العنوان المملكة المغربية تتجه إلى أفريقيا وتحتضن أبناءها المهاجرين
الكاتب عبدالغني بلوط
تاريخ النشر الأحد 01-يناير-2017
مشاهدات 777
نشر في العدد 2103
نشر في الصفحة 44

الأحد 01-يناير-2017
من القيم الإسلامية الأصيلة التي حث عليها الإسلام، ومارسها رسوله صلى الله عليه وسلم؛ الانفتاح على الآخرين، وحسن التواصل معهم، خاصة إذا كانت هناك علاقات جوار أو نسب أو قرابة، كما حث على إيواء الغريب ونصرة المظلوم.. وفي هذا السياق، شكلت كل من زيارة العاهل المغربي محمد السادس إلى شرق أفريقيا، والتسوية القانونية للمهاجرين الأفارقة في المغرب حدثين بارزين استأثرا باهتمام المحللين السياسيين والمتتبعين في الداخل والخارج.
الزيارة الملكية التي كان هدفها تبادل الخبرات والتجارب والتلاقح على مستويات عدة، عكست انفتاح المغرب على دول شرق أفريقيا بعد طول مدة من عدم التواصل، فيما أبانت التسوية القانونية للمهاجرين سعي المغرب إلى أن يكون نموذجاً في هذا المجال.
فقد تساءل الكثيرون عن العلاقة بين الزيارة الملكية إلى أفريقيا والتسوية القانونية للمهاجرين، وأجاب د. عبدالفتاح الفاتحي، الخبير الدولي في مجال العلاقات الدولية والمختص في الشؤون الأفريقية، في تصريح لـ«المجتمع»؛ بأن هذه العلاقة تندرج في سياق اهتمام مغربي أصيل بأفريقيا وليس ظرفياً يرتبط بنازلة ما، مبرزاً أن المغرب له اليوم مسار وتجربة كبيرة في هذا الاتجاه.
في حين يقول خالد الشيات، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة المغربية: إن التوجه إلى أفريقيا واحتضانها أمر طبيعي في دولة تشق مسارها التنموي، وتريد أن تضطلع بدور طلائعي على كل المستويات.
التوجه نحو أفريقيا
وعن أسباب التوجه إلى أفريقيا يبرز د. الشيات ذلك بأن المغرب واعٍ بوجوده في قارة أفريقيا؛ لأنه كما هو معلوم هناك حتمية تفرضها الجغرافيا على الكتل السياسية، لذلك لا يمكن أن تتساءل عن أهداف للمغرب، ولكن عن مدى تناغم وجود هذه الكتلة السياسية التي هي المغرب مع الفضاء الجغرافي الذي هو أفريقي، وبذلك يمكن التساؤل عن هذا التماهي من جانبين على الأقل؛ الأول سياسي يسائل المغرب من جانب جماعي أو متعدد الأطراف، ولا سيما علاقة المغرب مع الاتحاد الأفريقي، أو ثنائي في علاقة المغرب مع كل دولة؛ وبالتالي فالمغرب يسعى لكي يثبت وجوده في انسجام مع مجاله الطبيعي، وأي سياسة تجاه أفريقيا يجب أن تكون قائمة على هذا الأمر.
وعن نتائج الزيارة، قال د. الموساوي العجلاوي، الخبير في الشؤون الأفريقية: إن الزيارة الملكية لدول شرق أفريقيا فتحت الباب على مصراعيه لحضور مغربي متعدد المداخل في هذه المنطقة، منها الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي والمالي والديني، فهي إذن إعلان مرحلة جديدة في تاريخ المغرب بعمقه الأفريقي.
وأضاف المتحدث أن الاتفاقات الـ45 المعلنة تتيح للمغرب الاستقرار في المنطقة، على المستوى الزمني للعقدين المقبلين على الأقل، كما أن هذه الزيارة تموقع المغرب جيوسياسياً وإستراتيجياً، في المجال الجغرافي من القارة التي توجد به أغلبية الدول المعترفة بـ«البوليساريو»، وهي لا تتجاوز 13 دولة، وأبرز المتحدث أن الاتفاقات الموقعة بين المغرب ورواندا وتنزانيا وغيرها من الدول التي شملتها الزيارة تكشف أنها ثمرة عمل دقيق.
من جهته، أبرز الفاتحي أن الزيارة الملكية إلى أفريقيا غدت أمراً بنيوياً في الدبلوماسية الملكية، فبعد أن دشن محمد السادس أولى جولاته إلى أفريقيا عام 2001م ألغى ديون المغرب على الدول الأفريقية، وصلها بزيارة أخرى في عام 2014م، وتميزت بتعزيز الحضور الاقتصادي والثقافي في غرب أفريقيا.
ويعتمد المغرب إستراتيجية قوية فيما يتعلق بتمتين العلاقات مع البلدان الأفريقية، في كل المجالات، اقتصادياً ودينياً واجتماعياً وثقافياً، ولعل أبرز مظاهر ذلك المشاريع الاستثمارية للمكتب الشريف للفوسفاط ولمجموعة من المؤسسات الاقتصادية، وهذا ظاهر في الاتفاقيات التي وقعت بين المغرب ومختلف الدول الأفريقية التي شملتها الزيارة الملكية.
احتضان المهاجرين
أطلق المغرب مرحلة ثانية من عملية تسوية الوضعية القانونية للمهاجرين الأفارقة المقيمين على أرضه، مؤكداً عزمه الاستمرار في مقاربة ملف الهجرة بمقاربات إنسانية والتزاماً بالمواثيق الدولية، ولهذا التوجه حسنات كثيرة تندرج في المقاربة التي ترى في وجود مهاجرين أفارقة فرصة لا تهديداً، وقد سعى هذا التوجه أيضاً نحو تمتين العلاقات مع الدول الأفريقية عبر الزيارات المكوكية التي قام العاهل المغربي محمد السادس إلى عدد من البلدان الأفريقية، وقد مكنت المرحلة الأولى من تسوية وضعية أكثر من 25 ألف مهاجر من أصل 28 ألف طلب، (56% من الذكور، 44% من الإناث) تبلغ نسبة القاصرين منهم 13%.
ويقول د. خالد الشيات، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة المغربية: إن تحول المغرب في تعاطيه مع الهجرة من المقاربة الأمنية إلى مقاربة تعتمد على الدمقرطة والإنسانية، مبرزاً أن المغرب وصل في مقاربته الإنسانية لموضوع الهجرة إلى مستوى يلامس المقاييس المعيارية التي ترسمها الاتفاقيات الدولية.
وأضاف أن الإجراءات التي أطلقها المغرب لتحسين وضعية إقامة المهاجرين ليست من أجل التشجيع على الهجرة إلى المغرب، وإنما غرضها التقنين من جهة، ومبادرة لاحترام إنسانية المهاجر من جهة أخرى.
ويضيف الشيات أن المغرب لا يحدد سياساته تبعاً لما تقوم به دول أخرى، ولا سيما في مجال إنساني، كما هي حال الهجرة؛ أعتقد أن المغرب من جانب آخر تعامل مع الهجرة وإقامة الأجانب في صيغته الجديدة منذ عام 2003م، وهذا يعني أننا نبدع في علاقتنا مع الإنسان المهاجر، ونطور في علاقتنا مع الهجرة كحق من خلال بُعدين؛ بُعد ديمقراطي في توافق مع مقررات الدستور، والثاني إنساني وشامل، لكن لا يمكن أن يقوم المغرب بالانفتاح على أفريقيا دون أن ينفتح على الإنسان الأفريقي؛ لأن المغرب يقدم لأفريقيا نموذجاً تنموياً، وهو موجه للإنسان الأفريقي، وهو ينسجم مع هذا التوجه الاقتصادي والسياسي بإقحام الجانب السياسي.
وعن اهتمام المغرب بالمهاجرين، أكد د. الفاتحي أن إستراتيجية المغرب تميزت عن الكثير من الدول حتى الأوروبية، فإذا كان المغرب ييسر ظروف إقامة اللاجئين بغض النظر عن سبب تواجدهم في المملكة لـغاية أساسية؛ وهي الحرص على كرامة عيشهم بالمملكة المغربية، فإن العديد من الدول تعتمد طردهم وإعادتهم إلى بلادهم.
ردود دولية
وسائل الإعلام الدولية اهتمت بموضوع المهاجرين، وفي هذا الصدد كتبت صحيفة «إلباييس» الإسبانية أن المغرب «رائد» أفريقيا في مجال تسوية أوضاع المهاجرين.
وتشير تقارير حقوقية إلى أنه رغم كثافة توافد المهاجرين غير الشرعيين على المغرب، واستقرارهم به لفترات طويلة، فإن هذه الظاهرة لم تفرز ممارسات عنصرية بارزة إزاء هؤلاء، وكتبت المجلة الأمريكية «كريستيان ساينس مونتير» أن سياسة المغرب في مجال الهجرة، التي تعكس في الواقع رؤية المغرب لتفعيل مقاربة وطنية إنسانية شاملة ومسؤولة، تشكل نموذجاً جديداً يحتذى، من أجل تسوية أزمة الهجرة التي تواجهها أوروبا.>
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
العلاقات الروسية الأفريقية تحت المِجهَر.. ماذا يريد «بوتين» من أفريقيــا؟
نشر في العدد 2176
33
الأربعاء 01-فبراير-2023

