وكذب الكذابين، وقد عني علماء الإسلام بذلك، وبينوا ما أدخله الكذَّابون في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وما وضعه الواضعون من الكتب الباطلة، فقد عني أهل العلم بذلك.
فعلينا أيضاً أن نسير على نهجهم، وعلينا أن نهتم بهذا التراث العظيم ونبين الحق من الباطل ونبين الصالح من الزائف، ونحرص على العناية بالكتب السليمة المفيدة من كتب الحديث والتفسير والفقه الإسلامي والقواعد العربية وغيرها من الكتب النافعة، حتى الكتب الأخرى التي تنفع المسلمين في أمور دنياهم والمتلقاة عن أهل الثقة والبصيرة في شؤونهم؛ لأن الناس في حاجة إلى أن يعرفوا شؤون دنياهم ويستعينوا بها على طاعة الله تعالى، وكل شيء ينفع المسلمين ويعينهم على حفظ دينهم وحفظ كتاب ربهم وسُنة نبيهم عليه الصلاة والسلام، ويعينهم على الإعداد للأعداء؛ فهو مهم، ومن التراث الذي يجب أن يُحفظ ويُعتنى به، والله يقول سبحانه: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ) (الأنفال: 60).
فالكتب التي ألَّفها الأقدمون من المسلمين، أو ألفها غير المسلمين وتنفع المسلمين وتعينهم على الإعداد للعدو، وهي في شتى العلوم الدنيوية يعتنى بها أيضاً، إن كانت تنفع المسلمين وتعينهم على إعداد القوة والاجتهاد فيما ينفعهم في دينهم ويقوي جندهم وجهادهم ضد عدوهم.
يجب أن يُعرف التراث الإسلامي، وأنه ما ثبت بكتاب الله، أو سُنة رسوله صلى الله عليه وسلم وبما شرعه الله لعباده، أو أجمع عليه المسلمون، هذا هو التراث الإسلامي، أما ما ابتدعه المبتدعون وأحدثه المحدثون من عبادات أو أماكن تُعظم، أو أشجار وغير ذلك، فهذه لا يجوز أن تُنسب إلى الإسلام ويقال: إنها تراث إسلامي.
والخلاصة أن المقصود من التراث الإسلامي هو ما بُعث به نبينا عليه الصلاة والسلام من الهدى ودين الحق، والكتب التي ألفت في ذلك مما ينفعنا والمخطوطات الموجودة في ذلك، وهكذا كل ما نريده ونأخذ به ونستعين به على طاعة الله وعلى الإعداد لأعداء الله.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
التراث الإسلامي وتأويله.. مقاصد واتجاهات.. مقومات وتحديات
نشر في العدد 2184
758
الأحد 01-أكتوبر-2023

